الغوطة الشرقية لدمشق: المعارضة تستعد للمواجهة الكبرى مع النظام

31 يناير 2017
دمار جراء غارة لطيران النظام على عربين (ضياء الدين/الأناضول)
+ الخط -
بينما تواصلت أمس، الإثنين، عملية تهجير الرافضين لـ"التسوية والمصالحة" مع النظام السوري في وادي بردى في ريف دمشق الشمالي الغربي، والتي يُنقل منها، على دفعات نحو 2100 شخص، من مقاتلين وعائلاتهم مع ناشطين مدنيين إلى محافظة إدلب، فإن مسؤولين بالنظام بدأوا يلوحون، بأن الوجهة المقبلة لـ"المعارك أو التسويات" هي الغوطة الشرقية لدمشق، والتي لطالما اعتبرت أخطر جبهة عسكرية تملكها المعارضة السورية على تخوم العاصمة السورية. وظهرت ملامح استعدادات النظام لشنّ المعركة الحاسمة في هذه المنطقة، من خلال تصريحات وتسخين للجبهة باستخدام غاز الكلور.

وقصفت قوات النظام السوري، مساء أمس الإثنين، مواقع للمعارضة في غوطة دمشق الشرقية، بغازات سامة، فيما دارت مواجهات وُصفت بالعنيفة بين الطرفين، على إثر محاولة القوات التقدم في المنطقة. وذكر "جيش الإسلام"، أكبر فصائل المعارضة في ريف دمشق، عبر حساباته الرسمية، أنّ "قوات النظام استهدفت مقاتليه قرب بلدة الميدعاني، بقذائف محملة بغاز الكلور السام"، إلا أنه لم يذكر أي تفاصيل عن إصابات.

وقالت مصادر محليّة لـ"العربي الجديد" إنّ "القصف تسبب باختناق عدد من مقاتلي المعارضة، وتمّ نقلهم إلى المشافي الميدانية في المنطقة، لتلقي العلاج". ويأتي قصف النظام على مواقع المعارضة في محاولة لزيادة الضغط العسكري على الفصائل المتبقية في المنطقة، على الرغم من سريان "اتفاق أنقرة" لوقف إطلاق النار. وقُتل وجرح العشرات من عناصر النظام، في وقت سابق أمس، أثناء معارك على جبهتي حرزما والميدعاني. كما أعطب مقاتلو المعارضة دبابة بواسطة لغم أرضي زرعوه في وقت سابق، لصد هذا النوع من الهجمات.

وأوضحُ تصريحٍ رسمي في سياق التحضير لحملة شاملة من النظام ومليشياته الأجنبية على الغوطة الشرقية، كان ما ورد أول من أمس على لسان محافظ ريف دمشق، علاء إبراهيم، الذي زار قرية عين الفيجة، بعد أن دخلتها قوات النظام لأول مرة منذ نحو أربع سنوات. وتوعد إبراهيم، من هناك، بأن تكون الغوطة الشرقية، هي الوجهة المقبلة في استراتيجية "تأمين" محيط دمشق، وهو أمرٌ متوقع، على اعتبار أن هدف النظام بضواحي دمشق، يسير نحو الإنجاز. واستطاع النظام، خلال السنة الماضية، أن يُسيطر على داريا ومعضمية الشام والتل ومعظم مناطق الغوطة الغربية، وقدسيا والهامة، وقبل يومين وادي بردى، وكلها مناطق تقع في محيط دمشق. وباتت الغوطة الشرقية، وبعض أحياء دمشق الجنوبية، النقاط الوحيدة خارج سيطرة النظام حالياً، بعد أن كان معظم حزام دمشق، تحت سيطرة المعارضة السورية لسنوات. لكن أحياء دمشق الجنوبية، والتي هي خارج نفوذ النظام، لا تشكل خطراً عليه، لضعف قدرات المعارضة العسكرية هناك من حيث العدد والعتاد، وهي عموماً مناطق شبه محاصرة، نجح النظام بتجميد جبهات القتال فيها على مراحل، عبر عقده اتفاقيات هُدن مختلفة مع سكانها.

