السعودية في 2017: عام بن سلمان الحافل بالأزمات المفتعلة

01 يناير 2018
بات بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة (فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -
ربما لم تشهد السعودية طيلة تاريخها، كمّاً من الأحداث الداخلية والتغييرات المجتمعية والاقتصادية، إضافة إلى التحوّلات الخارجية، كالتي شهدتها في العام 2017، الذي عرف انعطافات غير مسبوقة في مسار البلاد، في ظل قرارات اعتُبرت مجازفة حقيقية لم تعهدها المملكة منذ تأسيسها.
تلك الأحداث صُبغت باسم محمد بن سلمان، الذي صعد بسرعة كبيرة سُلّم الحكم وانتقل من منصب ولي ولي العهد الذي أوكل إليه في أواخر إبريل/نيسان 2015 ليُعيّن ولياً للعهد في يونيو/حزيران 2017، ويصبح الحاكم الفعلي للبلاد، وفق ما تظهره الأحداث والتطورات. وجاء توقيف عشرات الأمراء والمسؤولين السعوديين، بحجة مكافحة الفساد، ليعزز هذا الاعتقاد، خصوصاً بعد أن طاولت التوقيفات أسماء بارزة، كالأميرين متعب بن عبدالله والوليد بن طلال، والتشهير بهم كفاسدين.

ولم تقتصر التحوّلات الداخلية على المنحى السياسي، فاقتصادياً واجه المواطنون السعوديون عاماً صعباً، مع ارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب، فيما كان لافتاً السماح للنساء بقيادة السيارات وتنظيم حفلات فنية والإعلان عن العمل على افتتاح صالات سينما. ومقابل تعزيز قبضته الداخلية، عمل بن سلمان على التحكم بالسياسة الخارجية لبلاده، مع توفير دعم أميركي بعقد صفقات قاربت قيمتها الخمسمائة مليار دولار مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فحاول بن سلمان التفرغ لتصفية حسابات إقليمية، إلا أنه أغرق البلاد في مشاكل أكبر، بافتعال الأزمة مع قطر وفرض الحصار عليها، ثم محاولة الحسم في اليمن من دون نجاح، والسقوط في الساحة اللبنانية بمحاولة إجبار رئيس الحكومة سعد الحريري على الاستقالة. فيما كانت السقطة الكبرى في الملف الفلسطيني، مع تسريبات صحافية عن سعي ولي العهد السعودي لفرض "خطة سلام" على الفلسطينيين تخدم الاحتلال الإسرائيلي.

تصفية الخصوم
ولا يمكن سرد أحداث عام 2017 سعودياً، من دون التوقف عند أبرز محطاتها، المتمثلة بتوقيف عشرات الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال السعوديين في فندق "ريتز كارلتون" في سابقة خطيرة لم تعهدها ملكيات العالم، إذ قام بن سلمان بسجن العشرات بتهم فساد كالاستيلاء على المال العام، الرشاوى والاختلاس، عن طريق لجنة أسسها ويرأسها بنفسه. وتم القبض على أسماء بارزة، كمتعب بن عبدالله ومشعل بن عبد الله والوليد بن طلال وغيرهم العشرات، والتشهير بهم كفاسدين، وهو ما ربطه مراقبون بالرغبة في تعبيد الطريق أمام ولي العهد نحو العرش من دون منافسة تذكر.

وعلى الرغم من تبرير هذه الحملة بمكافحة الفساد، إلا أنه بدا واضحاً أن الهدف منها هو القضاء على كل منافسي بن سلمان على الحكم. ولعل قرار إقالة ولي العهد السابق، وزير الداخلية السابق، محمد بن نايف، كان واضحاً في هذا السياق، فالإقالة حصلت في أجواء شابتها السرية، بعد إجبار الأخير على المبايعة في حضور الكاميرات. وخلا موقع ولي ولي العهد لأول مرة منذ استحداثه، مع عدم إيصال أي أمير إلى المنصب. كما عمد بن سلمان إلى تجريد وزارة الداخلية التي كان يتولاها بن نايف من أغلب صلاحياتها، خوفاً من تحرك قد يتسبب في الإطاحة به، لتصبح كل الصلاحيات الأمنية وغيرها في يده، خصوصاً مع إخضاع الحرس الملكي له بعد إقالة متعب بن عبدالله، قبل اعتقاله في "ريتز".

اقتصادياً، شهدت المملكة تراجعاً في أحوال مواطنيها، في ظل ارتفاع أسعار السلع والكهرباء والوقود، قابله خصم العلاوات السنوية التي اعتادها المواطنون. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أُقرت إجراءات من شأنها أن تزيد الأعباء على الشعب، بالإعلان عن تطبيق ضريبة القيمة المضافة.
أما على مستوى المؤسسة الدينية، فلم يعد للأخيرة حضور مهم بعد أن تجاوزها بن سلمان. وكان صنّاع القرار في الماضي قد أعطوا مساحة معينة للمؤسسة الدينية، رغبة منهم في كسب ودها، فكان الملوك السابقون يسعون لعدم إغضاب المؤسسة الدينية بشأن قرارات قد يتخذونها.
في المقابل، كان السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة إحدى الخطوات الجريئة التي أقدمت عليها السلطات بعد عقود من الانكفاء عن الحديث عنها، على الرغم من أنها بقيت من دون تطبيق فعلي على الأرض. وترافق ذلك مع السماح بإقامة حفلات فنية، قوبلت ببعض الاعتراضات. كما كان قرار حضور النساء مباريات كرة القدم "وفق الضوابط الشرعية"، قراراً آخر فاجأ الجميع. وفي السياق نفسه جاء قرار بالإعلان عن افتتاح قاعات سينما في المملكة لأول مرة منذ نحو 40 عاماً، واستقدام أبرز شركات العرض العالمية لتجهيز القاعات في مدن مختلفة وإيلاء قطاع السينما حيز الاهتمام.


