لم يكن طلب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، صراحة من الرياض، إدراج شركة النفط "أرامكو" في بورصة نيويورك للأوراق المالية بالأمر المستغرب، على ضوء ما يقال عن أن هذه الخطوة كانت من بين أحد الشروط لوصول محمد بن سلمان إلى العرش، ووسيلة الرجل لتحصيل سيولة نقدية تقدر بمائة مليار دولار، لقاء بيع 5 في المائة من قيمة أكبر شركة نفط في العالم، وتقدر قيمتها بتريليونَي دولار (ألفا مليار دولار). وقد فاجأ بن سلمان الجميع، بإعلانه في عام 2016، عن رغبته في بيع 5 في المائة من "أرامكو".
وتتجه الأنظار، في الخطوة المزمع اتخاذها، إلى النصف الثاني من عام 2018، والتي ستكون الأهم لتعبيد الطريق لولي العهد نحو قصر اليمامة، بعد الجدل الذي دار ويدور حول تنازلات مالية قدمها الأمير إرضاء لترامب منذ وصوله للرئاسة في سعيه الدؤوب نحو الحكم. وشملت التنازلات في هذا المضمار، استثمارات سعودية ضخمة في أميركا وعقود تسليح وتوقيع عقود بقيمة نصف تريليون دولار أميركي، بالإضافة إلى خلق مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة في أميركا، وذلك دون أدنى اعتبار للأزمة الاقتصادية التي تشهدها المملكة في الوقت الراهن، وحالة الكساد المستمرة منذ 3 سنوات.
ووصف محللون هذه التنازلات بأنها "مغامرات غير محسوبة تتجه بالمملكة نحو المزيد من الأعباء الاقتصادية، ما يجعل ارتدادها السلبي أمراً لا مفر منه". واعتبر هؤلاء أن بيع النفط، الملاذ التاريخي الأوحد للمملكة، يتعلق بصميم مستقبلها الذي كانت دائمة التعويل عليه في ظل التقلبات الاقتصادية التي يشهدها العالم، وكان حصناً اقتصادياً منيعاً لا يمكن تجاوزه أو التلاعب به، ويمثل، في الوقت ذاته، ملاذاً اقتصادياً آمناً للأجيال المقبلة. وتزداد الريبة مع اقتراب بيع "أرامكو"، إذ يرى محللون أن ولي العهد، محمد بن سلمان، لم يقل سوى نصف الحقيقة بشأن عملية البيع، كون بيع الشركة سيتضمن بيع النفط في باطن الأرض. وفي سياق طرحها في الأسواق العالمية، فقد أعربت بريطانيا واليابان والصين، بشكل صريح، عن أملها بإدراج "أرامكو" في بورصاتها المحلية، ما دفع رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إلى زيارة المملكة، في محاولات حثيثة لاستمالتهم، إلا أنها باءت بالفشل. ورغم تغاضي لندن عن انتهاكات المملكة لحقوق الإنسان ووقوفها على الدوام بجانب السعودية في وجه المعارضة الشرسة داخل البرلمان البريطاني، إلا أنها لم تحصل على جواب واضح حيال طرح "أرامكو" في بورصة لندن، ما يزيد من فرضية إدراجها في بورصة نيويورك.
ولم يعرف تاريخياً عن أحد ملوك السعودية، ظاهرياً على الأقل، التلميح إلى بيع الشركة التي تبيض ذهباً، أو التطرق إلى ذلك، حتى في أحلك الظروف المالية التي عصفت بالمملكة. بل على العكس، إذ بادر الملك فيصل إلى جعلها سعودية بالكامل. ففي عام 1973، تمت زيادة حصة المملكة فيها لتصل إلى 25 في المائة، و30 في المائة في عام 1974، حتى أصبحت سعودية بنسبة 100 في المائة في عام 1980. ويحتذي محمد بن سلمان في هذه الخطوة حذو دول باعت نصيبها من شركاتها النفطية للقطاع الخاص، كبريطانيا على سبيل المثال. بيد أن بيع تلك الدول لشركاتها النفطية، الأقل إيرادات والأصغر حجماً مقارنة بشركة "أرامكو"، لا يشكل خطراً اقتصادياً محدقاً بها، لتنوع مصادر الدخل، كالضرائب وغيرها، وهو ما لا يمكن محاكاته في السعودية، لاختلاف اقتصادها الذي يقوم بشكل أساسي على النفط.
ويسود انطباع ملؤه الإحباط لقاء نية الحكومة طرح "أرامكو" في السوق العالمية، عوضاً عن طرح جل أسهمها في سوق الأسهم المحلي، لما سيكون له من وقع ملموس على الواقع الاقتصادي الآني، وما قد يتمخض عن ذلك من إيجابيات. وبحسب مطلعين، فإن استياءً يعم أوساط العائلة المالكة من انفراد بن سلمان بهذه الخطوة وبالقرارات المصيرية من دون أي اعتبار لأي فرد من أفرادها، خصوصاً الذين يكبرونه سناً وخبرة، وهو ما قد يفضي إلى معارضة علنية لخططه وقراراته. ولا ينحصر انتقاد سياسات محمد بن سلمان بالأسرة المالكة، بل لاقت استياء واضحاً من قبل عموم الشارع السعودي عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ولم تلق أفكاره استحسانا من قبل الشارع، الذي يرى أنها متهورة وغير منضبطة.