لماذا تصرّ أربيل على تحويل سنجار إلى محافظة؟

17 فبراير 2019
وعد الأكراد الأيزيديون بتحويل سنجار لمحافظة (جيوفيين سو/Getty)
+ الخط -
مجدداً يعود قضاء سنجار إلى واجهة الحدث في العراق، لكن هذه المرة ليس بسبب حزب العمال الكردستاني ومقرّاته فيه أو بسبب تنظيم "داعش" وما خلفه من كوارث إنسانية في المنطقة المتعددة دينياً وعرقياً، الواقعة في محافظة نينوى على مقربة من الحدود السورية والتركية، بل بإضافة القيادات الكردية في أربيل القضاء إلى لائحة طلباتهم الطويلة المقدمة لبغداد. سنجار التي أنهت قبل أسابيع ذكرى تحريرها الثالثة من قبضة تنظيم "داعش"، ووقعت تحت سيطرة مليشيات حزب العمال الكردستاني وفصائل مسلحة أخرى شُكّلت هناك، ومارست عمليات تطهير عرقي ضد المسيحيين والمسلمين العرب من سكان المنطقة، تصدّرت جولة مشاورات عدة بين المسؤولين في بغداد وأربيل، للحث على اقتطاعها من محافظة نينوى، وتحويلها من قضاء إداري إلى محافظة تابعة لإقليم كردستان.

ووسط اعتراض القوى العربية السياسية، السنية والشيعية وكذلك المسيحية في سهل نينوى وبغداد على هذا الطرح، أكد مسؤولون آخرون أن الغاية من طرح الملف حالياً هو للمناورة به في مشاورات كركوك الجارية. وعلى الرغم من تصويت البرلمان العراقي السابق خلال معركة استعادة الموصل على قانون، وُصف بالاستباقي، يمنع أي تغيير على حدود المحافظة أو اقتطاع جزء منها، إلا أن المسؤولين الأكراد يستخدمون قوى كردية أيزيدية وشخصيات حقوقية أوروبية، لإظهار أن مأساة المدينة وسبب عدم استعادتها العافية لحد الآن، هو كونها مرتبطة بالموصل إدارياً، بحسب مسؤول بارز في بغداد، لم يخفِ قلقه مما وصفه "عدم جدّية رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في قطع دابر المطامع ذات المنطلقات القومية من أربيل".

وظهر رئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني في مؤتمر صحافي، عام 2016، قال فيه إن "البشمركة والطيران الأميركي حرّرا قضاء سنجار"، ملمحاً إلى "بدء الجهود لإعلانه محافظة مستقلة تابعة لإقليم كردستان، مع وجود مجتمع دولي سيعمل على إعمار المنطقة".

هذا الخطاب لم ينل وقتها أي اهتمام من سياسيي بغداد، فقد كانت الأجواء مشحونة بمتابعة تطورات الحرب على تنظيم "داعش" ولا وقت للنزاعات السياسية، ولكن الخطاب نفسه تكرر عبر نائب رئيس الحزب نيجرفان البارزاني، في فترة الحملات الانتخابية للحزب الديمقراطي الكردستاني، في مايو/ أيار الماضي، في مدينة دهوك، وقد حضرها جمعٌ غفير من الأيزيديين النازحين. وقد وعد البارزاني الأيزيديين بـ"العمل على جعل سنجار محافظة تنفيذاً لمطالبهم". وقال "سنعمل على أن تصبح سنجار محافظة، كما يطلب الإخوة والأخوات الأيزيديين"، ومثل الخطاب الأول، لم تلق هذه الفقرة أي تعليق من بغداد، بسبب الانشغال في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

إلا أن ظهور نيجرفان البارزاني أخيراً، داعياً بشكل صريح إلى "تحويل قضاء سنجار إلى محافظة مستقلة، تسبب بعاصفة قلق داخل أوساط سياسية مختلفة في بغداد ونينوى". وقال نجيرفان البارزاني في كلمة له ألقاها خلال مراسم استقبال جثمان أمير الأيزيديين في العراق والعالم، تحسين علي بك، ونقلتها وسائل إعلام كردية، إنه "يجب أن يؤدي الأيزيديون دوراً أكبر في مناطقهم"، مضيفاً "ينبغي أن يتحول قضاء سنجار إلى محافظة، ويتعين على إقليم كردستان والعراق السعي في هذا المجال". وهي إشارة إلى انتهاء مرحلة المناقشة وبدء العمل مع رئيس الحكومة عادل عبد المهدي والبرلمان للاستحصال على الموافقات الرسمية والقانونية.

