أسباب تغيير إسرائيل أنماط مواجهتها لحراك العودة

10 يونيو 2018
خفّف الإسرائيليون اعتداءاتهم على مسيرات العودة (مؤمن فايز/ Getty)
+ الخط -

عمدت إسرائيل إلى استخدام تكتيكات أمنية هدفت إلى تقليص عدد الشهداء والجرحى في صفوف الفلسطينيين المشاركين في حراك مسيرات العودة الكبرى، في محاولة لمنع المزيد من التآكل على مكانتها الدولية وبهدف عدم السماح بتفجّر مواجهة تقلّص من قدرتها على التصدّي للوجود الإيراني في سورية، في سياق عدم التأثير على جهود واشنطن لتوفير بيئة إقليمية ودولية تسهم في تحسين قدرة الولايات المتحدة على تطبيق استراتيجيتها ضد مشروع طهران النووي.

ودلّت كل المؤشرات على أنه على الرغم من مشاركة أعداد كبيرة في التظاهرات التي نُظّمت ضمن فعالية "مليونية القدس"، يوم الجمعة الماضي، ومع أن كتلاً بشرية كبيرة تدفقت باتجاه الجدار الحدودي على طول الحدود مع قطاع غزة، إلا أن جيش الاحتلال قلّص من استخدام الرصاص الحي في مواجهة هذه التظاهرات. وهو ما أفضى إلى أن يكون عدد الشهداء والمصابين أقل نسبياً مقارنة بفعاليات الحراك السابقة؛ مع سقوط ثلاثة شهداء؛ في حين لم يتجاوز عدد الإصابات الخطرة ثماني إصابات.

وبدلاً من التوسع في استخدام الرصاص الحي، لجأ جيش الاحتلال إلى استخدام الغاز المسيل للدموع من النوع الذي يؤثر بشكل كبير على الجهازين العصبي والتنفسي؛ فعمد إلى الجمع بين تكثيف استخدام الغاز واعتماد تقنيات في إلقاء عبواته تقلّص من قدرة المتظاهرين على إخمادها. ومما دلّ على أن جيش الاحتلال قد خطط لتوظيف الوسائل التي استخدمها في محاولة تفريق المتظاهرين من أجل تحقيق أهداف سياسية ودعائية بشكل خاص، حقيقة أنه عمد إلى تزويد الصحافيين الأجانب بتغطية مباشرة للمواجهات مع المتظاهرين، عبر استخدام طائرات قامت بالتصوير من خلال تحليقها فوق مخيمات العودة الخمسة.

وقد أسهمت الجولة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوروبا الأسبوع الماضي، وشملت كلاً من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، في دفع تل أبيب إلى تبني التكتيكات الجديدة. فقد فوجئ نتنياهو، الذي توجه إلى برلين وباريس ولندن لحشد التأييد لموقف تل أبيب من الوجود الإيراني في سورية، بأن القادة الأوروبيين قد بادروا لطرح عمليات القتل التي قامت بها جيش الاحتلال ضد المشاركين في حراك العودة ضمن القضايا التي نوقشت في هذه اللقاءات.

فقد طالب وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، نتنياهو بتشكيل لجنة للتحقيق في قتل المتظاهرين. ومن أجل احتواء الانتقادات التي وجّهتها الحكومة ووسائل الإعلام الفرنسية قرّر جيش الاحتلال إرسال المتحدث باسمه رونين ملنيس إلى باريس، لمخاطبة مجلس النواب الفرنسي لشرح السياسات التي يتبعها الجيش في مواجهة حراك العودة.



وفي الوقت الذي رأت فيه دوائر صنع القرار السياسي والمؤسسة الأمنية في تل أبيب أن التهديدات المنبثقة عن الوجود الإيراني في سورية "أخطر بكثير من تلك التي تمثلها غزة وأنشطة حراك العودة، فإن إسرائيل قد عمدت إلى تصميم سياساتها تجاه هذا الحراك كي لا يؤثر سلباً على قدرتها على تأمين دعم غربي لسياساتها تجاه سورية، لا سيما في ظل وجود مؤشرات على تباين بين موسكو وتل أبيب بشأن الوجود الإيراني هناك".

من ناحية ثانية، فإن تغيير التكتيكات المستخدمة في مواجهة حراك العودة قد يكون مرتبطاً بالمبادرات الإسرائيلية والدولية الهادفة إلى التوصل إلى تهدئة، تقوم على تحسين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في القطاع، مقابل وقف المقاومة في قطاع غزة عملياتها التي تستهدف إسرائيل.

ومن المقرّر أن يعقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لشؤون الأمن، اليوم الأحد، اجتماعاً خاصاً لمناقشة خطتين لتحسين الأوضاع في غزة، إحداهما بلورها مبعوث الأمم المتحدة للمنطقة نيكولاي ملادينوف، وترمي إلى تدشين مصانع وبنى تحتية لخدمة قطاع غزة داخل سيناء وفي القطاع نفسه. والخطة الثانية صاغها وزير الاستخبارات والمواصلات الليكودي يسرائيل كاتس وتقوم على تدشين ميناء عائم قبالة سواحل غزة إلى جانب تدشين بنى تحتية داخل القطاع.

من ناحية ثانية، فإن التحوّل في أنماط التعاطي الأمني مع أنشطة حراك العودة مرتبط أيضاً بقناعة متجذرة لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تحديداً، ومفادها بأنه لا يوجد رد عسكري يمكن أن يفضي إلى احتواء هذا الحراك، لا سيما في ظل تعاظم أنشطته وزيادة تأثيرها على العمق المدني الإسرائيلي، وضمن ذلك الخسائر الهائلة التي باتت تتكبّدها المستوطنات المحيطة بالقطاع من جراء استخدام الطائرات الورقية المشتعلة.

واستدلّ من أنماط التعاطي التي برزت يوم الجمعة في مواجهة "مليونية القدس" أن المستوى العسكري تمكن من إقناع المستوى السياسي في تل أبيب بمواقفه الداعية إلى عدم الإقدام على خطوات تسهم في انفجار مواجهة شاملة مع حماس. فعلى الرغم من أن يوم الجمعة شهد إطلاق أكبر عدد من الطائرات الورقية المشتعلة، إلا أن نمط التعاطي معها لم يخرج عن المألوف حتى الآن، في ظل تجاهل تام لدعوات وزراء داخل الحكومة إلى تصفية مطلقي هذه الطائرات.



المساهمون