لبنانيون "إسرائيليون بكل معنى الكلمة"

30 مايو 2015
أبناء جيش لحد يتطوّعون للخدمة بالجيش الإسرائيلي (فرانس برس)
+ الخط -

لا تترك الصحافة الإسرائيلية مناسبة يمكنها العودة فيها إلى مصير عناصر "جيش لحد" (جيش لبنان الجنوبي المتعامل مع الاحتلال) الذين فرّوا إلى إسرائيل مع انسحاب الاحتلال من لبنان قبل 15 عاماً، إلا وتستغلها. وقد أفردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" صفحتين لتقرير حول مصير أبناء جنود "جيش لحد"، الذين يصفهم التقرير بأنهم "باتوا يشعرون بأنهم إسرائيليون بكل معنى الكلمة، وهم يخدمون اليوم في الجيش الإسرائيلي".

وقد تفرّق عناصر "جيش لحد" بعد أن فروا إلى إسرائيل، لكن دولة الاحتلال وبعد سنوات قليلة أدارت لهم ظهرها بعد أن وزّعتهم في عدة بلدات إسرائيلية يهودية، إذ لفظهم الفلسطينيون في الداخل. ويتركّز عناصر "جيش لحد" وعائلاتهم بشكل أساسي في مستوطنات يهودية مثل كريات شمونة، ونهاريا، وحيفا، ونتسرات عيليت، من دون أن يحظوا باحترام أو معاملة حسنة من مجمل الإسرائيليين الذين سرعان ما يذكّرونهم، بحسب تقرير "يديعوت أحرونوت"، بأنهم عرب.

ويكشف التقرير الذي يعتمد على مقابلة مع مجند من أبناء عناصر "جيش لحد" يشير إليه التقرير بحرف ج. ومجنّدة تبيّن أنها من قرية ريحان اللبنانية، أن الاثنين لا يحملان مشاعر حنين لمسقط رأسهما، فهما كبرا في إسرائيل، وغادرا لبنان مع أهلهما عندما كانا طفلين، تربيا في إسرائيل وباتا إسرائيليَين بكل معنى الكلمة. ومع أن المجندة ت. من ريحان، تقول بأنها تذكر وتشتاق لشجرة التوت في ساحة بيتها، وترسم طريقاً من مدخل القرية وحتى البيت، إلا أنها لا تشتاق للعودة، وإن كانت تذكر أحياناً صوراً من طفولتها في القرية الأم.

لكن المجندين الاثنين يتحدثان خلافاً لهما عن مشاعر الندم لدى أهاليهم لمغادرة لبنان والفرار إلى إسرائيل بدلاً من البقاء في الوطن. وتقول المجنّدة: "بما أن من الواضح لي أن العودة غير ممكنة فإنني لا أفكر بذلك. ما يهمني هو الحياة هنا في إسرائيل وماذا سيكون مستقبلي". ويستذكر التقرير الذي يحاول إثارة مشاعر الندم عند الإسرائيليين، أن "جيش لحد" بلغ أوجّ قوته في ثمانينات القرن الماضي، عندما وصل عدد مجنديه وعناصره إلى 2500 عنصر، قُتل منهم خلال الحرب وبعدها 660 عنصراً وجُرح كثيرون، لكنهم لم يعرفوا موعد انسحاب الجيش ولم يتم إبلاغهم به إلا في الساعات الأخيرة، ففروا من لبنان بملابسهم.

وفي إسرائيل، وجد نحو 6500 لبناني، الذين خرجوا مع انسحاب الجيش الإسرائيلي، وضعاً لا يطاق، فقد واجهوا مشاكل شائكة في استيعابهم في دولة الاحتلال، أدت في نهاية المطاف إلى هجرة غالبيتهم العظمى إلى دول أوروبية وكندا وأستراليا، ولم يبقَ منهم إلا ألفا شخص تم منحهم الجنسية الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً: "اللحديون" في إسرائيل: فلسطينيو الداخل نبذوهم ولحد تركهم

