نساء "داعش"... حكايات عن "الأيادي الناعمة" للتنظيم

27 نوفمبر 2017
استراتيجية جديدة لـ"داعش" في التعامل مع النساء (Getty)
+ الخط -

فيما كشفت العديد من الشهادات لنساء هربن من مناطق سيطرة تنظيم "داعش"، سواء في سورية أو العراق، عن تعرّضهن لأسوأ الانتهاكات، بحيث كنّ ضحايا للتنظيم المتطرّف، اختارت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في تحقيق صحافي نشرته اليوم الإثنين، أن تلقي الضوء على وجه آخر؛ وجه النساء الهاربات من مناطق تنظيم "داعش" والمؤيّدات لفكره، ودورهن في استراتيجيات التنظيم الجديدة، من خلال إيراد تفاصيل قصص نساء استطعن الهروب من سورية والعراق، في الفترة الأخيرة.


يبدأ التقرير بقصة زارة، المرأة التي هربت من التنظيم قبل أكثر من ستة أشهر، بمساعدة من مهرب عاونها على التسلل عبر الحدود السورية التركية، في واحدة من ليالي الربيع. لكنها روحياً، كما يوضح التقرير، لم تغادر "داعش" بحق.

غطت نفسها بالأسود من الرأس إلى القدمين، لتحيي زائرا جديدا جاء إلى المنزل المغربي الصغير الذي تقيم فيه، توضح الصحيفة مجريات المقابلة، ولم تخلع حجابها إلا عندما تأكدت أن ضيفتها، وهي امرأة أيضا، كانت وحدها. ومع رشفات من شاي النعناع، ​​تحدثت عن زوجها المتشدد وعن الرفاق الذين التقت بهم في معسكر "داعش" للنساء فقط.

تأمل زارة، التي ترفض كشف اسم عائلتها، لأنها سافرت إلى سورية سرا، أن يستعيد أطفالها يوما ما الفردوس الإسلامي الذي تعتقد أنه سرق من عائلتها. وتضيف: "سنربي أبناء وبنات أقوياء وقويات ونخبرهم عن الحياة في الخلافة"، وتابعت حاملة فنجان الشاي بقفازاتها السوداء: "حتى لو لم نكن قادرين على الاحتفاظ بها فإن أولادنا سيستعيدونها يوما ما".

وبسبب الأخطار المادية والقانونية التي تواجه أفراد التنظيم، فإنهم يسعون إلى العودة إلى بلدانهم. لكن مسؤولي مكافحة الإرهاب يخشون من أن مشاعر المرأة المغربية تجاه التنظيم ليست استثنائية.

وفي الأشهر الأخيرة، هاجرت مئات النساء من مناطق الخلافة، وعاد معظمهن في نهاية المطاف إلى بلدانهن الأصلية، أو عثرن على ملاذ في مراكز الاحتجاز أو مخيمات اللاجئين. بعضهن أمهات لديهن أطفال صغار، يقلن إنهن تعرّضن للضغوط من أجل السفر إلى العراق أو سورية، لكي يكن مع أزواجهن. ولكن يبدو أن عددا اعتنق فعلا أيديولوجية الجماعة وبقي ملتزما بأهدافها، كما تبين مقابلات مع جزء كان موجودا في مناطق "داعش"، فضلا عما يقوله مسؤولو الاستخبارات والمحللون الذين يتابعون موضوع العائدين من هناك.

من شمال أفريقيا إلى أوروبا الغربية، يشكل الوافدون الجدد تحديا غير متوقع لمسؤولي تطبيق القانون، الذين كانوا يستعدون لتدفق العائدين الذكور، فوجدوا أنفسهم بدلا من ذلك يقررون مصير عشرات النساء والأطفال. ومع أن قلة من النساء قاتلن في المعركة، إلا أن الحكومات حذرة من كل التهديدات المحتملة، على المدى القريب، وكذلك في المستقبل. ومع خسارات التنظيم التي تبدو أوضح في الفترة الأخيرة، فقد أصدر قادته في الأسابيع الأخيرة توجيهات واضحة للعائدات لتجهيز بعثات جديدة تتضمن من ينفذ هجمات انتحارية، بالإضافة إلى إعداد جيل من الإرهابيين للمستقبل.

