الحديدة: حكومة هادي تتحفّظ على خطة لوليسغارد

13 فبراير 2019
غادر غريفيث صنعاء دون الإعلان عن لقاءات(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
من الآمال الكبيرة التي رافقت انعقاد مشاورات السلام اليمنية في السويد، ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى اختزال المفاوضات حول مدينة الحديدة بدرجة أساسية، يبدو واضحاً أن اتفاق استوكهولم بعد شهرين من إبرامه برعاية الأمم المتحدة تعثّر إلى حد كبير، وتحوّل إلى مفاوضات بشأن فتح طريق مخازن الحبوب التابعة لبرنامج الأغذية العالمي في الحديدة، وفي ظل مساعٍ أممية لإقناع الطرفين بالقبول بنشر قوات دولية تشرف على ممرات آمنة، على نحو يعزز أن الحل المرتبط بالبلاد ككل لا يزال بعيد المنال.

وتوجّه مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، أمس الثلاثاء، إلى العاصمة السعودية الرياض، بصورة مفاجئة، للقاء الرئيس عبدربه منصور هادي، بعد يومٍ فقط من وصوله إلى صنعاء، والتي غادرها للمرة الأولى من دون الإعلان عن عقد أي لقاء مع قيادات جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في مؤشر على مرحلة متقدّمة من الانسداد في طريق اتفاق الحديدة الذي تتمحور حوله الجهود الدولية منذ إعلانه في الـ13 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وأشاد هادي، خلال لقائه غريفيث أمس، بجهوده لتحقيق السلام، مؤكداً "أهمية وضع تواريخ محددة لتنفيذ خطوات اتفاق استوكهولم والالتزام بها وممارسة الضغط الأممي والدولي تجاه من يعيق التنفيذ"، مشدداً على أن "تنفيذ اتفاق الحديدة يمثّل اللبنة الأولى لإرساء معالم السلام وبناء الثقة المطلوبة، ومن دون ذلك لا جدوى من التسويف التي اعتاد عليها وعرف بها على الدوام الانقلابيون الحوثيون"، بحسب وكالة "سبأ" التابعة للحكومة. من جهته، قال غريفيث "إننا نعمل على إخلاء الموانئ وفتح الطريق إلى مطاحن البحر الأحمر وتنفيذ خطوات اتفاق استوكهولم كاملة، ومنها ما يتصل بالجوانب الإنسانية وملف الأسرى والمعتقلين".

وفي الوقت الذي لم تكشف فيه الأمم المتحدة رسمياً أجندة الجولة الجديدة لغريفيث بين صنعاء والرياض، أفادت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" بأن المبعوث الأممي يقود جهوداً لإقناع الطرفين بالموافقة على الخطة الأممية التي قدّمها كبير المراقبين الدوليين في الحديدة، الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد، والذي تسلّم مهامه رسمياً منذ أسبوع، وعقد لقاءات بين الحديدة وصنعاء وعدن على مدى الأيام الماضية للترويج لخطته التنفيذية لاتفاق السويد.

وتشمل خطة لوليسغارد المقترحة لتنفيذ اتفاق الحديدة نشر قوات دولية تشرف على ممرات آمنة لمرور المساعدات الإغاثية وتنتشر في المناطق القريبة من المواجهات لتعزيز اتفاق وقف إطلاق النار، وهي الخطوة التي تسعى عبرها الأمم المتحدة ومن ورائها المجتمع الدولي، لاحتواء الانسداد بشأن اتفاق الحديدة والطريق المسدود الذي وصل إليه، نتيجة انعدام الثقة بين الطرفين. ومن شأنها أن تنقل أزمة الحديدة إلى مرحلة ثالثة ما بعد اتفاق السويد، فمن رئاسة لجنة التنسيق وإعادة الانتشار التي تتضمّن ممثلين عن الطرفين، إلى التعزيز بعشرات المراقبين الدوليين وفقاً لمقتضيات قرار مجلس الأمن الدولي 2452 الصادر في يناير/ كانون الثاني الماضي، وصولاً إلى مرحلة ثالثة من الأزمة تتمثل بنشر قوات دولية تشرف على الممرات الآمنة.

وعلى الرغم من عدم إعلان الحكومة اليمنية والحوثيين موقفاً رسمياً بالرد على مقترح لوليسغارد بنشر القوات الدولية في الحديدة حتى عصر أمس الثلاثاء على الأقل، أفادت مصادر قريبة من الحكومة لـ"العربي الجديد" بأن المقترح لاقى تحفّظاً من قبل الشرعية، التي لا تزال تؤكد أن الاتفاق يجب أن يؤدي إلى انسحاب الحوثيين من مدينة الحديدة وموانئها، في حين أن مقترح لوليسغارد بنشر قوات دولية وفقاً للتقييم الغالب في الأوساط السياسية الحكومية، من شأنه أن يحقق مزيداً من التدويل والوصاية المباشرة على الحديدة، على حساب ما تم الترويج له من تقديم اتفاق الحديدة باعتباره المخرج السياسي الذي يجنّب المدينة الحرب ويتضمن الترتيبات الأمنية اللازمة لنزع فتيل المعركة عن الحديدة.