وقد عمد مسؤولون أكراد إلى تغيير اسم المدينة في إعلام الإقليم ومخاطباتهم الرسمية من سنجار، وهو الاسم العربي، إلى شنكال، وكشفوا عما سمّوه "مساعي إنصاف سكان المدينة". وعلى الرغم من وجود عمليات تغيير ديمغرافي واسعة تجاه العرب بالقرى المجاورة ومركز المدينة، بقيادة العمال الكردستاني ومتطرفين أيزيديين بحجة "الانتقام لجرائم السبي التي نفذها داعش بحقهم عام 2014"، إلا أن المسؤولين الأكراد تغاضوا عن ذلك، مع تهاون حكومة عبد المهدي الذي يتجنب فتح جبهة أخرى مع أربيل.

مسؤول بارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني، اعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المطالبة بتحويل سنجار إلى محافظة، كانت حاضرة في أذهان المسؤولين في حكومة كردستان منذ يوم تحرير القضاء، وأن العمل جارٍ للتواصل مع الحكومة العراقية، وأن الأهالي في سنجار هم الذين سيقررون مصيرهم، بعد تحويل القضاء إلى محافظة، عبر تنظيم استفتاء، في حال كانوا يريدون الانضمام إلى الإقليم أو لا".

ولفت المسؤول في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "سنجار مدينة منكوبة ومغدورة، إذ لم تُصرف لها أي أموال خلال السنوات الماضية من الحكومة الاتحادية، بسبب شمولها بالمادة 140 من الدستور، وهي ما تُعرف بالمناطق المتنازع عليها، حتى حكومة إقليم كردستان لم تكن لديها القدرة لمساعدتها بسبب الأزمة الاقتصادية، التي أدت إلى تراجع كبير في مستوى الخدمات الخاصة بالقضاء، فضلاً عن تعرض سكان المدينة للتهجير والقتل من قبل داعش. بالتالي، فإن تحويلها إلى محافظة، سيضمن لها ميزانية مالية سنوياً، ولن تتعرض للغبن كالسابق". وأشار إلى أن "سنجار لن يحدث فيها ما حدث في كركوك، لأن الخطاب الحكومي بين كردستان وبغداد سيكون هادئاً، والأمر الذي تطلبه كردستان هو دستوري وليس من خارج القوانين التي من المفترض أن تعمل عليها الحكومة الاتحادية. مع العلم أن مطلب تحويل سنجار ليس حزبياً ويتعلق بالديمقراطي الكردستاني إنما هو حكومي من حكومة كردستان".

من جهته، ذكر الباحث سالار تاوكوزي أن "الحزب الديمقراطي في هذه المرحلة يبحث عن تبييض وجهه بما يتعلق بقضية سنجار، لأنه مُدان من قبل أهالي سنجار بهروب قوات البشمركة من المدينة وتسليمها لداعش. وهذه النقطة الأساسية التي يسعى الحزب لمحوها من أذهان الأيزيديين والعراقيين عموماً". وأوضح تاوكوزي لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة لن توافق على طلب كردستان، لأن أهالي سنجار أنفسهم لن يقبلوا بذلك، خصوصاً أن غالبية سكان المدينة ضد الحزب الديمقراطي. وما خطوة نيجرفان البارزاني بطلب تحويل القضاء إلى محافظة، إلا محاولة لجذب انتباه الإعلام العالمي بشأن قضية الأيزيديين الأكراد".