في هذا السياق، تقول آن سبيكارد، مديرة المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف، وهي منظمة غير ربحية تجري بحوثا ميدانية حول الفارين من "داعش" والمنشقين عنه: "كانت هناك بالتأكيد حالات سحبت فيها نساء بالقوة إلى داعش، ولكن هناك من جُعلن متطرفات، بما في ذلك بعض من ذهبن للقيام بأدوار هامة". 

وأقرت واحدة من العائدات التي قابلها المركز، بأنها عادت فقط لأنها كانت في الأسابيع الأخيرة من الحمل وأرادت رعاية طبية أفضل. وبينت سبيكارد أن هذه المرأة "خرجت من أجل أن تلد، لكنها قالت إنها تريد العودة"، وأنها تريد أن يكبر طفلاها ليكونا شهيدين.


معضلة قانونية

 
وعادت عشرات النساء المغربيات بنجاح، لكن هناك عشرات منهن ينتظرن في مراكز الاحتجاز في تركيا، في حين تتم مراجعة قضاياهن. ويقر المسؤولون المغاربة بأن النساء يشكلن معضلة لصانعي السياسات ومطبّقي القانون، فالبلد ملزم بقبول حضانة مواطنيه، ولكن لا توجد سياسة محددة بشأن كيفية التعامل معهن. أما العائدون الذين ارتكبوا جرائم فسوف يذهبون إلى السجن، ولكن القانون أقل وضوحا بشأن كيفية معاملة الزوجات والأمهات اللواتي ليس لهن سجل من العنف أو تاريخ من المشاركة المباشرة في قضايا التطرف.
وقال مسؤول مغربي رفيع المستوى، في مقابلة مع الصحيفة، اشترط فيها عدم الكشف عن اسمه: "تخبرنا جميع النساء نفس القصة: ذهب أزواجهن بسبب الامتيازات المالية وتبعنهم بسبب عدم وجود خيار".
ويبدو أن معظم النساء اللائي عدن حتى الآن، يردن استئناف حياتهن القديمة ووضع التنظيم المتطرف خلفهن. ولكن الخوف ما زال قائما بين خبراء الأمن، من أن بعض العائدات ما زلن يحملن آراء متطرفة ويسعين إلى تلقينها لأفراد الأسرة.

وتابع المسؤول: "هناك، أولا وقبل كل شيء، أطفالهن، الذين من المفترض أن يُربوا بالطريقة التي يريد فيها داعش أن يُربوا".



علامات "داعش" باقية

ويبدو أن العديد من العائدات المغربيات مؤخرا، اللواتي قابلتهن "واشنطن بوست"، كن مرتاحات لعودتهن إلى البلاد، ووصفن التفاصيل المروعة التي حدثت داخل مناطق "داعش". واتفق كل منهن على الحديث عن التجارب الشخصية، بشرط عدم الكشف عن أسماء أسرهن أو مواقعهن، بسبب الخوف من انتقام المتعاطفين مع التنظيم في المغرب، أو خوفا من اعتقالهم من قبل السلطات.
وقالت أم زيد، التي فرت من سورية مع أطفالها الأربعة، في يوليو/تموز: "كنا نخاف من الصواريخ والتفجيرات. كان أطفالي يركضون إلى الزاوية ويبكون". وكانت العائلة قد هاجرت إلى سورية في عام 2015، متوقعة أن "الحياة قد تكون أفضل هناك". ولكنها وجدت نفسها فجأة في مناطق الخلافة داخل قوانين خانقة، واقتصرت حياتها على منزلها، وقرر الزوج أن تعود العائلة إلى المغرب، ولكن أحدهم علم بخطة هربه و"خيانته" ما تسبب باعتقاله، في حين انضمت أم زيد وأطفالها إلى أسر مغربية أخرى من أجل الهرب شمالا باتجاه الحدود التركية.