في السياق نفسه، تتصدّر أجندة غريفيث في جولته الحالية من صنعاء إلى الرياض أزمة طريق مخازن شركة مطاحن البحر الأحمر، التي تحتوي على كميات من الحبوب تابعة لبرنامج الأغذية العالمي تكفي لما يقرب من أربعة ملايين يمني لمدة شهر. وقبل وصوله إلى صنعاء، أصدر غريفيث بياناً مشتركاً مع وكيل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، يشدد على الحاجة الملحّة للوصول إلى المطاحن، ويحذر من أن الكميات التي تعذر الوصول إليها منذ خمسة أشهر معرضة لخطر التعفن.

لكن البيان المشترك، الذي ثمّن "تأكيد أنصار الله التزامهم بتنفيذ اتفاقية الحديدة، وجهودهم السابقة لإعادة فتح الطريق المؤدي إلى المطاحن"، قوبل بهجوم من وزير الإعلام في الحكومة معمر الإرياني، الذي قال عبر "تويتر" إن "صبر الحكومة على هذا التلاعب لن يطول". واعتبر أن البيان المشترك يناقض التصريحات السابقة للوكوك، الذي حمّل الحوثيين المسؤولية عن منع تفريغ مخزون القمح في مطاحن البحر الأحمر، وعرقلة فتح خطوط آمنة للإمدادات الغذائية. واعتبر الإرياني البيان "انحيازاً واضحاً وفاضحاً لا يجب السكوت عنه؛ كونه يخالف الواقع على الأرض، حيث تستمر المليشيا الحوثية منذ شهرين في تعطيل تنفيذ اتفاقية السويد بشأن الوضع في الحديدة، وإعاقة إعادة الانتشار". وأضاف أن البيان يتجاهل كل الجهود والتنازلات التي قدّمتها الحكومة والتحالف لتنفيذ الاتفاق، واصفاً ذلك بـ"المؤسف". واعتبر أن مضمون البيان "يؤكد رضوخ المبعوث الأممي لابتزاز وضغوط المليشيا الحوثية، التي تمنع حتى اللحظة وصول الإمدادات الإغاثية للمواطنين، وتهدد بتفخيخ الميناء ونسفه"، مضيفاً أن البيان تجاهل التزام الحكومة بتنفيذ اتفاق السويد، "وبذلها كافة الجهود لتسهيل مرور المساعدات الإنسانية استشعاراً بمعاناة المواطنين"، مطالباً غريفيث وفريق المراقبين الدوليين في الحديدة بضرورة تحديد الطرف المعرقل لتنفيذ الاتفاق.

وتقع مخازن مطاحن البحر الأحمر تحت سيطرة القوات الحكومية المدعومة من التحالف على أطراف الحديدة الشرقية، ومنع الحوثيون الفرق الأممية من الوصول إلى المخازن، وفقاً لبيان سابق أصدره لوكوك. وتُعد أزمة "مخازن مطاحن البحر الأحمر" أحد أبرز معالم الانسداد الذي يواجهه اتفاق الحديدة، فبدلاً من الآمال العريضة التي ترددت مع إعلان الاتفاق باعتباره أكبر اختراق سياسي منذ تصاعد الحرب في البلاد قبل ما يقرب من أربع سنوات، تحوّل الوضع أخيراً إلى نقاشات جزئية، على غرار مكان انعقاد لجنة التنسيق وإعادة الانتشار، الذي تجاوزته الأمم المتحدة، بنقل الاجتماعات إلى البحر، وصولاً إلى أزمة طريق مخازن الأغذية العالمي، التي استدعت خلال الأيام الماضية أكثر من بيان صادر عن الأمم المتحدة، من دون أن تجد آذاناً صاغية، حتى اليوم على الأقل.

الجدير بالذكر أن الخلاف حول اتفاق الحديدة بدأ عقب تشكيل لجنة التنسيق وإعادة الانتشار المعنية بالإشراف والتنسيق على تنفيذ خطوات الاتفاق، إذ قدّم كل طرف تفسيرات مختلفة لما يقتضيه الاتفاق. فالحوثيون يعتقدون أن السلطة المحلية والقوات الأمنية المعنية بتسلّم الحديدة هي تلك التابعة لهم، فيما تقول الحكومة إن الاتفاق يجب أن يؤدي إلى انسحاب الحوثيين من مدينة الحديدة وموانئها (الحديدة، الصليف، ورأس عيسى). أما الأمم المتحدة التي يمنحها الاتفاق رئاسة اللجنة والعديد من الامتيازات في الإشراف والتنفيذ، فلجأت إلى حل الخلافات باقتراح مزيد من المراقبين وحتى نشر القوات الدولية، وهو المقترح الذي يأتي على رأس أجندة جولة غريفيث الأخيرة. وتبقى الأيام المقبلة وحدها من سيكشف مصير هذا المقترح، المعروف أيضاً بخطة لوليسغارد.