مطالبون بالتعايش

20 سبتمبر 2017
مطالبة الفلسطينيين بالتعايش مع المحتل انحدار للعقل التطبيعي(درو أنغرير/Getty)
+ الخط -
في خلفية إشهار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مسدسه بعقلية "الكاوبوي"، مهدداً بتدمير كوريا الشمالية، مستعرضاً "قوة بطش أميركا"، كان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، غير قادر على كتم ضحكته مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. قد يقول البعض، كما العادة، إن مصر ودولة الاحتلال لديهما "كامب ديفيد"، التي تبرر اللقاءات والابتسامات. لكن أن يقف "رئيس أكبر دولة عربية" على منبر الأمم المتحدة ليطالب الفلسطينيين بـ"التعايش" مع المحتل، فلا يمكن قراءته سوى في قياس مستويات انحدار العقل التطبيعي العربي.

سابقاً، كانت الأنظمة تبث خطاب دغدغة المشاعر باسم فلسطين. اليوم، ثمة خطاب لم يعد خافياً في التملق للغرب، وتحديداً لدونالد ترامب ولوبيات الصهاينة، على حساب فلسطين. يبدو أننا أمام استكمال مضلعات الانفصام، في ثوب "الواقعية" أمام المحتل من ناحية، وفي الأخرى عبر "البطش" بالمواطنين العرب. فمن يطالب الفلسطينيين بقبول التعايش مع محتل، يقتل ويهدم ويشرد ويتلاعب بالعرب ومبادراتهم المحنطة، تراه يحمل عصا أحكام الإعدام بالجملة والقرارات القمعية بحق من تسول له نفسه قول رأي، صحافياً كان أم حقوقياً. أوليس الأولى بأصحاب مطلب التعايش أن يظهروا مرة بأنهم ليسوا منفصمين مع شعوبهم، قبل طلب "التعايش" من شعب واقع تحت الاحتلال، ويعيش محاصراً مقموعاً ومشبوهاً من ذات الأنظمة؟

ظن كثيرون بأن بعض الخجل ما يزال ينظم تفوهات هذه الأنظمة التطبيعية، بشقيها الرغبوي التوظيفي "التقدمي" للبقاء على كرسي الحكم، وما قابله من أنظمة اتخاذ الخطاب الديني غطاءً، قبل أن يصبح مدخلاً لتبرير الدعاء لترامب، بأكثر مما يفعل قساوسة وحاخامات نيويورك. وسائل إعلام دعاة التعايش والتطبيع تدرك انكشاف الانفصام، فراحت تتوقع ردوداً على انهيار مشهد التناقض بين الضحك مع نتنياهو ودعوة التعايش، مقابل غياب أي خطاب سوى "اقتلهم وامحقهم"، مع مواطنين وعرب آخرين. ما يكشف عنه انكشاف الراهن العربي أنه حتى الخجل ما عادت له مكانة في مطلب الشرعية التحالف مع دولة الاحتلال ولوبياتها، التي تسوقهم كـ"ملوك إسرائيل" تارة و"كنوزها". هل هناك انحدار أكثر من هذا الذي نعيشه؟ ربما لم نر رأس جبل الجليد بعد.
المساهمون