بدوره، أكد النائب عن ائتلاف "النصر" علي السنيد، أن "المطلب الكردي هو سياسي بحت، ولا علاقة له بأوجاع الأيزيديين، إذ تعمل الأحزاب الكردية على تقوية نفسها، خصوصاً بعد فشلها في قراراتها السابقة، وأبرزها استفتاء الانفصال". وأضاف السنيد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "ائتلاف النصر يرفض هذه المقترح مسبقاً، لعدم وجود أي مصلحة للعراق، ولن يلاقي هذا المقترح أي موافقة من الكتل الشيعية في البرلمان، لأن الهدف منه إضافة محافظة خامسة مع حلبجة وأربيل والسليمانية ودهوك إلى كردستان، والموافقة عليه من قبل الحكومة تعني القبول بالتوسع الكردي على حساب الأراضي العراقية".

قانونياً، يشرح الخبير طارق حرب، فإن "قضاء سنجار تابع للحكومة الاتحادية في بغداد، بالتالي يحتاج لجعله محافظة إلى صدور قانون برلماني جديد، ولو أن القضاء تابع للإقليم مثل حلبجة، لما احتاج الأكراد لرأي الحكومة الاتحادية، إذ لا بد من أن تقدم الحكومة مقترحاً للبرلمان لدراسته والتصويت عليه ومن ثم تحويله إلى الوزارات لإعطاء رأيها، وأهم رأي هو لوزارة التخطيط". وذكر حرب في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "سنجار لا تتوفر فيها أي صفة من صفات المحافظات، إذ إن عدد سكانها قليل، فضلاً عن أنها منطقة حدودية، وأن النتيجة إذا تحولت لمحافظة معروفة، وهي ارتباطها بكردستان".

وسنجار الواقعة غربي الموصل على بعد 110 كيلومترات، أقرب إلى سورية من تركيا جغرافياً، ويسكنها خليط عراقي متعدد قومياً ودينياً، ففيها عرب مسلمون وعرب مسيحيون وأكراد أيزيديون وعرب أيزيديون وآشوريون. وسبب تسمية المدينة بهذا الاسم يعود إلى أن أول من قطنها هو فرع من قبيلة شمّر، معروف باسم سنجار، بينما ذكرت روايات قديمة، جميعها غير مسندة، أن "سبب تسميتها هو أن النبي نوح عندما مرت سفينته من على جبلها ارتطم بها، فقال: سنّ جبل علينا جار، فقيل له: سن جار، ثم تحولت لسنجار". واعتبر آخرون أن اسمها يعود إلى أحد الملوك السابقين في العراق قبل الميلاد، تركزت مملكته في الجزء الشمالي من العراق.

ويقطن المدينة نحو 150 ألف نسمة عرفوا بانسجام كبير في ما بينهم منذ قرون طويلة، وقيل في سكانها "سلة الفاكهة"، ومرت على سنجار مجتمعات وثقافات قديمة، حيث تحتضن آثار إمبراطوريات، كالفارسية واليونانية والرومانية.

أبرز معالم قضاء سنجار معبد شرميرا التي تعني بالآشورية "أربعين رجلاً" ويقع عند أعلى نقطة في جبل سنجار، ولا يعرف سبب تسمية هذا المعبد لأنه قديم جداً، لكن يعتقد أنه يرمز لمقتل أربعين رجلاً على قمة هذا الجبل في إحدى ملاحم الدفاع عن المدينة في عصور ما قبل الميلاد. وفيها أحد أعلى جبال العراق (جبل سنجار) وهو سلسلة جبلية يبلغ طولها نحو 70 كيلومتراً وبعرض 6 كيلومترات، وبارتفاع 1463 متراً على بعد نحو 50 كيلومتراً من الحدود المشتركة المعروفة باسم مثلث فيش خابور العراقي السوري التركي، ولجأت اليه الأسر الهاربة من مدينة سنجار بعد اجتياحها من قبل "داعش" يوم 3 أغسطس/ آب 2014. ويعد الجبل موقعاً استراتيجياً مهماً كونه يربط بين العراق وسورية وتركيا ويوفر قدرة إصابة أهداف في تركيا وسورية بواسطة الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى.

دلالات