"المجنون" كيم يختلي بترامب "الخرف" وإيران ثالثهما

15 مارس 2018
سيول تترقّب لقاء الزعيمين (جونغ يون ـ جي/فرانس برس)
+ الخط -
لا يمكن تخيّل سيناريو أسوأ من أن تكون الحرب النووية رهينة لقاء بين رجلين على هذا القدر من الرعونة والارتجال. القمة المرتقبة بعد أسابيع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ - أون ليست فقط حدثاً تاريخياً وترفيهياً، بل لها ارتدادات على الداخل الأميركي وعلى الاستقرار أو عدمه في شبه الجزيرة الكورية. أربعة عقود تفصل بين ترامب (71 عاماً)، وكيم (35 عاماً)، لكن ملامح شخصيتيهما ومسيرتيهما متشابهة بعض الشيء. كلاهما لا يثقان سوى بدائرة ضيّقة من العائلة. كلاهما يعتقد أنه "محور العالم" وأن أوامره لا تُناقش، ويحرص على صورته أمام شعبه. كلاهما سريع الغضب ولا يكره شيئاً أكثر من الخسارة. ترامب يصرف مساعديه عند الاختلاف معهم أو التشكيك بولائهم، وكيم يأمر بقتلهم على الأرجح. كلاهما يحب العروض العسكرية والأسلحة الثقيلة لدرجة تشاجرهما أخيراً حول من يملك الزر النووي الأكبر.

للمرة الأولى يكون النزاع النووي على هذا المستوى من عدم اليقين والتخبط. فخلال الأزمة النووية الكوبية عام 1962، كان انطباع الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشيف أن الرئيس الأميركي جون كينيدي ضعيف الشخصية ومن دون خبرة، وسيتعثر كما فعل في غزو خليج الخنازير. طبعاً، أخطأ خروتشيف في انطباعه واستند كينيدي بحنكته إلى نصائح مستشاريه، وتمكن من عبور هذا التحدي الذي منه ولدت فكرة تشكيل مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.

أما لقاء ترامب وكيم فيأتي بعد حوالي عام من التراشق الكلامي والتهديدات المتبادلة. ففي شهر إبريل/ نيسان الماضي، أرسل ترامب حاملة الطائرات "أرمادا" إلى شبه الجزيرة الكورية رداً على تجارب كوريا الشمالية النووية، واتضح لاحقاً أن "أرمادا" ظلّت في الجزر الأندونيسية. وأيضاً في إبريل الماضي، وصف ترامب كيم بأنه "ذكي وأنا مستعد لألتقيه في ظل ظروف مناسبة". وبعد تجارب صواريخ كورية شمالية وعقوبات أميركية خلال الصيف، وصف ترامب كيم خلال خطابه في الأمم المتحدة بأنه "مجنون ورجل الصواريخ في مهمة انتحارية". رد بعدها الزعيم الكوري الشمالي برسالة مفتوحة وصف فيها ترامب بأنه "عجوز خرف وكلب مسعور".



ترامب ليس فقط أول رئيس أميركي في التاريخ الحديث ينزلق إلى هذا المستوى من التخاطب، هو أيضاً أول رئيس أميركي يلتقي "عدواً" له على الساحة الدولية من دون ضمانات أو شروط مسبقة. عام 2000، ذهبت وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت إلى بيونغ يانغ تمهيداً لزيارة الرئيس بيل كلينتون، لكن اجتماعاتها مع كيم جونغ-ايل لم تكن مثمرة، لأنه رفض اتفاقاً مسبقاً لوقف تجارب الصواريخ وفضّل التفاوض بشكل مباشر مع كلينتون.

شروط الاجتماع مختلفة هذه المرة، إذ طرح الرئيس الكوري الشمالي حلاً افتراضياً بالتخلي عن السلاح النووي مقابل ضمان بقاء نظامه. الرسالة التي أوصلها مستشار الأمن القومي الكوري الجنوبي، تشونغ يونغ، من بيونغ يانغ إلى واشنطن، تتضمن ثلاث نقاط: لقاء مع ترامب ومحادثات مباشرة لنزع السلاح النووي، وقف التجارب النووية والصاروخية خلال هذه المحادثات، وتفهّم لإجراء أميركا وكوريا الجنوبية التمارين العسكرية المشتركة هذا الربيع، التي تشمل عادة سيناريوهات لاغتيال كيم وشن هجوم على بيونغ يانغ. وفي المرة الأخيرة التي جرت فيها هذه التمارين المشتركة العام الماضي، أطلقت كوريا الشمالية أربعة صواريخ بالستية باتجاه اليابان. مع العلم أن يونغ بدأ زيارة، أمس الثلاثاء، إلى روسيا، لبحث مستجدات العلاقة بين الكوريتين مع الروس.