غرق في الوحل الإقليمي

لعلها المرة الأولى التي يتفرد فيها شخص واحد بالسياسة الخارجية للسعودية منذ تأسيسها كما فعل بن سلمان، بعد أن كانت طيلة السنوات الماضية قائمة على مبدأ التشاور بين مكونات الأسرة المالكة، خصوصاً مثلث الملك وولي العهد ووزير الخارجية، فضلاً عن استشارات من بعض الوزراء المقربين جداً من الملك. بيد أن ذلك العرف أخذ بالتلاشي، ليحل محله راسم أوحد لسياسات المملكة الخارجية.
ومنذ تسلم بن سلمان زمام الأمور، دخلت السعودية في أزمات إقليمية لم تعهدها سابقاً، أبرزها مع جارتها قطر. وجاءت الأزمة هذه المرة مختلفة عن التوترات السابقة خصوصاً أنها كانت مفتعلة وتفتقر لأي أساس. قطعت الرياض العلاقات بالكامل مع الدوحة بعد قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية "قنا"، وفبركة تصريحات لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فضلاً عن إقفال الحدود وإغلاق المجال الجوي وقطع الاتصال بين الشعبين. وعلى الرغم من محاولات لمّ الشمل من قبل الكويت، إلا أن المملكة في سياساتها الراهنة رفضت مبدأ التفاوض أو الجلوس على طاولة واحدة. ولم تنجح مساعي السعودية بالطلب من دول أخرى إسلامية وعربية مقاطعة قطر، فلم يقف إلى جانبها في المقاطعة سوى البحرين والإمارات ومصر.

أما في لبنان، فدفعت المملكة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري للاستقالة من الرياض، عبر بيان تلفزيوني على قناة تلفزيونية محسوبة على الدولة. وترافق هذا الأمر مع انقطاع الاتصال به لأيام عدة في الرياض من دون توفر أخبار عنه، ما عزز الاعتقاد باحتجازه أو وضعه قيد الإقامة الجبرية على أقل تقدير، وهو ما استدعى تدخّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للوساطة في الأزمة واستقبال الحريري في ما بعد في الإليزيه، ليعود بعدها الأخير إلى لبنان ويتراجع عن استقالته، في ما عد ضربة جديدة لبن سلمان وإشارة إلى تراجع تأثير السعودية على الساحة السياسية في لبنان بعد أن كانت لاعباً أساسياً فيه.

أما في اليمن، فلا تزال المملكة تخوض حرباً منذ قرابة ثلاثة أعوام، أرهقت كاهلها، وتسبّبت في تأثير واضح على اقتصادها، من دون أن تحقق نتائج تذكر. ولا تزال خسائرها تتوالى في اليمن، ما حدا بها إلى طلب التوسط، غير مرة، للوصول إلى حل مع الحوثيين. وعلى الرغم من تكرار بن سلمان أنه يوجد إمكانية لإنهاء الحرب في أمد قصير، إلا أن ذلك لا يبدو في متناول يد الرياض، إذ تكبّدت القوات السعودية خسائر فادحة. كما أدى إقفال التحالف بقيادة السعودية لموانئ اليمن، إلى أزمة إنسانية، جعلت آلاف اليمنيين على حافة الموت. وتسببت الحرب في تأليب الرأي العام العالمي، الذي لم يصمت إزاء الأزمة الإنسانية في اليمن، لتطالب دول عديدة في مقدمتها فرنسا بوجوب فتح الموانئ. ولم يدم الرهان السعودي - الإماراتي طويلاً على صياغة تحالف جديد مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، إذ تطورت الأحداث بشكل متسارع وانتهت بقتل الحوثيين لصالح في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017. 

فلسطينياً، تسربت معلومات عن سعي القيادة السعودية لإقناع الفلسطينيين بـ"خطة سلام" تحوي تقديم تنازلات كبيرة إرضاء لإسرائيل وكسب ود الأميركيين. وترافق ذلك مع خروج الرياض بقرار خجول ومتأخر حول عدم تأييدها إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، فيما شهد العام 2017 العديد من التسريبات حول خطوات تطبيعية بين السعودية وإسرائيل.

وفي ما يتعلق بأوروبا، ربما تكون بريطانيا الدولة الوحيدة التي لا تزال على علاقة قوية بالسعودية. ويعزى ذلك إلى صفقات الأسلحة بين الطرفين والتي تجني من خلالها لندن مليارات الجنيهات. وهو ما ترجمته رئيسة الحكومة تيريزا ماي في مجلس العموم في الدفاع عن السعودية، بعد هجوم لاقته بسبب صمتها عن جرائم حرب اليمن، معللة أسباب علاقتها بالسعوديين بأنها مفيدة من أجل محاربة الإرهاب. لكن فرنسا ابتعدت قليلاً عن السعودية، لينخفض منسوب التقارب مع المملكة بعد أزمتي قطر ولبنان، وحرب اليمن. في موازاة ذلك، خاضت المملكة حرباً دبلوماسية مع ألمانيا بعد تصريحات لوزير الخارجية الألماني أغضبت الجانب السعودية، لتستدعي المملكة سفيرها للتشاور.
وربما تكون علاقة السعودية بالولايات المتحدة الأفضل لها خارجياً، ويعود الفضل في ذلك إلى العلاقة الآخذة في التقارب بين صهر ترامب، جاريد كوشنر، وبن سلمان، بعد صفقات للرياض مع واشنطن على هيئة أسلحة واستثمارات تخطت حاجز التريليوني ريال (نحو 500 مليار دولار).