البشير يتّجه لتقديم تنازلات في اجتماع الحوار الختامي

06 اغسطس 2016
الخرطوم مستعدّة لتقديم تنازلات في ملفّ التسوية (فرانس برس)
+ الخط -
من المقرّر أن تلتئم، مساء اليوم السبت، اجتماعات الجمعية العمومية للحوار برئاسة الرئيس السوداني، عمر البشير، وحضور الأحزاب المشارِكة، ووفق ما هو معلن سابقاً؛ فإن اجتماع الجمعية يُفترض أن يمثّل الحلقة النهائية للحوار، ويجيز التوصيات التي وصل إليها "مؤتمر أكتوبر".

ومن المفترض أن تسفر التسوية، والتي تقف خلفها قوى دوليّة وإقليميّة، عن إنهاء الحرب في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، والتخفيف من حالة الاستقطاب السياسي الحادّ الذي تعاني منه البلاد حاليّاً، فضلاً عن إشراك قوى المعارضة، المسلّحة والسلمية، في السلطة عبر حكومة انتقالية يتّفق عليها الجميع.

وحاولت الحكومة في الخرطوم، أخيراً، ممارسة ضغط على القوى المعارضة عبر المضيّ قدما في عملية الحوار، ورفع شعار "إكماله بمن حضر"، فتمكّنت بذلك من إنهاء المؤتمر الذي ظلّ منعقداً منذ أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي بمشاركة ما يزيد عن مائة حزب سياسي وفصيل مسلّح؛ معظمها حليفٌ للحكومة، في حين أنّ الأحزاب الأخرى غير فاعلة في الساحة السياسية السودانية، باستثناء حزب المؤتمر الشعبي الذي فقد الكثير برحيل زعيمه حسن الترابي في مارس/ آذار الماضي. 

غيّر أنّ عمليّة إنهاء الحوار، مع انعقاد مؤتمر الجمعيّة العموميّة اليوم، لن تمضِي، على الأرجح، باتّجاه الوصول إلى حلّ نهائي وشاملٍ لمختلف أطراف الأزمة، خاصّة أنّ الخطوة، إذا ما نُفّذت؛ فستعني إغلاق ملف الحوار أمام القوى الرافضة له، والتي تمثّل الفصائل الفاعلة في المعارضة المسلّحة والسلمية، ومن بينها حزب الأمّة بقيادة الصادق المهدي، والحركة الشعبية قطاع الشمال، والحركات المسلحة "الدارفوريّة"، كحركة العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان.



إضافة إلى ذلك، يبدو أن حجم الضغوطات الدوليّة التي مورست على الحكومة والمعارضة معاً، ستحول دون خروج اجتماع اليوم بالنّتائج المرجوّة منه، والذي سيكون، على الأغلب، اجتماعاً "بروتوكوليّاً" فحسب، لاسيّما بعد قبول الحركات المسلحة وبعض فصائل المعارضة المهمّة التوقيع على خارطة الطريق التي اقترحتها الوساطة الأفريقية لحلّ الأزمة السودانية، كتمهيدٍ لإشراك تلك القوى في الحوار بأديس أبابا الثلاثاء.


وعلى الرّغم من ذلك، يرى بعض المراقبين أنّ اجتماع الجمعية العمومية سيشكّل بوصلةً للمرحلة المقبلة، على اعتبار أنّ الجميع ينتظر من البشير، والذي سيخاطب ويترأس الجمعية، إرسال رسائل إمّا أن تكون إيجابية فتقود المعارضة للمضيّ قدماً نحو التسوية؛ أو سلبيّة عبر التشدد والتمسّك بمواقفة السابقة، ما يعني عودة الأطراف إلى المربع الاول.

لكن من المرجّح أن يرسل الرئيس السوداني إشارات تحدّد مدى التزامه بتقديم تنزيلات تساعد في الدفع بعجلة الحوار، والتراجع عن المواقف المتشددة التي سبق وأعلنها.

