المغرب: هل اقترب الانشقاق داخل الأصالة والمعاصرة"

02 يونيو 2020
يطمح الحزب لتصدر انتخابات 2021 (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
طفت على السطح أخيراً أزمةٌ تنظيمية حملت وجهاً سياسياً داخل حزب "الأصالة والمعاصرة"، أكبر أحزاب المعارضة في المغرب، والمعروف اختصاراً بـ"بام". هذه الأزمة، المرتبطة بإجراءات للأمين العام الجديد للحزب، عبد اللطيف وهبي، ليست وليدة اليوم، بل ضاربة في عمق التنظيم منذ نشأته في العام 2008 على يد فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب السابق لدى وزارة الداخلية، والمستشار الحالي للعاهل المغربي محمد السادس.

لم تكن بداية الأزمة الخلاف حول من يرأس فريق الحزب في الغرفة الأولى للبرلمان المغربي (يملك الحزب 127 مقعداً بالبرلمان بمجلسيه)، بعدما أقدم وهبي، في بداية الدورة التشريعية الربيعية، على التخلص من أحد رموز تيار "المشروعية" المعارض له. فالزوابع داخل الحزب المعارض تصاعد غبارها منذ المؤتمر الرابع الذي عُقد بين 7 و9 فبراير/ شباط الماضي، عندما تمكن وهبي، بمعية باقي قياديي تيار "المستقبل"، من حسم "معركة كسر العظام" مع خصومه في تيار "المشروعية" بقيادة عبد الحكيم بنشماس، الأمين العام السابق، لصالحه، في جو اتسم بالتوتر، وسيطرت عليه مظاهر الاحتجاجات والتشابك بالأيدي والانسحاب الجماعي من سباق الأمانة العامة.

تلك الأجواء جعلت الحزب المقرب من السلطة، أمام مفترق طرق ينذر بحدوث انشقاقات. إذ في الوقت الذي كان من المفترض فيه أن تبذل القيادة الجديدة مجهوداً كبيراً واستثنائياً لإصلاح ما أفسده المؤتمر، بدفن ماضي الخلافات وتحقيق المصالحة الداخلية التي تحفظ وحدة الحزب الطامح إلى تصدّر الانتخابات التشريعية في العام 2021، بدا لافتاً أن المؤشرات لا تنبئ بتحقق هذا الاحتمال.

أزمة متصاعدة
لم يكد حزب "الأصالة والمعاصرة" يخرج من أسوأ أزمةٍ واجهها في تاريخه، خلال محطة المؤتمر الوطني الأخير، حتى دخل إلى أتون حربٍ جديدةٍ بسبب التدافع بين تيار "المستقبل" بزعامة الأمين العام الجديد، ومعارضيه في تيار "المشروعية"، حول العضوية في المكتب السياسي، الجهاز التنفيذي للحزب. وتصاعدت وتيرة الأزمة أخيراً، بعد إقدام وهبي على تعيين مكتب سياسي غير منتخب من طرف المجلس الوطني (برلمان الحزب)، والانفراد بإحداث لجنة القوانين، وتعيين أعضائها، فضلاً عن إعفائه 8 أمناء عامين جهويين.


وأثارت تلك القرارات موجة من ردود الفعل الغاضبة داخل "بام"، دفعت الرئيس السابق لفريقه في مجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، محمد أبودرار، إلى الاستنجاد بالقضاء، فيما عمد معارضو وهبي إلى إصدار بيان اتهموا فيه الأخير بـ"استغلال الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد (بسبب وباء كورونا) للتوقيع على العديد من التجاوزات"، والتي أحصوها في 14 تجاوزاً. من بين هذه التجاوزات، بحسب البيان، "انحرافه (وهبي) عن المرجعية الفكرية والسياسية للحزب ورصيده النضالي، وتدخله في الشؤون الداخلية لمجلس النواب، وعزل رئيس الفريق النيابي به، في خرقٍ سافر لمقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب". ومن المنتظر أن يصدر القضاء المغربي غداً الأربعاء (3 يونيو) حكمه في ما يخصّ طلب أبودرار إيقاف جميع قرارات وهبي إلى حين انتخاب المكتب السياسي الجديد للحزب.

ومع تنامي الخلاف، تواصل سعي بعض معارضي القيادة الجديدة للبحث عن وجهة حزبية جديدة قد يوفرها حزبا "التجمع الوطني للأحرار"، الساعي إلى قيادة الحكومة المقبلة في 2021، و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية".

