زيارة الحريري لشمال لبنان: محاولة لترميم ما تهدّم

26 يونيو 2016
يسعى الحريري الابن إلى إعادة هيكلة تيار "المستقبل"(أرشيف/حسين بيضون)
+ الخط -

بعد انقطاع دام خمس سنوات، بدأ رئيس الحكومة الأسبق، سعد الحريري، زيارة إلى مدينة طرابلس، الجمعة الماضية، وذلك بعد أسابيع على انتهاء الانتخابات البلدية في طرابلس والشمال، والتي شكّلت ضربة سياسيّة قاسية له ولتياره "المستقبل"، الأمر الذي دفع الحريري إلى التوجه لأبناء المنطقة، في يوم زيارته الأول، بالقول: "وصلني صوتكم.. وأنا مسؤول".

في الشكل، تبدو الرسالة قد وصلت للحريري فعلاً. لكن بعض التدقيق يُظهر أن الصورة ليست بهذا الوضوح. فالزيارة الشماليّة، التي تنتهي اليوم الأحد، كرّست العلاقة مع رئيس الحكومة الأسبق، نجيب ميقاتي، لكنّها كرّست القطيعة مع وزير العدل المستقيل، أشرف ريفي، الذي هاجمه الحريري في خطابه من دون أن يُسميه، قائلاً "حل (ابتعد) عن رفيق الحريري وعن المزايدات والعنتريات".

وصوّت الشماليون، للائحة ريفي في وجه لائحة تحالف الحريري وميقاتي، والوزيرين السابقين محمد الصفدي وفيصل كرامي وآخرين، اعتراضاً على خيارات الحريري السياسيّة وتحالفاته والحوار مع حزب الله، وسوء الإدارة التنظيمية. فيما عقد النائب خالد الضاهر، مؤتمراً صحافياً هاجم فيه الحريري نفسه. في وقت غابت فيه الجماعة الإسلاميّة وهيئة علماء المسلمين عن الإفطار الذي دعا إليه زعيم "المستقبل" في طرابلس.

مسار طويل

ويعتبر المستقبليون زيارة الحريري تأسيسا لمسار طويل، لحلّ كل ما تراكم على مدى سنوات ما بين التيار ومناصريه، كما يقول النائب السابق مصطفى علوش لـ"العربي الجديد". ويُشير علوش، إلى أن الزيارة خطوة أولى، معتبراً أن المطلوب هو توضيح التحالفات والخطوات السياسيّة للناس، "خصوصاً أولئك الجالسين في منازلهم ومبتعدين عن الشأن العام اعتراضاً".

وتميّزت كلمات الحريري الشماليّة، برفع سقف الخطاب السياسي في وجه حزب الله وإيران. فقد قال الحريري في إفطار ثانٍ مساء أمس، إنه لا توجد ساحة عربية "تسللت إليها إيران، سواء عن طريق المال أو الأحزاب أو رجال الدين أو الحرس الثوري، إلا ونالت نصيبها من الانشقاق والفتن والصراعات المذهبية".

وأضاف، في ردّ على الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، أن "شخصا يتباهى بأنه قاعدة عسكرية متقدمة لإيران، وأن كل أمواله وصواريخه ومعاشاته تأتي من خزانة الحرس الثوري في إيران، يعني أنه يعترف بأنه حزب إيراني بامتياز، وأنه استثمار للمشروع الإيراني السياسي والديني والعسكري، وأن أوامر الولي الفقيه عنده فوق مصلحة لبنان ومصالح كل العرب، أليست هذه مضبطة اتهام من الدرجة الأولى".

"الحزب" والتسويات

وعند سؤال علوش عن سبب تمايز خطاب الحريري تجاه حزب الله، إذ كان مهادناً ودعا إلى الحوار مع الحزب في بيروت، ثم شنّ هجوماً حاداً في طرابلس، عزا علوش الأمر إلى كون نصرالله أعطى الحريري مادة ليتناوله بها. واعتبر أنه لو لم يقل نصرالله ما قاله، لمرّ الأمر "بهجوم تقليدي وعادي، لكن نصرالله قال إن سلاحه وتمويله إيراني".

وأكّد علوش، أن كلام الحريري الحاد لا يعني أن تيّار المستقبل سيحمل السلاح لمواجهة حزب الله، "فهو مكوّن أساسي في البلد، وسنواجهه بالخطاب السياسي". وتمسّك علوش بخيار تيار المستقبل بإجراء "التسويات المجدية" مع حزب الله، واعتبر أن التسويات تخدم مصالح الناس، وتؤمّن الاستقرار، وأن هذا لا يعني تخلي "المستقبل عن خطابه السياسي". لكن علوش اشترط شرح هذه التسويات للناس. وأكّد أن تيار المستقبل لن يتبنى "خطاباً شعبوياً أو مذهبياً"، وذلك في اتهام لريفي من دون أن يُسميه.

وفي حين يُردد عدد من المقربين من ميقاتي والحريري أنهما حسما التحالف النيابي في مواجهة ريفي في طرابلس، فإن علوش يعتبر أن مشاركة ميقاتي في إفطار تيار المستقبل في طرابلس، ومن ثم زيارة الحريري منزل ميقاتي، ليست في خانة التحالف السياسي، بل يضعها علوش في سياق التفاهم على عدم الانشغال بمواجهات جانبيّة في ظلّ الأوضاع الإقليميّة المتوترة.

التواصل والإنماء

يتطابق كلام علوش مع كلام أحد المسؤولين التنظيميين في تيار المستقبل، الذي يُشير إلى أن أهمية لقاءات الحريري الشمالية هي التواصل مع الناس. ويلفت إلى أن الحريري في زيارته الشمالية أو للمناطق الأخرى تناول الأوضاع الإنمائية، ووعد بتنفيذ وإنجاز عدد من المشاريع.

ورأى أن هذه الزيارات تُعد خطوة أولى في سياق إعادة هيكلة التيار، التي ستبدأ بعد شهر رمضان عبر عقد مؤتمرات التنسيقيات والقطاعات المهنية في التيار، في سياق التحضير للمؤتمر العام الذي يُفترض أن يُعقد في سبتمبر/أيلول المقبل. وأضاف المسؤول، أن الحريري التقى عددا كبيرا من المسؤولين المحليين والقطاعات المهنية خلال زيارته، ومن ضمن هؤلاء المجلس البلدي المنتخب في طرابلس.

وهنا، كان لافتاً، إبلاغ عضو المجلس البلدي في طرابلس، سميح حلواني، "العربي الجديد"، بأن أعضاء المجلس البلدي فوجئوا بالخطاب الحاد تجاه ريفي، لكنهم لم يُقاطعوا اللقاء الذي كان متفقا عليه مع الحريري "كونه إنمائيا".

وذهب رئيس المجلس البلدي، أحمد قمر الدين، ونائبه خالد الولي، وعضو البلدية أحمد المرج، إلى القول: "كان موعد اللقاء عند الواحدة، لكن الحريري وصل عند الواحدة والنصف، وطرح موضوع إنشاء المرآب الذي يرفضه معظم أهالي طرابلس، ونحن أعلنا رفضنا له خلال حملتنا الانتخابية، وعندما أبلغ الوفد الحريري هذا الرفض، أنهى الحريري الاجتماع بعد 12 دقيقة".