العبادي يراهن على تفكك "البيت الكردي"... والبارزاني لن يترشح

04 أكتوبر 2017
العبادي برفقة رئيس البرلمان سليم الجبوري قبل أيام(مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -
يراهن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، على تفكك موقف البيت الكردي في إقليم كردستان العراق من خلال ورقة معسكر السليمانية المتمثل بحزبي التغيير و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، بهدف إفقاد الاستفتاء الخاص بالانفصال لشرعيته. وتؤكد مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، بدء حراك جديد باتجاه قيادات كردية في السليمانية لإقناعها بالتخلي عن المشروع بشكل تام وعدم الانجرار وراء أربيل بشكل سيؤدي بالنهاية إلى الإضرار بالمواطن الكردي وتعريض الإقليم المستقر لمشاكل أمنية.

ووفقاً لمصادر قيادية داخل "التحالف الوطني" الحاكم في بغداد، فإن الحراك يتركز على الاتصال بقيادات معينة داخل "الاتحاد الوطني" وحزب "التغيير" من قبل بغداد، فضلاً عن تدخل إيراني على مستوى عال في معسكر السليمانية أيضاً، يهدف بالنهاية لإفشال مشروع تقسيم العراق. وقال قيادي في "التحالف الوطني" لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إن "الحراك الحالي يحقق نتائج ولا نريد سوى تجنيب البلد أزمة قد تنتهي بسيناريو سيئ للغاية" وفقاً لقوله. وبيّن أن "القادة في طهران يعملون بشكل إيجابي في هذه الأزمة محاولين إفهام السليمانية وحتى أطراف في أربيل خارج دائرة مسعود البارزاني، أن هذا المشروع بالوقت الحالي مستحيل والمنطقة كلها مضطربة والإصرار لن يكون بصالح إقليم كردستان". ولفت إلى أن "الحراك هو الجلوس للحوار وتحقيق مطالبهم ضمن الدستور وحل ملف النفط والغاز والمناطق المتنازع عليها ومرتبات الموظفين العاملين بالإقليم والملفات الأخرى الثانوية مع إلغاء مسألة الاستفتاء ونتائجه". ووصف الوضع بأنه "يتجه للحلحلة ويمكن التأكد من ذلك من خلال عودة نواب أكراد بحزب الاتحاد والتغيير (إلى برلمان بغداد) وتصريحات صدرت عن قيادات كردية تلوم البارزاني في الأزمة".


وكانت زوجة الرئيس العراقي الراحل، الزعيم السابق لحزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، جلال الطالباني، الذي توفي أمس الأربعاء، السيدة هيرو إبراهيم، التي تدير حالياً شؤون الحزب، قد أعلنت في بيان لها عن موقفها من الأزمة الحالية وتشكيل مجلس القيادة السياسية في كردستان. وأوضحت في بيان أنه "في الوقت الذي طالبت فيه دول قوية مثل أميركا وبريطانيا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ودول الجوار بعدم إجراء الاستفتاء في الوقت الحالي، وقدمت عدة حلول لحل المشاكل، تحدت القيادة الكردستانية (وأنا من ضمنهم) كل العالم. ولكن يبدو أن شعبنا الآن يدفع ضريبة ذلك التحدي". وأضافت "الآن، بدلاً من إجراءات واقعية للمتغيرات الجديدة، نجد صدور قرار بتشكيل مجلس للقيادة السياسية لكردستان العراق الذي يشبه مجلس قيادة ثورة بالعراق، وبدون استشارة قيادات الأحزاب السياسية الكردستانية كما جرى في تحديد يوم الاستفتاء"، واصفةً تشكيل المجلس بأنه "خطأ كبير ولست مع تلك القيادة بأي شكل من الأشكال ولن أكون معها"، على حد تعبيرها.

كذلك، أعلنت حركة "التغيير" الكردية، أنّها "ستسعى لإعادة مد الجسور للحوار مع بغداد، وإنهاء أزمة الاستفتاء والتصعيد الإعلامي تلبيةً لدعوة المرجعية الدينية". وقال رئيس الكتلة في البرلمان العراقي، أمين بكر، في بيان صحافي، إنّ "هناك حالة من التشنج والتصعيد غير المسبوق والتهديد باستخدام القوة العسكرية رافقتها قرارات نعتقد أنها كانت متسرعة من البرلمان العراقي تجاه إقليم كردستان، كرد فعل على الاستفتاء". وأوضح أنّ "حركة التغيير ومن باب المسؤولية الوطنية وشعورها بحقوق الشعب الكردستاني بتقرير المصير وفقاً للأطر القانونية والدستورية، وإيمانها بضرورة تفعيل هذا الحق من خلال بوابة بغداد، قرّرنا الحضور إلى بغداد وكلنا قناعة بأن عقلاء القوم والساعين لوأد الفتنة سيكونون عوناً لنا في إخماد نار الصراع وإخماد الأزمة".

