نافذة العراق على سورية... الحكم بأمر المليشيات

12 يناير 2020
تعتبر القائم نواة التصعيد الخطير الأعلى في المنطقة(فرانس برس)
+ الخط -

 

رغم مرور أكثر من عامين على تحرير مدينة القائم العراقية الحدودية مع سورية أقصى غربي الأنبار، إلا أن مسؤولين وسكاناً محليين يؤكدون أن عوامل الاستقرار ما زالت بعيدة عنها، بل تتفاقم بنحو يهدد بنزوح عكسي جديد لمن عاد إليها من سكانها، وذلك بعد تحولها إلى مركز تجمّع ضخم لمختلف الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران.

المدينة التي تعتبر نافذة العراق على الجوار السوري، ومنها يدخل نهر الفرات إلى العراق، يؤكد مسؤولون محليون فيها أن استمرار تجمّع المليشيات قد يؤدي بالنهاية إلى أن يكونوا أكثر من عدد سكان المدينة. فالآلاف منهم يتمركزون داخل المدينة الحدودية وعلى أطرافها، خاصة في حصيبة الغربية، ومجمع مناجم الفوسفات، والجمارك القديمة، ومكر الذيب، والرمانة، والكرابلة ومناطق أخرى فيها.

إضافة إلى ذلك، تتخذ المليشيات من منازل مواطنين ومبانٍ حكومية وثكنات مشيدة تابعة للجيش مقارّ لها، وكلها تحت مزاعم خطر "داعش"، رغم عدم تسجيل أي اعتداء إرهابي في المدينة ومحيطها منذ شهر فبراير/ شباط الماضي ولغاية الآن، فضلاً عن وجود قوات الجيش بواقع ثلاثة أفواج ولواء مدرع، وقوات الشرطة المحلية، داخل المدينة كحال المدن الأخرى في الأنبار كبرى محافظات العراق غربي البلاد والحدودية مع السعودية والأردن وسورية.

مليشيات بلا نشاط عسكري

وتتركز مليشيات مختلفة في مدينة القائم بلا نشاط عسكري، كالقتال أو التصدي للهجمات أو حتى رفع مخلفات "داعش"، فالمهمة يتولاها الجيش العراقي عبر قيادة عمليات البادية والجزيرة بدعم من طيران التحالف الدولي، غير أن المليشيات العراقية تنشط في عمليات التنقّل إلى سورية باستمرار، عبر أرتال تذهب صباحاً وتعود مساءً، أو بالعكس، مع نقل بضائع ومواد مختلفة لا تخضع بطبيعة الحال لتفتيش الأجهزة الأمنية العراقية، سواء قوات حرس الحدود أو الجيش العراقي.

وأبرز المليشيات "كتائب حزب الله"، و"لواء الطفوف"، و"علي الأكبر"، و"العصائب"، و"كتائب سيد الشهداء"، و"سرايا الخراساني"، و"كفيل زينب"، و"جند الإمام"، و"النجباء"، و"البدلاء"، ومليشيات أخرى أقل حجماً منها، غير أن "كتائب حزب الله" العراقية تبدو الأكثر انتشاراً ونفوذاً من باقي المليشيات الأخرى، حيث تعمل داخل المدينة ولها تأثير قوي في قائممقامية المدينة والبلدية ودوائر خدمية مختلفة، فضلاً عن قيادة الشرطة والفوج العسكري في الجيش العراقي المسؤول عن أمن المدينة من الداخل.

وفي الشهر الماضي، قتل أحد أفراد مليشيا مسلحة في المدينة طالبة في الثانوية تدعى عفاف حمود الكربولي، عندما أطلق النار على سيارة "مني باص"، تقل طالبات متوجهات صباحاً إلى المدرسة بعد مشادة كلامية بينه وبين سائق السيارة استقرت إحدى الرصاصات في ظهر الطالبة وتوفيت على الفور.

عقب الحادث طالب وجهاء عشائر وشخصيات في المدينة بفرض ما سمّوه سلطة القانون ومنع تداخل الصلاحيات، وهو ما اعتبر أنه أفضل ما يمكنهم قوله في هذه الحادثة. فأي إشارة سلبية تجاه المليشيات تعني مشاكل كبيرة يتعرض لها صاحبها، عادة ما تكون من خلال اتهامه بالإرهاب، ثم اعتقاله، أو حتى تصفيته، فلا مجال اليوم لأي اعتراض على انتشار تلك الفصائل في القائم.

وبحسب مسؤول عراقي محلي بارز في القائم، فإن المليشيات توجد في 29 مكاناً داخل المدينة وفي محيطها عبر ثكنات ومقارّ دائمة، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أنه في حال استمرار هجرة السكان العكسية سيكون عدد أفراد المليشيات والجيش والشرطة في القائم أكثر من عدد السكان.

وتابع المسؤول: "على ما يبدو، وجودهم بأوامر من فوق (في تلميح إلى إيران) لأنهم لا يتولون أي مهام أمنية، ومجرد انتشارهم يوحي أنهم يمسكون بالأرض حتى لا تكون من حصة الأميركيين بالمستقبل، أو يكون لهم نفوذ فيها لكونها بوابة مهمة إلى سورية".

وتعتبر القائم نواة التصعيد الخطير الأعلى في المنطقة منذ سنوات بين واشنطن وطهران. ففي نهاية الشهر الماضي قصفت مقاتلات أميركية مقراً لمليشيا "كتائب حزب الله"، العراقية في المدينة، ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات من عناصر المليشيا، وهو ما فجر أزمة كبيرة، بعد مهاجمة أنصار المليشيات للسفارة الأميركية في بغداد وما تلاه من أحداث أخرى ممثلة بعملية اغتيال زعيم "فيلق القدس" قاسم سليماني والقائد بمليشيات "الحشد" أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد الأسبوع الماضي، انتهاءً بالقصف الإيراني الصاروخي على قاعدتين عسكريتين في العراق تضمان قوات أميركية.

عيش بلا قانون

ويروي طه العاني (34 عاماً)، وهو من سكان القائم وغادرها مع أسرته منذ أسابيع عائداً إلى أربيل، أن العيش في القائم "بلا قانون وتحت رحمة عنصر المليشيا ومزاجه"، مشيراً إلى أن "الخوف الذي كان في عيون الناس في فترة احتلال داعش، يُرى هو نفسه الآن بوجود المليشيات التي تحكم المدينة".

ويضيف العاني أن المدينة "خاضعة لشخص واحد يدعى "حجي قاسم"، بيده كل شيء ولا معنى لأي أمر أو توجيه من قائممقام المدينة أو قائد الشرطة أو أي مسؤول آخر، وهو من يرسل التوجيهات والتعليمات ويحدد ساعات حظر التجوال الليلي وعمليات التفتيش الروتينية للمنازل، وحتى هو من يقرر عودة النازحين الباقين في المخيمات ومنح موافقات نقل أثاث من داخل المدينة أو خارجها، بمعنى أنه حاكم فعلي وبيده إطلاق سراح أو اعتقال أو تشديد التفتيش في نقاط التفتيش والحواجز أو تخفيفها عن الناس".

ولفت إلى أن "حجي قاسم" يحصل على هدايا من تجار ورجال أعمال لتأمين أعمالهم، وحتى شركات هاتف النقال تحاول إرضاءه حتى لا يغلق أبراجها أو يعطل عمل مهندسي الصيانة فيها.

وتحدث رجل آخر من منطقة حصيبة الغربية التابعة للقائم، قائلاً: "إن المحاكم مخصصة لعقود الزواج والطلاق والميراث وغيرها، والمشاكل الأخرى تحل عند مسؤولي القواطع"، في إشارة إلى مسؤولين في تلك المليشيات.

النائب السابق في البرلمان العراقي والقيادي في تحالف الوطنية، حامد المطلك، قال لـ"العربي الجديد"، إن المليشيات "المنفلتة تهدد استقرار القائم ومدن أخرى، مثل القائم، وبسببها يغيب القانون والنظام".

وأضاف المطلك: "لا أجد أي سبب لهذا التكدس في المدينة. المليشيات صارت تنهب وتفرض إتاوات وتتجاوز على القانون والدولة"، متسائلاً عن سبب وجودها بهذا العدد في المدينة مع وجود قوات من الجيش وحرس الحدود والشرطة المحلية"، معتبراً أن المناطق الحدودية "أصبحت مجال خصب ومرتع للسراق واللصوص الذين استغلوا كل ثروات العراق".

من جانبه، قال النائب عن تحالف القوى يحيى المحمدي، إن "وجود الحشد الشعبي في داخل المدن وعلى مداخلها، هو خلاف لأمر سابق من الحكومة بضرورة إخراج الحشد خارج المدن وإبعادها عن مناطق التماس للمواطنين".

وأضاف المحمدي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك شكاوى من التصرفات التي يمارسها بعض عناصر "الحشد"، وما حدث أخيراً في القائم "استهتار من بعض عناصر الحشد العشائري، حيث قتلوا إحدى الطالبات، وهذا العمل ينعكس انعكاساً سلبياً على سمعة الحشد ويجب التزام التوجيهات التي أطلقها القائد العام للقوات المسلحة بضرورة إخراج الحشد من المناطق". وفقاً لقوله.