لا يخفي المجندان، ج. وت، كمَّ العنصرية الذي واجهاه في أيام الطفولة بعد فرار أهلهم إلى إسرائيل، ولا حجم المعاناة التي تعرّض لها أهلهم في مواجهة السلطات الإسرائيلية المختلفة لنيل اعترافٍ "بدورهم ومساهمتهم" في الدفاع عن إسرائيل عبر "جيش لحد" ومن خلاله. وتقول المجندة إنها اضطرت إلى أن يأتي والدها الذي بُترت ساقه في الحرب، إلى المدرسة ليشرح لزملائها اليهود في المدرسة، في صفد، عن دور "جيش لحد"، وقد جاء مرتدياً زي الجيش الإسرائيلي وحاملاً صوراً من أيام خدمته العسكرية في "جيش لحد"، "فقط بعد ذلك توقّفت المضايقات وأدرك الطلاب أن والدي ليس مدعياً وليس عدواً لإسرائيل، ومنذ ذلك الوقت بدأت أشعر بأنني إسرائيلية فقد تحسّنت معاملتهم لي كثيراً، واليوم أشعر بأنني إسرائيلية تماماً، يحبونني ولي الكثير من الصديقات والأصدقاء الإسرائيليين"، كما تقول.

لكن المجنّد ج. يضيف إلى ذلك بقوله إن "الإسرائيليين لا يفهمون ولا يدركون حجم مساهمة جيش لحد في حماية أمن إسرائيل، ولا يعرفون ما هو جيش لبنان الجنوبي. اليوم أنا أشعر بأنني إسرائيلي كلياً، أنتمي إلى هنا أكثر من انتمائي للبنان، لم يبقَ أحد من عائلتي هناك، كلهم هاجروا إما إلى هنا أو إلى الدول الأجنبية، لم يبقَ عندي إلا المأكولات واللغة".

ولعل أكثر ما يلفت إليه التقرير أن المجندين الاثنين، الجندي ج. والجندية ت.، وعلى غرار باقي أبناء عناصر "جيش لحد"، لم يكن عليهما الانخراط في الجيش الإسرائيلي وتأدية الخدمة العسكرية، وإنما تطوّعا لأداء الخدمة بمحض إرادتهما.

وفي هذا السياق، تنقل الصحيفة عن ج. قوله: "لقد كان واضحاً لي أنني سأؤدي الخدمة العسكرية، فأنا أريد أن أخدم وأساهم مثل أي إسرائيلي آخر، أردت أن أكون في سلاح البر، ولكن بسبب خوف أهلي عليّ انخرطت في سلاح البحرية في وحدة غير قتالية".

وبحسب التقرير، فإن أفراد الجيل الجديد من أبناء عناصر "جيش لحد"، وخلافاً لأهاليهم، الذين يبثون مشاعر حنين للبنان، لا يشعرون بالحنين إلى لبنان ويعتبرون أنفسهم إسرائيليين، لا يضيرهم الخدمة في الجيش الإسرائيلي ولا يحلمون بالعودة. وبحسب المجندة ت.، فهي لا تحاول الاتصال بعائلتها في لبنان، خوفاً من الأمن اللبناني أولاً، ولأنه ليس لديها ما تقول لهم، فهي أبلغتهم أنها تتعلم الصيدلة في الجامعة فكيف تشرح لهم أنها باتت جندية في جيش الاحتلال.

وكانت "العربي الجديد" قد أعدّت العام الماضي مع الزيارة المثيرة للجدل للبطريرك الماروني بشارة الراعي إلى فلسطين المحتلة، تحت ستار مرافقة البابا فرانسيس، تحقيقاً عن حياة عناصر "جيش لحد"، وبيّن التقرير أنهم منبوذون من المجتمع الفلسطيني في الداخل، كما أن البطريركية المارونية، عيّنت للموارنة منهم مطراناً خاصاً، غير المطران الماروني العام في الداخل الفلسطيني.

إلى ذلك، أظهر التحقيق أن هؤلاء، ومنهم موارنة ومسلمون سنّة وشيعة، يحافظون على علاقات مغلقة فيما بينهم، ولا يختلطون، حتى من يعيش منهم في حيفا، مثلاً، مع أهل البلاد، ويبتعدون عن أي علاقة اجتماعية أو حتى دينية.

اقرأ أيضاً: "عملاء لحد" وعائلاتهم: قوانين عفو وأحكام مخفّفة مراعاةً للطوائف

المساهمون