ثوار فبراير خارج اليمن... أمل بالعودة واستكمال النضال

11 فبراير 2019
من تظاهرات الثورة المطالبة برحيل صالح (Getty)
+ الخط -
بعد مرور ثمانية أعوام على ثورة الربيع اليمني، تتردد تساؤلات عدة بين اليمنيين، لعل أبرزها ما إذا كانت الثورة حققت أهدافها، بعد الحرب التي اندلعت في البلاد نتيجة محاولة الحوثيين، بالتحالف مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، تنصيب أنفسهم بقوة السلاح حكاماً على البلاد، وما استتبعه ذلك من تدخل عسكري بقيادة السعودية والإمارات فتت الدولة الهشة وسلب قرارها السياسي والعسكري، وحوّل رئيسها عبدربه منصور هادي إلى رهينة في العاصمة السعودية الرياض لا يقدر على العودة إلى بلاده بقرار من الإمارات.
هناك من يقول إنه لا يمكن حساب نجاح الثورة من عدمها بناء على الأحداث التي عايشها اليمن في السنوات القصيرة التي تلت ثورة فبراير فقط، ولا سيما أن الثورات عموماً تحتاج لأزمنة طويلة كي تجني ثمارها. في مقدمة أصحاب هذا الرأي من شارك في الثورة من الشباب وأصبح اليوم خارج اليمن ولم يعد قادراً على العودة إلى بلده لأسباب كثيرة.


