ودفعت أزمة وباء كورونا السلطة السياسية في الجزائر إلى إجراء تغيير طفيف في الأجندة السياسية، وتأخير عدد من الملفات وخطوات الإصلاح السياسي، إلى حين تجاوز الظرف الراهن، والذي يفرض توجيه كل الجهود السياسية والمجتمعية نحو مواجهة الوباء. وبدأت الأزمة تُلقي بظلالها الخطرة على مناحي معيشية كثيرة بالنسبة للجزائريين، ولا سيما في ما يتعلّق بارتفاع أسعار المواد التموينية والخضراوات، وتوقف العمل بالنسبة لبعض القطاعات كالنقل من وإلى الخارج، وتعطل الدراسة، ما فرض تغيراً على اهتمامات الأسر الجزائرية.
في السياق، قال مسؤول جزائري مطلع لـ"العربي الجديد" إنّ "الرئاسة كانت بصدد نشر مسودة تعديل الدستور الأحد الماضي على موقعها الإلكتروني، لإتاحتها أمام الرأي العام، وبدء إرسال نسخ منها إلى المعنيين من أحزاب ومنظمات، لكن تم اتخاذ قرار في اللحظة الأخيرة بتأجيل ذلك". وأضاف أنّ "المسودة الأولى بيد الرئيس عبد المجيد تبون، لكنه لن يكشف عنها في الوقت الحالي، لأن الظرف غير مناسب، والمناخ العام غير مؤهل لمناقشة قضايا سياسية كهذه، ومجمل المستشارين يتفقون على هذا الرأي".
وجاء قرار تبون، أول من أمس الثلاثاء، بمنع إقامة أي تظاهرات أو فعاليات وتجمعات مهما كان نوعها وطبيعتها، ليحسم الموقف باتجاه إرجاء تعديل الدستور، على اعتبار أنّ طرح مسودة الدستور الجديد كان يفترض تنظيم السلطة لتجمعات شعبية لشرح المسودة، وكذلك تنظيم الأحزاب والقوى المدنية لتجمعات ولقاءات لمناصريها وكوادرها لمناقشة المسودة وإثرائها، وتقديم مقترحات بشأنها، قبل إعادة صياغة المسودة النهائية، وهو ما لم يعد ممكناً في الأجل القريب على خلفية قرار الرئيس الجزائري بمنع إقامة أي تجمعات.
ويعتقد مراقبون أنّ تبون لا يريد خسارة الموقف السياسي والأخلاقي بطرح دستور في ظرف أزمة صحية تهدد السلامة العامة. وفي السياق، رجّح الكاتب والمحلل السياسي، بوعلام غمراسة، أن يرجئ الرئيس بالكامل مسألة تعديل الدستور. وأعرب عن اعتقاده في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن "الرئيس تبون لن يطرح التعديل الدستوري في الوقت الراهن"، مضيفاً "أتصوّر أنه سيعلّق هذه المسألة، تفادياً لإحداث أزمة أخرى، وهذا ما يؤكده تأجيله الإعلان عن مسودة الدستور الذي كان مقرراً الأحد الماضي".
وكان مساعد الرئيس الجزائري، محمد لعقاب، قد أعلن يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، في مؤتمر صحافي، أنّ لجنة الخبراء المكلفة بإعداد مسودة الدستور الجديد انتهت من صياغتها، وستسلم الرئيس تبون النسخة الأولى قبل الأحد (الماضي). وتعتزم الرئاسة تسليم مسودة الدستور الجديد، إلى أكثر من 100 حزب سياسي معتمد و600 تنظيم مدني، فضلاً عن الصحافة والنخب الوطنية، لإبداء مواقفها بها وإثرائها قبل التوصل إلى المسودة النهائية.
وبغضّ النظر عن موقف الأحزاب التقدمية المنضوية في "كتلة البديل الديمقراطي"، التي تضمّ أبرز القوى التقدمية كـ"جبهة القوى الاشتراكية" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، والتي تتمسّك بموقف مبدئي بشأن رفضها طريقة التعديل، واعتبارها أن تبون لجأ إلى الطريقة نفسها التي اعتمدت في تعديل الدساتير في العقود السابقة، عبر لجنة شكلها من دون أي مشاركة للقوى السياسية والمدنية التمثيلية في صياغة الدستور، فإنّ قوى سياسية معارضة أيضاً تعتبر أنّ الرئيس مطالب بوضع مسألة تعديل الدستور جانباً وإرجاء كل ما يتصل بالمسار الدستوري إلى وقت لاحق، حتى تجاوز أزمة كورونا.
وفي هذا الإطار، أكّد العضو القيادي في حزب "جيل جديد" المعارض، إسماعيل سعيداني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحزب يعتقد أنّ مسألة تعديل الدستور والخطوات المرتبطة بها ليست ذات أولوية في الوقت الحالي، فالمناخ العام ليس مناسباً، وكذلك ليس مستعداً لمناقشة وثيقة مهمة للدولة والمستقبل كالدستور، في ظلّ التحدي الأساسي المتعلق بمواجهة وباء كورونا وتداعياته".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، كلّف تبون لجنة دستورية تضمّ 17 خبيراً، برئاسة الخبير الأممي السابق أحمد لعرابة، بإجراء مراجعة شاملة للدستور الجزائري وصياغة مسودة دستور جديد في غضون شهرين، على أن تطرح للمناقشة مع القوى السياسية والمدنية، قبل طرحها على استفتاء شعبي عام. وسمح تبون للجنة بالتصرف في المسودة الجديدة ومراجعة كل مواد الدستور، عدا المواد المتعلقة بالهوية الوطنية.
وتستهدف مسودة الدستور الجديد، بحسب تبون، منع الانحراف مجدداً إلى الحكم الفردي، والحدّ من العهدات الرئاسية بجعلها عهدتين فقط، وكذلك الحدّ من صلاحيات رئيس الجمهورية، وإعادة توزيع الصلاحيات بينه وبين الحكومة والبرلمان، وفصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية وضمان استقلالية القضاة. ويضاف إلى ذلك توسيع الحريات ولا سيما حرية التعبير، وإبعاد نفوذ المال عن تسيير الشؤون العامة وعن السياسة، وإلغاء الأحكام الدستورية التي تحدّ من تولي الجزائريين المقيمين في الخارج بعض المسؤوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية.