اتصالات تنسيقية أوروبية لتصعيد الضغط على النظام المصري

16 فبراير 2020
ساهم اعتقال باتريك جورج بعودة الامتعاض الأوروبي (أنطونيو ماسييلو/Getty)
+ الخط -
كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية، عن إجراء اتصالاتٍ بين عدد من السفارات الأوروبية في القاهرة، بهدف التنسيق، لاتخاذ خطوات "موحدة وجادة" في سياق الضغط على النظام المصري لتحسين أوضاع حقوق الإنسان. ويأتي ذلك على خلفية أحداث عدة حصلت أخيراً، من بينها اعتقال الباحث في جامعة بولونيا الإيطالية باتريك جورج، والتوسع في ظاهرة تدوير القضايا، باستحداث وقائع واهية وغير منطقية لاستمرار حبس النشطاء السياسيين والمعارضين لفترات أطول مما ينصّ عليه القانون. ومن الأمثلة على ذلك، ما حدث مع رئيس حزب "مصر القوية" عبد المنعم أبو الفتوح ونائبه محمد القصاص، والمدير في مكتبة الإسكندرية خالد عزب، والإعلامي شادي أبو زيد.

وقالت المصادر إن هناك حالة من عدم الارتياح تسيطر على مسؤولي الملفات الإعلامية والأهلية والحقوقية في السفارات الأوروبية في القاهرة، بسبب استمرار تجاهل وزير الخارجية سامح شكري وغيره من المسؤولين في وزارته، وفي وزارة الداخلية أيضاً، لاعتراضاتهم المتوالية على سوء الأوضاع الحقوقية، وبصفةٍ خاصة أوضاع السجناء في مصر. ولا تقتصر الاعتراضات على ذلك، بل تشمل التضييق المطّرد على الشخصيات الحقوقية البارزة، وتلميح بعض المسؤولين المصريين للدبلوماسيين الأجانب بأنه لولا تدخلهم، لقُبض على عددٍ من النشطاء الموجودين خارج السجون، لكنهم في الوقت نفسه ممنوعون من السفر على ذمة قضايا عدة، أبرزها قضية التمويل الأجنبي للمجتمع الأهلي التي لم ينتهِ رسمياً التحقيق فيها حتى الآن بعد أكثر من أربع سنوات من الاستدعاءات والفحص والملاحقة الأمنية وقرارات المنع من السفر وتجميد الأموال.

وذكرت المصادر أن جزءاً مما يدفع الأوروبيين إلى اتخاذ هذه الخطوات، هو الوضع المحرج لوزارات الخارجية في بعض الدول مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا والسويد وسويسرا أمام المعارضة البرلمانية ووسائل الإعلام المحلية لديها. وينتقد هؤلاء سياسة دولهم في تقديم دعمٍ بصور مختلفة للدولة المصرية، سواء من خلال الحكومة أو المجتمع المدني، في ظلّ تردي الأوضاع الحقوقية تحت حكم عبد الفتاح السيسي، ما يكون دائماً دافعاً إلى المطالبة بتقليص المساعدات والقروض الممنوحة لمصر، ووقف مشروعات تعاون في مجالات مختلفة.

ووفقاً للمصادر، فإن ثلاثة مواضيع ساهمت في إحياء هذا التواصل الأوروبي، الذي كان منقطعاً في هذا الشأن منذ أشهر عدة. أولها القبض على باتريك جورج في السابع من شهر فبراير/ شباط الحالي، والضغوط السياسية الكبيرة التي تتعرض لها الحكومة الإيطالية في هذا الموضوع من قبل حزب "حركة الخمسة نجوم" الذي ينتمي إليه وزير الخارجية لويجي دي مايو ورئيس مجلس النواب روبرتو فيكو ونائب رئيس البرلمان الأوروبي فابيو ماسيمو كاستالدو. وكان الأخير وراء صدور بيان عن البرلمان الأوروبي أول من أمس الجمعة، يطالب السيسي بإطلاق سراح باتريك جورج، خصوصاً أن الإيطاليين مهتمون بهذا الموضوع تحديداً، بهدف تصعيد الضغط على السلطات المصرية لإبداء مزيد من التعاون الواقعي في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني منذ أربع سنوات.

أما الموضوع الثاني، فهو غضب الألمان من رفض طلب السفارة الألمانية في القاهرة من الجهات الدبلوماسية والقضائية والأمنية الاطلاع على مجريات التحقيق مع عددٍ من الحقوقيين والسياسيين المصريين الذين اعتُقلوا العام الماضي، وعدم جدوى اللقاء الذي جمع بين السفير الألماني سيريل نون ووزير العدل عمر مروان في هذا الصدد.

