بخلاف المواقف المتشنّجة عادة بين الجيش والأحزاب الإسلامية في عدد من الدول العربية، يقف إخوان الجزائر على طرف مغاير من هذا الملف. وهو ما انعكس بوضوح في مضمون التصورات السياسية المستقبلية للبلاد التي قدّمها إخوان الجزائر بمناسبة انطلاق الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية المقررة في الرابع من مايو/أيار المقبل، والتي تتضمن بشكل لافت رؤية لتطوير قدرات جهاز الاستخبارات وبناء جيش جزائري قوي ومتطور يكون الأول على الصعيد الأفريقي.
رئيس حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر)، عبد الرزاق مقري، أعلن أن الحركة تطمح إلى أن تكون "حزباً مؤهلاً للحكم". وأشار إلى أنه في حال الحصول على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإنه من المقرر السعي إلى "تطبيق برنامج حركة مجتمع السلم، والذي يرتكز على قاعدة 5، 10، 20، وهي أن تكون الجزائر، على مدى خمس سنوات، القبلة المفضلة للخدمات في مختلف المجالات في العالم العربي". كما تعهّد بأن تصبح الجزائر "على مدى عشرين عاماً، دولة صناعية رائدة في أفريقيا والعالم العربي وضمن الدول الصناعية العشرين في العالم".
رؤية إخوان الجزائر للجيش
وفي ما يتعلق بالجيش الجزائري تحديداً، أوضح مقري أن الحركة تستهدف في برنامجها السياسي "تطوير قدرات الجيش الجزائري، بما يمكّنه من أن يصبح الجيش الأقوى في أفريقيا، إذ يصنف بأنه الثاني حالياً في أفريقيا".
وتضمن البرنامج السياسي للحركة، التي تعد أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، رؤية واضحة لوضع الجيش في المكوّن الوطني، لجهة الطموح بأن يكون "الجيش الجزائري أقوى الجيوش في أفريقيا يحظى بالهيبة القصوى في المحيط الاقليمي والدولي". كما تشدد هذه الرؤية على "تطوير القدرات العسكرية والجاهزية الحربية على مستوى الموارد البشرية للجيش، وتطوير قدرات التصنيع العسكري، بما يحقق الاكتفاء في التسلح، خصوصاً الأسلحة الاستراتيجية، والتحكم في التكنولوجيات الحديثة". ويضاف إلى ذلك "تقوية مهارات الدفاع الوطني، واحترافية الجيش في تأدية مهامه الدستورية وحماية التراب الوطني والحفاظ على الوحدة الوطنية، وتكريس سياسة دفاعية تحمي البلد، وربط السياسة الدفاعية للدولة الجزائرية بضرورة السعي من أجل استتباب الأوضاع الأمنية في بلدان الجوار".
ويستهدف البرنامج السياسي، الذي يطرحه إخوان الجزائر أمام الناخبين، بمناسبة الانتخابات البرلمانية، تعزيز قوة جهاز الاستخبارات، عبر "تطوير القدرات الاستخباراتية في مواجهة المخاطر الخارجية والدفاع الوقائي والجاهزية الاستباقية، وتطوير القدرات الاستخباراتية الداخلية المضادة للتجسس والعمالة بكل أنواعها، وتحقيق التنسيق الكامل والتعاون بين المؤسسة العسكرية ومختلف الأجهزة الأمنية في قضايا الأمن ومكافحة الارهاب وتجارة السلاح وحماية الإقليم".
ويوصف هذا الطموح من قبل إخوان الجزائر، بالموقف المتقدم في مواقف الأحزاب الإسلامية، لا سيما تلك المنتمية إلى تيار الإخوان المسلمين. كما يعكس رؤية متصالحة مع المؤسسة العسكرية، بخلاف موقف الأحزاب الإسلامية في دول عدة يكون فيها الجيش مصدراً للتوجس والجهة المتهمة باستعداء الإسلاميين واللعب ضدهم في المشهد السياسي. كذلك ينطوي برنامج إخوان الجزائر على مقاربة لموقع الجيش في هيكلة الدولة، على الرغم مما يشوب وضع الجيش وتدخّله في المشهد السياسي سابقاً.
وبالعودة إلى مرحلة سياسية سابقة، فإن الجيش ظل يحظى باحترام وتقدير إخوان الجزائر منذ تأسيس حزبهم من قبل الراحل محفوظ نحناح، نظير مساهمته في حماية البلاد ومكافحة الإرهاب. وكانت قيادة الجيش والاستخبارات، التي تولت إدارة دفة الحكم في التسعينيات، قد نجحت في إقناع إخوان الجزائر حينها بالمشاركة في السلطة. وقد تبع هذا الأمر لومهم من قبل خصومهم السياسيين على هكذا مواقف ومسارات، بسبب التجارب المؤلمة للجيش في الجزائر، خصوصاً بعد تدخّله في يناير/كانون الثاني 1992، لوقف المسار الانتخابي وتحييد الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي كانت فازت بالانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 1991.
وقد دفع هذا التدخل بالبلاد، يومها، إلى أتون أزمة أمنية عاصفة. لكن قيادات إخوان الجزائر تؤكد في خطاباتها أنها تميّز بين الجيش كمؤسسة دستورية، وبين سلوك عدد من جنرالات الجيش وجهاز الاستخبارات، الذي كان جزءاً من المؤسسة العسكرية وكان يهيمن على المشهد السياسي ويتدخل فيه ويتلاعب برسم مخرجات الاستحقاقات الانتخابية والخيارات السياسية، قبل أن ينجح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في تحييد نسبي للجهاز وتفكيكه إلى ثلاثة أجهزة ونقل تبعيته إلى الرئاسة منذ سبتمبر/أيلول 2015.
الاستبعاد الكامل للجيش من المشهد السياسي
لكن إخوان الجزائر يربطون رغبتهم في تعزيز قوة الجيش الجزائري والاستخبارات، في حال فوزهم بالانتخابات البرلمانية المقبلة، بضرورة الاستبعاد الكامل للجيش من المشهد السياسي. وفي الوقت نفسه، يتعهدون "بتكريس حيادية المؤسسة العسكرية ووقوفها عند مهامها الدستورية والقانونية وما تحدده مؤسسات الدولة في إطار تمدين الحكم"، وضمان "عدم تدخل المؤسسة العسكرية في الترجيح بين الأحزاب السياسية ومختلف القوى والشخصيات السياسية بأي شكل من الأشكال وبأي طريقة من الطرق، حتى يبقى الجيش محل ثقة وتقدير كل الجزائريين". وتتضمن هذه المقاربة مخاوف ومطالب سياسية مشابهة لتلك التي ترفعها كتلة كبيرة من أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر، من بينها التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي يطرح في برنامجه السياسي للانتخابات، فكرة صياغة قانون ينظم ويحدد صلاحيات جهاز الاستخبارات، لا سيما أن الجهاز يعد الجهة الأكثر تدخلاً، في وقت سابق، في المشهد السياسي والاستحقاقات الانتخابية.