الناشط والصحافي فتحي أبو النصر، الذي صار مقيماً اليوم في العاصمة المصرية القاهرة، يقول في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ثوار اليمن مثل العشاق الخائبين". ويضيف "الحتمية التاريخية فرضت أن تضع الثورة كل مشاكلنا على الطاولة فتفجرت تباعاً. أما فعل الثورة السلمية فيأسر القلب لأنه أعلى تجليات الوعي اليمني". ويلفت إلى أن "مراكز القوى المعيقة لبناء الدولة تتصارع فيما بينها، وهو أمر كان يجب أن يحدث". وبينما يعتبر أن "كل ثورة لا تخلو من الاختلالات والشوائب"، يلفت إلى أن "عظمة فبراير تكمن في الاندلاع الكبير بوعي الدولة المدنية. دولة المواطنة التي تحتكر السلاح ويسودها القانون".
ويتوقف أبو النصر عند ما مرّ به اليمن عقب الثورة، بما في ذلك "الدخول في حرب ضروس بعد 21 سبتمبر/أيلول 2014 (بداية اجتياح الحوثيين لصنعاء)، ثم تشظّي الدولة وتفكك أواصر المجتمع". ويضيف "دعك من الذين صاروا أثرياء وأصحاب مناصب بسبب 11 فبراير، أتحدث عن مأساة يمنية عارمة توجت بالحرب. لقد تمادى شر التفرد بالسلطة بعد 10 أشهر من الحوار الوطني ولم تتوقف الخسارات على كل الأصعدة. صارت البلاد بركة دم".
من جهته، يقول الناشط والإعلامي، عبد الرزاق العزعزي، الذي يقيم حالياً في الكويت، إنه "لا يمكن للثورة أن تنتهي إلا في حال تحقّق المطالب التي اشتعلت من أجلها، لكن طالما لم يتحقق شيء، فالثورة لا تزال قائمة". ويلفت في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "تحوّل مسار ثورة الشباب في اليمن من مطالبات حقوقية شبابية إلى عمل سياسي، فتحت المجال لتنفيذ أجندة غير وطنية، وأدى هذا إلى دخولها في مرحلة سُبات مجتمعي، وبقي الناس في انتظار الحل السياسي حتى وإن بدوا رافضين للعمليات السياسية المختلفة أو التدخلات الخارجية". ويذهب إلى القول إن "الثورة في اليمن ما زالت شعاراتها قائمة، لكن ما ينقصها فقط هو طقوسها الثورية من تحركات شعبية، التي تقلّصت بسبب القمع والعنف الشديدين تجاه المحتجين على القضايا المختلفة". وبرأيه "يمكن القول إن الثورة كعمل ميداني تشهد توقفاً موقتاً".
أما الناشط هاني الجنيد، الذي كان على رأس الشباب الاشتراكيين من طلبة جامعة صنعاء الذين خرجوا إلى الساحة، وساهم في تدوين بيان الثورة الأول، فهو يقيم الآن في كوريا الجنوبية لاجئاً بعد أن ترك مدينة عدن إثر اعتقاله من قبل قوات "الحزام الأمني" المدعومة إماراتياً. ويقول في حديث مع "العربي الجديد" "نعم تم السطو على ثورة الشباب اليمنية لكن فعلها مستمر، ولن يفلح المتآمرون عليها". ويضيف "ما يحدث في اليمن من خضات هو بفعل انحراف مسار الثورة، لكن في الأخير يجب لهذا البلد أن يستقر، ولن يستقر إلا بنجاح ثورة فبراير، وهو الخيار الأخير والوحيد الذي سوف يسلم له الجميع". وينفي الجنيد أن يكون يشعر بالحسرة نتيجة مآلات الأوضاع في اليمن قائلاً: "أنا لا أشعر بالحسرة على الإطلاق، أنا أشعر بالفخر والاعتزاز أني كنت أحد قادة هذه الثورة التي حطمت قيود الذل والعبودية". ويضيف "عندما خرجنا بالثورة لم يكن هدفي مكسباً شخصياً، كان هدفي وطنياً، وطبيعي أن أكون الآن مشرداً خارج الوطن لأني لم أتصرف بشكل انتهازي. لكن لا يزال لدي حلم بالعودة وبالنضال. في اليمن تاريخ طويل من الفساد ويجب محاربته".
من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، عادل الشرجبي، الذي واكب كافة أحداث الربيع اليمني "أعتقد فعلاً أن الثورة قد سُرقت، والسبب أن الثوار الحقيقيين المؤمنين بأهداف الثورة لم يكونوا يمتلكون الموارد اللازمة للدفاع عنها، وفي مقدمتها التنظيم، ثم المال والسلاح، فالقوى المنظمة التي التحقت بالثورة لم تكن تؤمن بأهداف الثورة، وأقصد هنا تحديداً الحوثيين والإخوان المسلمين والجيش التابع لعلي محسن الأحمر، وأيضاً الجماعة التي انشقت عن المؤتمر الشعبي العام، والتي تسلمت السلطة خلال الفترة الانتقالية، والتي باتت تطلق على نفسها حالياً الحكومة الشرعية". ويلفت في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أنه "على الرغم من أن كل هذه القوى، باستثناء الحوثيين، تتحدث دائماً عن ثورة فبراير، إلا أنها في الحقيقة ليست مؤمنة بها، ونحن نتذكر كيف تنكّر (رجل الدين عبد المجيد) الزنداني وآخرين لهدف بناء الدولة المدنية، ونتذكر رفض الشيخ صادق الأحمر للدولة الاتحادية، ونتذكّر تكفير الشيخ عارف الصبري وشيوخ آخرين لبعض رموز ومفكري ثورة فبراير، ونشهد هذه الأيام الحملة الشرسة التي يقودها الشيخ عبدالله العديني ضد حقوق المرأة وضد الحقوق والحريات عموماً". ويضيف "باختصار فإن القوى المهيمنة على السلطة في المعسكرين المتحاربين حالياً هي قوى تقليدية لا تؤمن بالثورة، ولا يمكن أن تحقق أهدافها، لأن أهداف الثورة تتعارض مع مصالحها، وعوضاً عن أن تعلن هذه القوى رفضها الصريح للثورة، عمدت إلى سرقتها من خلال تبني شعاراتها وأهدافها على مستوى الخطاب، وإعاقة تحقيق أهدافها على مستوى الواقع".

المساهمون