تشكيل الحكومة التونسية... الشاهد بمواجهة المحاصصة وشروط الأحزاب

09 اغسطس 2016
أعلن الشاهد إمكان إبقاء بعض الوزراء بمناصبهم(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن حصيلة التجارب الحكومية المتتالية في تونس طوال السنوات الخمس الماضية، قادت أخيراً إلى حزم القرار بشأن نوعية الحكومة المقبلة، فقد فشلت كل الحكومات المتلاحقة في تحقيق أهداف الثورة، بسبب تأرجحها بين التكنوقراط والسياسيين، سواء قبل انتخابات 2011 مع الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، أو بعدها مع حكومة الترويكا، ثم حكومة الائتلاف الأخيرة، وجاءت تركيباتها هجينة من دون أن تتوصل إلى وضع حد لتدهور حالة الإنتاج، ما أصبح يُهدد وضع الدولة المالي، وينذر بالإفلاس.
ويبدو أيضاً أن السبسي ورئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، قد توصلا إلى خلاصة أملَتها ضرورة الوضع الراهن، تدفع إلى اعتماد حكومة تكون قادرة على مواجهة المعارضة، وتنهي حالة "الأيادي المرتعشة"، وتذهب إلى تنفيذ برامجها وتزيل كل العراقيل التي تمنعها من ذلك، وهو ما لا يتم إلا عبر حكومة سياسية، أعضاؤها من كوادر الأحزاب، مع كونهم من المتخصصين في مجالاتهم في الوقت نفسه. ولذلك جاء تأكيد رئيس الحكومة المكلف يوسف الشاهد مباشرة بعد تكليفه، أنه يتجه نحو تشكيل حكومة سياسية بكفاءات وطنية من دون محاصصة حزبية، مجدداً التزامه بما جاء في وثيقة قرطاج، بعد رسالة اتحاد الشغل وبقية أحزاب المعارضة بأنها ستراقب مدى احترامه للوثيقة ومضمونها.
غير أن الشاهد، وإن كان لا يختلف مع داعمَيه (الغنوشي والسبسي) حول الحكومة السياسية، فإنه سيصطدم بواقع المحاصصة، وسيكون عليه أن يتقن لعبة إرضاء الأحزاب، بمعادلاتها الجديدة هذه المرة، مع وضع حركة "النهضة" بعض الشروط. وقد انطلقت قيادات "النهضة"، بعيد المؤتمر العام للحركة، في توجيه رسالة واضحة إلى حلفائها، تفيد بأن قواعدها لم تعد تقنع بالمشاركة الرمزية، وأنها تطلب نصيبها كاملاً في المشاركة الحكومية. وتجددت الرسالة بعد استبعاد رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد، وذهبت "النهضة" في تحالفها مع السبسي إلى المرحلة الأخيرة، وإن كان على مضض، وتخلّت عن الصيد، ولكنها لن تتخلى عن تقييم قواعدها الذي كان واضحاً خلال المؤتمر.
ونقل عضو حركة "النهضة" بلقاسم السايحي، على حسابه على شبكة "تويتر"، مقتطفات من مواقف منسوبة للغنوشي، أكد فيها الأخير أن الحركة ستشارك في حكومة الشاهد "إذا كانت مشاركتنا مؤثرة غير رمزيّة"، معتبراً المشاركة في حكومة الشاهد اختياريّة، وأن حركته ستدعمها "سواء كانت النهضة فيها أو خارجها". وهي إشارات تصل إلى حد التهديد بالخروج من الحكومة نهائياً إذا لم تُلَبّ شروط "النهضة".
بالتوازي، قال نائب رئيس الحركة عبد الفتاح مورو، إنه من الطبيعي جداً أن تتنازع الأحزاب المشاركة في الحكم على الحقائب الوزارية، معتبراً أن ذلك ليس محاصصة حزبية، بل من صميم الديمقراطية أن تكون مسؤولية كل حزب قدر حجمه. وأضاف مورو في تصريح إذاعي، أن ما يهم "النهضة" ليس رئيس الحكومة في حد ذاته وإنما وثيقة قرطاج التي ضبطت أولويات الحكومة المقبلة ومجال تحرك الوزراء، داعياً إلى المرور سريعاً إلى الإنجاز لأن الوضع في تونس لا يتحمل المزيد من المشاورات.
ويتضح جلياً من هذه المواقف أن "النهضة" تريد أن يعكس تمثيلُها موقعَها النيابي، على عكس ما حصل في حكومة الصيد، ما يعني أنه يتعيّن على الشاهد أن يمنحها خمس أو ست وزارات على الأقل، وهو ما سيدعوه إلى مراجعة تمثيل حزبي "آفاق" و"الاتحاد الوطني الحر" في الحكومة، وهما اللذان فاق تمثيلهما تمثيل حركة "النهضة" في عدد الحقائب بحكومة الصيد. بالإضافة إلى ذلك، سيواجه الشاهد ضغطاً من دخول شخصيات سياسية أخرى في الحكومة، من بين المستقلّين أو ممثلي بعض الأحزاب المشاركة في الحوار، مع كل المشاكل التي يحدثها حزبه الأصلي "نداء تونس"، والرهانات الشخصية لأغلب قياديّيه.