واعتبرت الصحيفة أنه وبعد أشهر، لا تزال علامات "داعش" مستمرة. ولا تزال معظم النساء اللواتي تمت مقابلتهن يرتدين الزي المحافظ الذي فرضه التنظيم، بما في ذلك النقاب. لكن أم خالد تنفي هذه الفكرة، وتقول إن "هذا حقي. أستطيع أن أرتدي كل ما أحب". 
وكانت زارة أكثر صراحة في وصف انجذابها الأول إلى تنظيم الدولة الإسلامية. واعترفت بأن الانتقال إلى سورية كان فكرتها، وأنها أقنعت زوجها الأول بالانضمام إلى الجماعة الإرهابية فور إعلانها رسميا في عام 2014.
وتابعت: "دفعت زوجي فعلا إلى السفر". وبينتْ أنه وبعد وصولها إلى سورية، كان زوجها يتدرب كمقاتل و"سرعان ما صار شهيدا من أجل الخلافة بفضل الله". "أنا أحببته. لكننا جميعا يجب أن نقدم تضحيات لمعتقداتنا". 

تزوجت زاره في نهاية المطاف وحصلت على وظيفة إعلامية في التنظيم، حيث يمكن للنساء اللواتي يمنعن عموما من العمل القتالي أن يلعبن دورا مفيدا في تشكيل بروباغندا المجموعة. وانتهى بها المطاف في خلية للنساء فقط.


من ضحايا إلى مجرمات

على أية حال، تبقى المخاوف موجودة، فبالنسبة للعديد من النساء العائدات، يبدو أن أدوارهن بدأت تتجاوز رعاية الإرهابيين المستقبليين. وفي الأشهر الأخيرة، تم استغلال عدد متزايد من النساء للقيام بعمليات عسكرية.
ومنذ تأسيس "داعش"، كان قادة التنظيم يبعدون النساء في العادة عن العمل كمقاتلات أو كانتحاريات. ولكن مع زيادة الخسائر، أعطت الجماعة أتباعها الإناث فرصة أوسع للمشاركة.
وفي الفترة الأخيرة على سبيل المثال، شاركت عشرات النساء في عمليات انتحارية ضد تقدّم القوات العراقية، في محاولة أخيرة للدفاع عن الموصل. وفي سبتمبر/أيلول من عام 2016، قاد الزعماء السوريون في المجموعة خلية من خمس نساء فرنسيات، في محاولة تم إحباطها لتنفيذ تفجير إرهابي في وسط باريس.

وحاول مقال نشره في الشهر الماضي جهاز الدعاية الرسمي للتنظيم، حشد المزيد من النساء للقتال، من خلال التذرع بنساء مشهورات في التاريخ الإسلامي المبكر، مثل نسيبة بنت كعب. وعلى الرغم من أن التنظيم لم يسمح من قبل بمشاركة النساء في القتال والهجوم، يبدو أن المجموعة بدأت تشجعها علنا هذه الفترة. 
وعلى ما يبدو، فإن صورة المرأة الضحية بدأت تتراجع، مع تشديد عدد من الحكومات الأوروبية قوانينها تجاه العائدات. وتقوم الحكومة البلجيكية، بعد أن سمحت في البداية لبعض النساء والأطفال بإعادة التوطن في أحيائهم السابقة، بإعداد إجراءات جنائية ضد 29 مواطنة سيعدن من تركيا والعراق وسورية. لكن في كل الأحوال، يظل موضوع العائدات وأطفالهن الموضوع الأكثر قلقا وحساسية في سجلات الساسة الأوروبيين، ويظل التعامل معهن رهينا لثنائية الضحية السلبية، أو المجرمة الفاعلة.

(إعداد عز الدين التميمي)
 
المساهمون