وفي وقت قطع فيه المرشح السابق لمنصب الأمين العام للحزب، سمير بلفقيه، أشواطاً كبيرة في الاستعداد لتأسيس حزب سياسي جديد يخرج من رحم "بام" ويكون "كفيلاً باحتضان الفكرة والعقيدة الأصلية للحزب"، بدا لافتاً خلال الأيام الماضية، الترويج بين أعضاء الحزب المعارضين للأمين العام الحالي، لوثيقة تحمل اسم "المبادرة"، تروم حشد الدعم لبناء مشروع سياسي بديل.

المفترق الصعب
ولد حزب "الأصالة والمعاصرة"، في العام 2008، وفي فمه ملعقة من ذهب، كناية عن دعم تلقاه منذ تأسيسه من القصر، واستطاع خلال سنة واحدة أن يحقق مكاسب سياسية هائلة، لم يتمكن أي حزب سياسي مغربي آخر من تحقيقها ربما طيلة مساره الطويل. لكن مع مرور السنوات، وانسحاب مؤسسه وعرّابه، فؤاد عالي الهمة، المستشار الحالي للعاهل المغربي، وكذا توالي الانكسارات الانتخابية في مواجهة الإسلاميين في محطتي 2011 و2016، وجد الحزب نفسه أكثر من مرة يواجه أزمة داخلية تهدد وحدته جراء عدم القدرة على استيعاب التناقضات الكبيرة بين مكوناته (الأعيان، اليساريين).

وفي الوقت الذي خرجت فيه تلك التناقضات إلى الواجهة بشكل عنيف منذ استقالة أمينه العام السابق، إلياس العماري، في أغسطس/ آب 2017، أدخل انتخاب حكيم بنشماس أميناً عاماً، في 26 مايو/ أيار 2018، "الأصالة والمعاصرة" في سياق متسم بازدياد حدة الأزمة الداخلية، التي جعلته اليوم في مفترق طرق صعب، قد يدفع في اتجاه الانشقاق.

وحول المشهد داخل "بام" اليوم، يرى أستاذ القانون الدستوري في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد لزرق، أنه صار أكثر تعقيداً، وقد يذهب في اتجاه الانفجار، الأمر الذي يعطي مبرراً لنزوح جماعي لـ"الآلات الانتخابية" داخله نحو حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الذي يراهن على الكتلة الانتخابية ذاتها.

ويعتبر لزرق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ممارسات من قبيل قرار الأمين العام إقالة رئيس الفريق النيابي، ومحاولته تطهير "بام" من المخالفين، قد تؤدي إلى انفجار الحزب وانقسامه إلى ثلاثة أجنحة، هي: الجناح اليساري الذي قد يتوجه نحو حزب الاتحاد الاشتراكي، وجناح الأعيان الذي قد ينضم إلى التجمع الوطني للأحرار. أما الجناح الثالث، برأيه، فقد يعمل على التلويح بخلق حزبٍ جديد، كنوعٍ من المزايدة للحصول على عروض أفضل من "الغنيمة السياسية".

من جهته، يصف الباحث المغربي في العلوم السياسية محمد شقير، في حديث لـ"العربي الجديد"، ما يعيشه "الأصالة والمعاصرة" من خلافات منذ المؤتمر الرابع، بـ"الخلافات المرحلية التي ستبقى متواصلة نظراً لطبيعة نشأته الأولى". ويعتبر شقير أن "بام"، الذي أُسّس لتحجيم أي اكتساح لحزب "العدالة والتنمية" (إسلامي) للمشهد السياسي المغربي، سيبقى موجوداً، على الرغم من كل الخلافات التي يعاني منها، وبغضّ النظر عن تجميد بعض اليساريين الذين شاركوا في تأسيسه لنشاطهم وعضويتهم داخله.

وبحسب الباحث السياسي، فإن الانتخابات المنتظرة ستساهم في استمرار عمل الحزب، خصوصاً أن قرار الانشقاق يبقى مرتهناً إلى إرادة صانع الخريطة الحزبية، الذي لا يزال يرى ضرورة محاصرة حزب "العدالة والتنمية"، بحزبي "التجمع الوطني للأحرار" و"الأصالة والمعاصرة"، وباقي الأحزاب الأخرى، لافتاً إلى أن "الحفاظ على الحزب يدخل ضمن استراتيجية تشرذم المشهد الحزبي".