وتواجه الخطوة التركية تحديات محلية تتمثل بالموقف الداخلي الشعبي، وإن كان غالبيته يؤيد التحركات العسكرية التركية، إلا أن بعض الجهات المعارضة غير مقتنعة بجدوى العملية وتفضل التوافق مع النظام والقوى الإقليمية لحل الأزمة في سورية عبر الحوار، فضلاً عن رفض شعبي كردي لهذه العملية، حيث يعتبر المكون الكردي كبيراً في تركيا.
وإزاء ذلك، هناك حشد كبير من قبل حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، لتبرير العملية وأهميتها، وخاصة فيما يتعلق بأهداف أنقرة بأن تثمر هذه العملية في إعادة مليون لاجئ سوري على الأقل إلى هذه المنطقة التي ستكون بحاجة لدعم مالي كبير من أجل بناء المساكن، وتقوية البنية التحتية لتشجيع عودة اللاجئين إلى هذه المناطق.
كما تواجه تركيا تحديات أخرى على الصعيد الإقليمي، خاصة أن التفهم من دول المنطقة وبشكل خاص من قبل إيران وروسيا للمخاوف الأمنية التركية محدد وله أطر وخطوط حمراء، حيث إن هاتين الدولتين ومن ورائهما النظام السوري، تشجعان تركيا على عمل عسكري ضمن إطار اتفاق أضنة بين تركيا وسورية، والموقع في عام 1998، ويسمح لتركيا بالتوغل داخل سورية بعمق 5 كم في حال وجود تهديد أمني، وهو ما يعني محدودية الضوء الأخضر من قبل هذه الدول.
ولمواجهة هذا الموقف فإن تركيا تؤكد في كل تصريح لها على الاعتراف بوحدة واستقلالية كامل الأراضي السورية، وتعمل من أجل ذلك، لطمأنة حلفائها في مسار أستانة، ولكن في نفس الوقت فإن هذه الحدود الموضوعة ستعرقل الأهداف التركية بتشكيل منطقة آمنة بالفعل، تكون كبيرة وتستوعب العدد الكبير الذي تتحدث عنه من اللاجئين.
أما دولياً، فإن الخطوط الحمراء التي تحدث عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهي حدود مسموحة لتشكيل منطقة أمنية وفق المنظور الأميركي وليس منطقة آمنة، يعتبر أبرز تحد لتركيا، خاصة أن الرئيس ترامب هدد أمس تركيا بتدمير اقتصادها، وهذه نقطة الضعف التركية في أي مفاوضات مع أميركا، وسيكون هذا التهديد رادعاً كافياً لتركيا لتحقيق طموحاتها في المنطقة، وربما يسبب ذلك بقبول تركيا في المرحلة الأولى بمنطقة حزام أمني فقط.
وتشير المعطيات المتوفرة من المصادر التركية، إلى أن الضوء الأخضر الأميركي حالياً هو لمنطقة محدودة تمتد على مسافة قرابة 150 كم على الحدود تشمل مدينتي رأس العين وتل أبيض، بعمق قد لا يتجاوز 5 كم، بانتظار القمة المزمع انعقادها الشهر المقبل بين الرئيسين رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي دونالد ترامب في واشنطن.
وتخشى أنقرة من التصادم مع أميركا وهي في الأساس كانت عاجزة عن تنفيذ أي عمل عسكري دون موافقة منها، فضلاً عن رفض غربي، خاصة مع اعتبار هذه الأطراف أن مليشيات "قوات سورية الديمقراطية" هزمت "داعش"، وبالتالي هناك تحديات دولية تخشاها تركيا.
أما على صعيد الميدان السياسي، فهناك تحديات أخرى بالتصادم الداخلي مع قوى المعارضة، وخاصة أن أصوات "العدالة والتنمية" انخفضت مؤخرا، وفي حال لم تجرِ رياح العملية العسكرية بما تشتهيه سفن الحكومة التركية، فستكون له آثار داخلية كبيرة.
ومن الناحية الأمنية، قد تفتح العملية العسكرية المجال لحزب "العمال الكردستاني" لتنفيذ عمليات عسكرية أكبر في الداخل التركي، مع وجود ردات فعل من قبل القوميين الأكراد، الأمر الذي قد يؤدي إلى مواجهات وتهديدات كبيرة، مثلما حصل في 6-7 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2014، إبان ذروة هجوم "داعش" على مدينة عين العرب، وهي أحداث شغب أودت بحياة مواطنين أتراك وأكراد، وأدت لخسائر جسيمة في مدن تركية عديدة.
كما أن دخول تركيا للمنطقة قد يجعلها تواجه بقايا تنظيم "داعش"، وهي ورقة قد تستخدمها المليشيات الكردية ضد أنقرة، خاصة أن منطقة العمليات واسعة جدا شرق الفرات، وليست محدودة كما في "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، وبالتالي تواجه أنقرة مخاطر أمنية كبيرة، لا تجعل دخول المنطقة أمراً سهلاً.
ويبقى التحدي الأكبر وهو الهاجس الاقتصادي مع الخطوط الأميركية الحمراء، لأن التهديد الأول من ترامب هو بالليرة التركية أمام الدولار، ما يعرض الاقتصاد التركي لخسائر كبيرة، مما ينعكس ذلك على الوضع الداخلي التركي، وبالتالي فإن التحدي الاقتصادي هو أكبر خط أحمر لن تتجاوزه أنقرة في الفترة المقبلة.