ولا تزال الحكومة في الخرطوم ترفض مبدأ عقد "المؤتمر التحضيري"، والذي اشترطته قوى نداء السودان (تضم المعارضة المسلحة والسلمية) للتوقيع على خارطة الطريق، وتتمسّك بحوار الخرطوم كأساس ينبغي على القوى الممانعة الانطلاق منه، دون المطالبة بالعودة للمراحل الأولى الخاصة بلجان وأجندة ومواقيت الحوار، وهو أمر ترفضه تلك القوى التي تؤكّد أنها غير معنيّة بحوار الخرطوم طالبةً ترتيبات جديدة.

لكن مصادر متطابقة أكّدت لـ"العربي الجديد" أن مأزق "المؤتمر التحضيري" سيتمّ تجاوزه عبرَ تسميته بـ"الاجتماع التمهيدي"، أو أي مسمّى يرى الحزب الحاكم أنه سيخرجه من الحرج، بعد أن ظلّ يردّد رفضه "للتحضيري"، ومطالبته بالاتّفاق على ضمانات تؤكّد مشاركة الحركات المسلحة في مؤتمر الحوار داخل الخرطوم، خاصّة أن بعض قادتها الأساسيين حكم عليهم غيابيّاً بالإعدام.



وأكّد مساعد الرئيس السوداني، إبراهيم محمود، استعداد الحكومة لإجراء محاصصات من خلال زيادة حجم الحكومة واستيعاب القوى الجديدة، باعتبارها فاتورة أقلّ تكلفةً من الحرب.

وقال في مؤتمر صحافي، مساء الخميس، إنه بمجرد توقيع المعارضة على الخارطة؛ ستدخل في حوار مباشر مع الحكومة لإكمال اتفاق وقف إطلاق النار والعدائيات بشكل دائم في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، وفتح الممرّات لإيصال المساعدات، متوقعاً أن تكتمل العمليّة خلال أسبوعين بالنّظر إلى وجود لجنة دوليّة لمتابعة الترتيبات الأمنية التي يتوصّل إليها الفرقاء السودانيون.

ويرى محللون أنّ الحكومة في الخرطوم تحاول المضي بخطوات أسرع فيما يلي التسوية السياسية، وذلك لعدم وضوح الرؤية إزاء التغييرات التي ستسفر عنها نتائج الانتخابات الأميركية، لا سيّما أنّ الحكومة السودانيّة نجحت في إحداث "اختراق" في الإدارة الأميركية الحاليّة، وإثبات دورها الفاعل في جملة ملفّات عربية وأفريقية، بينها مكافحة الإرهاب، فضلاً عن إقناعها بإزاحة قائمة العقوبات الطويلة عن كاهلها، ما يجعلها تستعجل في إزالة كافّة القيود التي تعترض طريق رفع العقوبات الأميركية في عهد الرئيس الحالي، باراك أوباما، عبر إحداث التسوية الداخلية باعتبارها أهم الاشتراطات الأميركية.

ويعتقد مراقبون أن الخرطوم مستعدّة لتقديم تنازلات في ملفّ التسوية، رغم الضعف الذي تعاني منه المعارضة، وتأثّر الفصائل المسلّحة منها، خاصّةً، بالتعقيدات الإقليمية والدولية والحرب في دولة جنوب السودان، ما يؤكد أنّ التسوية المقبلة ستسفر عن تغيير، رغم أنها لن تسفر في النهاية عن خاسر أو منتصر بالنظر لميزان القوى.

ويبثّ مراقبون جملةً من التخوفات بحدوث مفاجأة، إذ يتوجّس بعضهم من حدوث انقلاب كامل أو أبيض داخل الحزب الحاكم تنفذه التيارات الرافضة للحوار، والتي قد تسهم نتائج الحوار في تضرّر مصالحها وإزاحتها من المشهد بشكل كامل، لا سيّما أنّ الخطوات الجارية بشأن الحوار لن توقف إلا بتلك الطرق.