أما الغوطة الشرقية، التي تسيطر المعارضة السورية على أهم وأكبر بلداتها، فلطالما كانت على مدار السنوات القليلة الماضية، أخطر المناطق التي تُهدد النظام بمحيط دمشق، وفيها وعلى أطرافها، دارت أشرس المعارك بين قوات النظام والمعارضة. ونجحت المعارضة بإكمال السيطرة على الغوطة، وطرد النظام من معظم نقاطه العسكرية، بحلول العام 2013، والتي شهد آب/أغسطس فيها "مجزرة الكيميائي"، وقتل النظام فيها أكثر من 1200 مدني، بينهم عشرات الأطفال. واستمرت المواجهات العسكرية بين النظام والمعارضة في الغوطة خلال السنتين اللاحقتين. وبلغت ذروة تهديد المعارضة المسلحة النظام في الغوطة الشرقية، خلال الربع الأخير من سنة 2015، في معركة "الله غالب"، التي نجح فيها "جيش الإسلام" (أقوى فصائل الغوطة) بالسيطرة على عشرات الثكنات والنقاط والحواجز العسكرية لقوات النظام، في المرتفعات الجبلية المُطلة على الغوطة من جهة القلمون الغربي، بما فيها قيادة الأركان الاحتياطية لقوات النظام. لكن في نهاية سبتمبر/أيلول الذي شهد هذه المعارك، بدأت الغارات الروسية على مواقع المعارضة في سورية، وأخذ خطر المعارضة في محيط دمشق بالتراجع تدريجياً، قبل أن ينجح النظام في أيار/مايو، ببسط نفوذه على القطاع الجنوبي للغوطة الشرقية. ولم يتوقف قصف النظام الجوي والمدفعي، على بلدات الغوطة الشرقية بعد ذلك، وكذلك المحاولات، شبه اليومية، لقواته البرية التقدم على محاور القتال هناك. لكن جهوده العسكرية، في محيط دمشق، كانت تنصب على جبهات مشتعلة أخرى، أبرزها داريا، التي نجح بإخضاعها لسيطرته بعد تهجير من بقي فيها من مدنيين، وتلتها جارتها معضمية الشام، ثم مناطق في الغوطة الغربية القريبة من داريا، وقدسيا والهامة والتل، والآن وادي بردى.


ويقول مسؤول عسكري في المعارضة السورية المسلحة في الغوطة الشرقية، لـ"العربي الجديد"، إن "النظام لم يوقف محاولات تقدمه يومياً على جبهات الغوطة الشرقية، وهو يسير بمخطط القضم البطيء للقرى الصغيرة والمناطق الهامة عسكرياً منذ أكثر من سنة. نواصل صد هذه الهجمات يومياً، لكن بعد أن أتم النظام سيطرته على وادي بردى، نتوقع أن يُصعد هجماته في الغوطة، ونعد الخطط للتصدي لها". ويلقي القيادي العسكري، الذي طلب عدم ذكر اسمه، باللوم على "الدول الصديقة"، قائلاً "هناك شعور سائد لدى الناس هنا في ريف دمشق، بأن القوى الداعمة لنا سلمت دمشق وريفها للمُحتل الروسي. حتى أن وقف إطلاق النار، الذي بدأ قبل شهر، كان من المفروض أن يشمل ريف دمشق، لكن يبدو أن هذا الأمر حبر على ورق، ففي الواقع، النظام لم يوقف هجماته علينا يوماً واحداً". ويؤكد القيادي العسكري أن "الفصائل المتواجدة في الغوطة الشرقية، ترفض رفضاً قاطعاً عقد تسوية مع النظام، الذي يُمرر كل فترة وأخرى عن طريق وسطاء استعداده للتفاوض... نحن باقون على جبهات القتال، وننتظر ما إذا كان مؤتمر جنيف المزمع سيأتي بجديد".

ويعتبر "جيش الإسلام" أهم فصائل المعارضة السورية المسلحة في الغوطة الشرقية، ثم يتبعه بالأهمية من حيث عدد المقاتلين "فيلق الرحمن"، ويتقاسمان السيطرة على معظم مدن وبلدات الغوطة. كما أن لـ"حركة أحرار الشام" و"جبهة فتح الشام" تواجداً في بعض جبهات القتال في الغوطة، لكن عدد عناصرهما بالعشرات فقط، وهي نسبة صغيرة جداً، من أعداد كامل المقاتلين للنظام في الغوطة، والذين تُقدرهم، معظم الإحصائيات، بأكثر من عشرة آلاف مقاتل. وتسيطر فصائل المعارضة السورية المسلحة حالياً، على أهم بلدات ومدن الغوطة الشرقية، وأبرزها دوما، التي تقع إلى الشمال الشرقي من وسط دمشق بنحو 15 كيلومتراً، تتبعها كل من زملكا، حرستا، عربين، سقبا، حمورية وغيرها، وصولاً إلى حي جوبر الواقع شرقي العاصمة السورية دمشق، ويتبع لها إدارياً.