في مقابل ذلك، أبدت جهات سياسية في بغداد، استعدادها للتحاور مع الأحزاب الكردية الرافضة للاستفتاء. وقال النائب عن "التحالف الوطني"، جاسم محمد جعفر، في تصريح صحافي، إنّ "التحالف الوطني لن يذهب بعيداً في قطع أواصر العلاقة مع الأحزاب والنواب الأكراد، ولا يزال يريد إعطاء فرصة تفاهم جديد مع الكتل الكردية التي تعارض الاستفتاء"، مبيناً أنّ "التحالف الوطني يسعى لفتح صفحة جديدة مع تلك الجهات، لكنّ ذلك لا يعني قطعاً العودة للتفاوض، بل هو يمثل بداية لمرحلة جديدة". وأكد أنّ "كافة القضايا السياسية تم حسم القرار بشأنها، وتركت بيد الحكومة الاتحادية التي لن تتهاون في كل ما يتعلق بسيادة ووحدة البلاد".



في غضون ذلك، أعلنت مفوضية الانتخابات عن استكمال كافة الاستعدادات لإجراء انتخابات برلمان الإقليم ورئاسة الإقليم في آنٍ واحدٍ يوم الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بعد نحو عامين من أزمة سياسية داخلية عصفت بالإقليم تتعلق بتعديل قانون رئاسة الإقليم. ويصر الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، بزعامة البارزاني، على تعديل الفقرة التي تمنع الرئيس من الترشح لأكثر من ولايتين، بينما يصر الآخرون (الاتحاد والتغيير والجماعة الإسلامية) على إبقائها، معتبرين أن أي تغيير يكرس ديكتاتوريات متوسطة الأمد.

إعلان مفوضية الانتخابات في كردستان عن تحديد موعد إجراء الانتخابات وبشكل مفاجئ، وعلى الرغم من المدة الزمنية القصيرة المتبقية أمام يوم الاقتراع، فضلاً عن عدم تعديل فقرة الرئاسة أو الإعلان عن اتفاق بشأنها، اعتبره مراقبون محاولة من مسعود البارزاني لكسب ود الأطراف الكردية الأخرى، خاصةً معسكر السليمانية ومنع تفكك وحدة الموقف الكردي بعد صدور أصوات عدة خلال الساعات الماضية تنتقد فيه البارزاني وإدخال الشعب الكردي بأزمة تزيد من معاناته الاقتصادية.

وقال رئيس مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات، هندرين محمد، في تصريح لوسائل إعلام كردية إنه تم "استكمال كافة التحضيرات لانتخابات البرلمان ورئاسة إقليم كردستان". وأوضح أن "موعد تشكيل تحالفات بين الأحزاب (يبدأ اعتباراً من يوم أمس الأربعاء) وحتى السادس من الشهر الحالي، وعلى الأحزاب التي تنوي التحالف مع بعضها لخوض منافسة الانتخابات في قائمة موحدة أن تراجع مقر المفوضية قبل انتهاء الموعد المحدد". وأشار إلى أن "الحملات الدعائية للانتخابات ستبدأ في 15 أكتوبر/تشرين الأول"، مبيناً أن "المواعيد المحددة غير قابلة للتغيير وذلك بسبب ضيق الوقت المتبقي لإجراء الانتخابات".

وأكد عضو مفوضية الانتخابات في الإقليم، هيمن سعيد عمر، أن قرار تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في آن واحد، جاء بعد تكليف من رئيس الإقليم وفقاً لقانون المفوضية. وأضاف عمر في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الحملة الدعائية للكتل والأحزاب ستنطلق الجمعة المقبل وبُنَى إجراء الانتخابات مكتملة لدينا كمراكز الاقتراع وباقي الأمور اللوجستية الأخرى"، وفق تعبيره.


في هذا السياق، كشف المستشار الإعلامي لرئيس إقليم كردستان، كفاح محمود، لـ"العربي الجديد"، عن عدم ترشح مسعود البارزاني للانتخابات". وأوضح في اتصال هاتفي من أربيل أن البارزاني "لن يترشح لهذه الانتخابات وحالياً لم يعد البارزاني رئيس إقليم فحسب بل أصبح زعيما وطنيا كبيرا يمثل ويقود آمال الشعب الكردي ورأينا ذلك من خلال الاستفتاء"، وفقاً لقوله. وأضاف أن "المرحلة المقبلة مرحلة دقيقة جداً واعتقد أنها ستكون مهمة أيضاً في الإقليم لكن عدم ترشح البارزاني لن يؤثر بل ازدادت شعبية الحزب الديمقراطي وسيكتسح باقي الأحزاب في الإقليم في الانتخابات المقبلة"، مشيراً إلى أن "برلمان كردستان المقبل سيكون برلمان الشباب والقيادات الجديدة".