والموضوع الثالث هو التأخر "المريب"، بتعبير المصادر، لظهور اللائحة التنفيذية لقانون العمل الأهلي الصادر العام الماضي، الذي من المقرر صدورها قبل 21 من شهر فبراير/ شباط الحالي، بنص القانون، لكن لم يُعرَض مشروع اللائحة حتى الآن على أكبر الجهات الأجنبية المانحة، على الرغم من تعهد سابق للدولة بمراعاة ملاحظاتهم عليها عند إصدارها.   


وعلى الرغم من أن النظام استجاب لدى إصدار القانون الجديد لضغوط الدول الغربية لإزالة الأدوار الإشرافية والإدارية التي كانت مسندةً إلى الاستخبارات والأمن الوطني، لكن المواد في المقابل جاءت مكتظة بالعبارات المطاطة التي يمكن استخدامها لتقييد الأنشطة، ما يكسب اللائحة أهمية خاصة.

وسبق أن كشفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد" أن النظام المصري يسعى إلى تجديد الحصول على مساعدات مالية وفنية وتدريبية من دول مختلفة في الاتحاد الأوروبي لإقامة فعاليات مختلفة في القاهرة لتدريب الدول الأفريقية على الطرق الحديثة للتصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية والتعامل الأمني والقانوني والإعلامي والاجتماعي مع ضحايا تلك الظاهرة. ويأتي هذا السعي في إطار رغبة السيسي في الاحتفاظ بصورة نظامه كمدافع عن استقرار أوروبا، بعدما تراجعت بشدة وتيرة الترويج للخطة الأوروبية التي كانت تطرحها حكومة النمسا ودوائر مختلفة في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا لإقامة مراكز في مصر لتجميع ضحايا الهجرة غير الشرعية واللاجئين الأفارقة غير المقبولين وإعادة تأهيلهم وإعادتهم إلى بلدانهم، على غرار المراكز القائمة في تركيا.

وذكرت المصادر أن القاهرة استضافت بالفعل مشروعاً لتأهيل الشرطة وقوات الأمن الأفريقية لمواجهة الهجرة غير الشرعية، بتمويل مادي وفني وتدريبي مباشر من الحكومة الإيطالية، استمرّ من ربيع عام 2018 وحتى خريف العام الماضي. وجاء تنفيذ هذا المشروع كإحدى صور التعاون الأمني "غير المعلن" بين القاهرة وروما، على الرغم من توتر العلاقات الأمنية والقضائية وحتى السياسية، على خلفية المماطلة والتسويف وادعاء التعاون من قبل النيابة العامة المصرية مع روما في قضية ريجيني.

لكن الأحزاب اليسارية في إيطاليا تعارض المضي قدماً في تقديم مثل هذا الدعم الاستثنائي للسيسي وحكومته، ما دام إخفاء الحقيقة في قضية ريجيني مستمراً، ويطالبون بربط تجديد هذا التعاون وغيره من صور التنسيق الأمني على وجه التحديد، بتحقق انفراجة في التعاون القضائي. يذكر أن هذا التعاون كان قد مرّ أخيراً بلحظة محورية تصلح كبدايةٍ جديدة، بإعلان النائب العام المصري حمادة الصاوي "تشكيل فريق تحقيق جديد يعكف على دراسة وترتيب أوراق القضية (ريجيني) ويعمل على اتخاذ كل إجراءات التحقيق اللازمة لاستجلاء الحقيقة في حيادية واستقلالية تامة". وأكد الصاوي "حرص مصر على استمرار التعاون القضائي وتطويره بين النيابة العامة المصرية والنيابة العامة في روما، بغية الوصول إلى الحقيقة بموضوعية وشفافية تامة بعيداً عما يُتداوَل إعلامياً من معلوماتٍ مغلوطة عن القضية"، وذلك بعد لقاء على مدار يومين مع ممثلي الادعاء العام بروما في القاهرة، منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي. 

وفي ألمانيا، صعدت الأوضاع الحقوقية في مصر إلى سطح الجدل العام، بعدما منحت دار أوبرا دريسدن وسام "القديس جورج" للسيسي، نهاية الشهر الماضي، بحجة أنه "حامل للأمل ومشجع لقارة أفريقيا بكاملها". وتعكس هذه الخطوة انقسام الدوائر الألمانية الرئيسية حول أهمية التعامل مع السيسي باعتباره رئيساً لبلد بحجم مصر، على الرغم من كل الملاحظات السلبية على سجله الحقوقي والسياسي، وأدت المعارضة السياسية لقرار الأوبرا إلى إعلانها التراجع عن منح السيسي وسامها.

وكان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، قد وجّه إلى السيسي ووزير خارجيته سامح شكري، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، انتقادات معتادة من المسؤولين الأوروبيين عموماً، والألمان خصوصاً، بشأن حالة حقوق الإنسان والتعامل الأمني الغاشم مع المعارضة والمتظاهرين. لكن ما لم يكن معتاداً، تصريح ماس العلني، بضرورة أن "يتنفس المصريون نسائم الحرية"، على هامش أول زيارة لوزير خارجية ألماني لمصر منذ أربع سنوات.