أما في شأن الدعوة للقاء القمة بين ترامب وكيم، ففيها عيوب عدة، فهي كانت رسالة شفوية من كيم، من دون تقديم ضمانات مكتوبة أو حتى تصريح علني بالالتزام بها. كما أن تسرّع الرئيس الأميركي، الرازح تحت الفضائح، بقبول لقاء دكتاتور من دون إعطاء فريقه للأمن القومي الوقت الكافي لدراسة الدعوة وكيفية التعامل معها، أمر خاطئ. حتى الآن، فقط مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي ايه) السابق، وزير الخارجية الحالي، مايك بومبيو، ووزير الخزانة ستيف منوشين، خرجا علناً بمواقف داعمة لخطوة ترامب. أما وزير الدفاع جيمس ماتيس، ففضّل عدم التعليق، لعدم انتقاد الرئيس. وبالنسبة إلى وزير الخارجية المُقال ريكس تيلرسون، الذي لم يعلم مسبقاً بالقرار، فحاول جاهداً، قبل إقالته، الحدّ من التوقعات والقول إن لقاء القمة هو لإجراء محادثات وليس للتفاوض. فعلياً، هناك قلق في الإدارة الأميركية من احتمالات هذا اللقاء إذا كان ترامب وحده مع كيم من دون تحضير ونقاط متفق عليها، ما قد يؤدي إلى تسوية غير مقبولة أو إلى مواجهة غير مرغوب بها.



في الواقع، لا يبدو أن هناك جهوزية في الإدارة الأميركية للتعامل مع هذا التحدي. يدخل ترامب إلى هذا اللقاء من دون السفير الأميركي في سيول، مارك ليبرت، ومن دون المبعوث الخاص لملف كوريا الشمالية في وزارة الخارجية، جوزيف يون، الذي استقال أخيراً. واللافت أيضاً انتقال واشنطن، من دون مقدمات وفي غضون أسابيع، من رفض نائب الرئيس مايك بنس حتى مصافحة شقيقة كيم، التي كانت على بعد أمتار منه خلال الألعاب الأولمبية الشتوية الأخيرة في فبراير/ شباط الماضي، إلى لقاء قمة بين البلدين.

تجربة المفاوضات النووية مع إيران في الخلفية أيضاً، في حال أدى لقاء القمة إلى فتح باب المحادثات النووية. مع العلم أنه بالتزامن مع اجتماعه مع كيم، سيكون يوم 12 مايو/ أيار المقبل الموعد الجديد لاتخاذ ترامب قراره للخروج أو عدمه من الاتفاق النووي الإيراني.

تلازم المسار النووي بين كوريا الشمالية وإيران مستمر منذ عقود، فالثنائي يراقب بعضهما البعض للتعلم من دروس المواجهة أو التفاوض مع المجتمع الدولي. وسبق لترامب أن أمضى كل حملته الانتخابية وولايته الرئاسية منتقداً الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرمه سلفه باراك أوباما، بالتالي مع قبوله الدخول بمحادثات مع كيم، وضع ترامب نفسه بين كماشتين: فإذا انسحب من الاتفاق النووي الإيراني يكون قد أعطى مؤشراً سلبياً لكوريا الشمالية على أبواب إطلاق مباحثات جديدة، ومن جهة أخرى عليه الإثبات أن بوسعه إقناع كوريا الشمالية بتوقيع اتفاق نووي أكثر تشدداً من اتفاق أوباما مع إيران، لكن هذا الأمر مستبعد حالياً.

هناك فوارق في المسار النووي بين الحالتين؛ فلدى كوريا الشمالية حالياً عشرات الأسلحة النووية ولم يكن لإيران صاروخ واحد قبل إطلاق المفاوضات معها. كان هناك دعم دولي لمفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، لكن الصين تشعر بأنها مستثناة من مسار هي معنية به، والحليفة اليابان لم يتم حتى التشاور معها. ويبدو أن ترامب، على عكس أوباما، يريد الدخول وحيداً في هذه المفاوضات. وليس واضحاً بعد ما إذا كانت واشنطن مستعدة لتلبية مطالب بيونغ يانغ المحتملة، أي انسحاب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية ورفع العقوبات الاقتصادية والتراجع عن محاولات تغيير النظام، وما إذا كانت بيونغ يانغ بالمقابل ستقبل بنزع أسلحتها النووية وبدخول مفتشين دوليين إلى منشآتها العسكرية أو المفاعلات النووية السرية للتحقق من ذلك. التجارب السابقة مع كوريا الشمالية لا توحي بالثقة، لكن ترامب يرى نفسه بأنه مفاوض أفضل من كل أسلافه.