وفي هذا الصدد، قال الخبير بالشأن الكردي العراقي، موسى طالباني، لـ"العربي الجديد" إنها "خطوة نحو حل المشاكل الداخلية بالإقليم لكن بنفس الوقت سيكون الإقليم قادراً على المماطلة بالأزمة مع بغداد لشهر إضافي تحت عنوان إجراء الانتخابات الدستورية فيه". وبيّن أن "عدم ترشح البارزاني للمنصب وتسميته قبل يومين رئيساً لمجلس القيادة السياسية الكردستانية بمثابة منح منصب أعلى له". وتوقع أن "يترشح أحد المقربين منه لرئاسة الإقليم في هذه الانتخابات في حال لم يطرأ تغيير ويتم الاتفاق على تعديل فقرة الرئاسة التي تسمح له بالبقاء لولاية ثالثة".

ورجحت مصادر سياسية في أربيل ترشح شخصية مقربة من مسعود البارزاني لرئاسة الإقليم. ويجري طرح اسمي نجل الأخير مسرور البارزاني، أو ابن شقيقه، نجيرفان إدريس البارزاني. ويحظى كلا الاسمين بقبول واسع داخل الشارع الكردي العراقي. ونقلت وسائل إعلام كردية بإقليم كردستان عن ترشح القيادي في حركة "التغيير"، محمد توفيق رحيم، لانتخابات رئاسة الإقليم. وسجل محمد توفيق رحيم اسمه للترشح عن الحركة في مقر المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء في الإقليم، في وقت تؤكد فيه مصادر من السليمانية دخول حزبي "التغيير" و"الاتحاد الوطني" للاتفاق على مرشح واحد تدعمه السليمانية مقابل مرشح أربيل لمنع تشتت أصوات الناخبين.

ويأتي ذلك بالوقت الذي عقد فيه البرلمان العراقي جلسة ساخنة، تخللها طرد عدد من الأعضاء الأكراد الذين عادوا إلى بغداد للمشاركة بجلسات البرلمان من قبل أعضاء كتلة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وعدد من نواب كتل التحالف الأخرى بسبب ما اعتبروه "نواب انفصاليين تجب محاكمتهم"، وهو ما أدى إلى انعقاد لبرلمان بحضور 176 نائباً فقط. وأصدر البرلمان العراقي عدة قرارات، أبرزها يتمثل بإرسال أسماء النواب الأكراد المشاركين في استفتاء الانفصال إلى المحكمة الاتحادية بهدف تحديد موقفهم القانوني بعد ما اعتبر حنثاً باليمين الدستوري من قبلهم، إذ ينص الدستور على الحفاظ على وحدة وسيادة العراق. كما صوت النواب لصالح قانون منع التعاملات المالية مع الإقليم من قبل الحكومة والوزارات الاتحادية، والمقدم من قبل اللجنة المالية مع الحفاظ على عدم الإضرار بالمواطنين الأكراد هناك، كما صوت البرلمان على قرار دعم الحكومة العراقية في إجراءاتها التي اتخذتها بالأيام الماضية ضد الإقليم.

وقال عضو البرلمان العراقي عن كتلة "التغيير" الكردية، زانا سعيد، لـ"العربي الجديد" إن النواب عادوا "إلى مجلس النواب كبادرة حسن نية وتوقعوا أن يلقوا ترحيباً بهذه العودة لكنهم وجدوا طريقة تعامل سيئة من قبل أعضاء البرلمان الآخرين ومحاولة إسقاطهم أمام جمهورهم في الإقليم وكان المفروض على رئيس البرلمان أن يستثمر وصول هؤلاء النواب لبغداد ويرحب بهم في دعم العملية السياسية". وأضاف "لذلك قررنا الخروج من القاعة وعدم المشاركة في جلسة (أمس الثلاثاء)". وأوضح النائب في البرلمان العراقي عن "الجماعة الإسلامية" الكردية، أحمد حمه، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجماعة قررت التوجه إلى بغداد، كما قررت ذلك كتلة التغيير والاتحاد الوطني الكردستاني، لفتح باب الحوار مع بغداد ومناقشة الأزمة الأخيرة التي تسبب بها الاستفتاء". وقال "ناقشنا موضوع حوارنا مع بعض الأحزاب السياسية الكردية، ونحاول أن نجنب الشعب الكردي الأزمة". وأضاف أن "الجماعة الإسلامية" ترى أن "كل ما جرى من أزمة تطرق أبواب الإقليم، هي ناتجة عن إصرار الرئيس البارزاني". وتابع "لذا عليهم أن يتحملوا ما يحدث للشعب الكردي نتيجة لما فعلوه وتحملوا مسؤوليته من اتخاذ قرار الاستفتاء"، على حد تعبيره.