ومع هذا كله، سيتعين على الشاهد أن يضع أولاً هيكلة لحكومته، وهو الذي كان قد كشف بنفسه في تصريح للصحافيين، أنها يجب أن تتضمن النجاعة ويجب أن تكون مدروسة. ولم يتحدد بعد ما إذا كان الشاهد سيعتمد فكرة الأقطاب الوزارية أم لا، وهو اقتراح تم تدارسه في أحزاب الائتلاف الحاكم خلال المشاورات، ويقوم على فكرة ضم بعض الوزارات القريبة في أقطاب اجتماعية واقتصادية وتربوية وتنموية. وعلى الرغم من تبنّي الشاهد أثناء المفاوضات لهذه الفكرة، ودفاعه عنها في ذلك الحين، إلا أنه أصبح متردداً في شأنها، بسبب الوقت والجهد التنسيقي الذي سيتطلبه ذلك.
وسيواجه رئيس الحكومة المكلف مشاكل داخل حزب "نداء تونس"، الذي التقى أمس الإثنين وفداً منه. فقد شهدت الأيام الماضية خلافات حادة حول تركيبة الوفد، إذ أصر المدير التنفيذي للحزب وممثله القانوني حافظ قائد السبسي، على لقاء الشاهد على انفراد، وهو ما أثار حفيظة قياديّي الحزب، خصوصاً رئيس كتلته النيابية سفيان طوبال، لأن كل الأحزاب التي التقت الشاهد زارته عبر وفود ممثّلة لكل قطاعاتها، وتشكّلت من ثلاثة إلى خمسة مفاوضين. وعلمت "العربي الجديد" أن الشاهد فكّر لوهلة في لقاء الحزب على مرحلتين، أولاً مع حافظ قائد السبسي، ثم مع وفدٍ ثانٍ يمثّل الكتلة، لكن مفاوضات أمس الأول الأحد وتدخُّل بعض الوساطات، أفضت إلى تشكيل وفد موحّد من حافظ قائد السبسي، وطوبال، والمتحدث الرسمي باسم الحزب عبد العزيز القطي، وممثل عن التنسيقيات المناطقية مصطفى بن سعيد، وممثلة عن الخارج والمرأة لمياء مليح.
وفيما نفى الشاهد والشخصيات التي تفاوضَ معها حتى الآن، أن يكونوا قد بحثوا أسماء الوزراء، إلا أن ساحة التسريبات تضج بالتكهنات، وخصوصاً في ما يتعلق بمشاركة "النهضة"، أو بوزراء "النداء" في حكومة الصيد ومن سيبقى منهم أو يغادر. وقال الشاهد إنه من الممكن الإبقاء على وزراء من حكومة الصيد، ويمكن كذلك عدم الإبقاء عليهم، ليُبقي مجال المناورة بيديه إلى آخر لحظة. ولكن يتأكد في أكثر من تسريب احتمال بقاء وزير الخارجية خميس الجهيناوي في منصبه، وهو أحد مستشاري السبسي السابقين، ويحظى بثقته الكاملة، ويعتمد أسلوب المدرسة الدبلوماسية التونسية الكلاسيكي، الهادئ الذي يرفض التدخّل في شؤون الآخرين، ويبتعد عن التورط في المشاكل الإقليمية قدر الإمكان.
ويبدو أيضاً أن الخيار يسير في اتجاه المحافظة على وزير الداخلية الهادي مجدوب، في حين تشير كل الدلائل إلى احتمال التخلي عن وزير الدفاع فرحات الحرشاني، واستبداله بوزير المالية الحالي سليم شاكر، من "نداء تونس"، مع الإبقاء أيضاً على وزير التربية الحالي ناجي حلول، ربما في وزارة مختلفة، باعتباره أكثر الوزراء شعبية وفق استطلاعات الرأي، والتزامه بخط السبسي داخل "نداء تونس"، تماماً مثل سليم شاكر، على عكس وزير الصحة سعيد العائدي، ووزير النقل محمود بن رمضان.
وأكد الشاهد منذ تكليفه، أن هذه الحكومة ستكون حكومة شباب، وستكون المرأة ممثلة بحجم مهم، ويبدو أنه طالب الأحزاب التي التقاها بتقديم سير ذاتية لقيادات شابة ولعدد من النساء في الوقت نفسه. ويبدو أن حكومته ستشهد دخول عدد من الوزيرات الجديدات، من بين اقتراحات "النهضة" و"النداء" و"الوطني الحر"، مع اتجاه للمحافظة على سلمى اللومي الرقيق، ولكن ليس في وزارة السياحة. وتؤكد مصادر متعددة أن اللومي الرقيق ترغب في الانتقال إلى وزارة التنمية، وتحظى بدعم اتحاد الصناعة والتجارة، خصوصاً أن ملفها يدافع عنها في هذا المجال. فقد تم اختيارها كأحسن مستثمر أجنبي في البرتغال وإسبانيا، وهي تدير مع عائلتها حوالي 17 ألف عامل خارج تونس. وإذا ما تم تعيين اللومي الرقيق في وزارة التنمية، سيكون زعيم حزب "آفاق" ياسين ابراهيم، مجبراً على مغادرتها إلى حقيبة أخرى، بعدما تأكد أنه سيمثل حزبه في هذه الحكومة أيضاً.