"حماس" و"الجهاد": تقارب لا وحدة

08 ابريل 2015
التعاون العسكري في أعلى مستوياته (حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
بات التقارب بين حركتي المقاومة الإسلامية "حماس"، و"الجهاد الإسلامي"، ملاحظاً أكثر من ذي قبل، مع خروج مسيرات مشتركة للحركتين في مناطق مختلفة من قطاع غزّة، وسلسلة الندوات، واللقاءات المشتركة التي عُقدت أخيراً بين قيادات سياسية وعسكرية من التنظيمين الإسلاميين.

اقرأ أيضاً ("حماس" عن إسقاط وصفها "بالإرهابية": بانتظار خطوات أخرى)

هذا التقارب ليس جديداً، لكنه بات ملحوظاً بشكل أكثر، من خلال المواقف السياسية المتشابهة جداً التي يصدرها الطرفان رغم وجود تباينات حول ملفات المنطقة، إلى جانب ما يُحكى في الغرف المغلقة عن تنسيق أمني وعسكري ميداني واسع من قبل الذراعين العسكريين للحركتين، لكن ذلك لن يلغي التنافس بينهما عسكرياً على الأقل، طالما ظلت "الجهاد" بعيدة عن العمل السياسي الحكومي والانتخابات والتي تشارك فيها "حماس".

يعزو كثيرون سبب هذا التقارب إلى زيادة الضغوط التي تتعرض لها المقاومة في هذا الوقت، إلى جانب الخوف على مستقبل القضية الفلسطينية.

ولم يغفل الطرفان القواعد الشعبية لهما من التقارب، إذ صار مألوفاً على غير العادة، أن يتجمع أبناء الفصيلين في لقاءات وحوارات وندوات مشتركة، يسمعون فيها عن "الوحدة والتقارب والمشروع الإسلامي المشترك"، إلى جانب قراءة المتغيرات في المنطقة. وفي المفاوضات مع الاحتلال، تبدو وجهة نظر الطرفين متطابقة تماماً، إذ يرفضانها شكلاً ومضموناً. وأدّت "الجهاد" دوراً في تخفيف الاحتقان والتوتر في بعض الأوقات بين شقيقتها الإسلامية، وحركة "فتح"، لكنّ البعض يلفت إلى أنّ التقارب الأخير، ربما يُنهي هذا الدور.

يقول القيادي في حركة "حماس" إسماعيل رضوان لـ"العربي الجديد"، إنّ علاقة حركته بحركة "الجهاد الإسلامي" استراتيجية ومهمة، وهي قائمة على تحقيق التنسيق والتكامل بين الطرفين، من أجل دعم خيار المقاومة ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

ويلفت رضوان إلى أنّ العلاقة بين الحركتين وصلت مراحل متقدمة ومتطورة، بفعل التنسيق المشترك الذي وصل إلى الصفوف الأولى في قادة الحركتين في الكثير من القضايا الفلسطينية الداخلية، مشيراً إلى التقارب في المنهج والفكر والخيار بين الحركتين.

ويؤمل من هذا التقارب، وفق رضوان، أن يصل بكافة الجهود بين "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لتوحيد الأهداف والخيارات في مختلف المستويات خدمةً للقضية الفلسطينية ودعماً لخيار المقاومة في تحرير فلسطين، لافتاً إلى أنّه لا خلاف بين الحركتين في كل القضايا الاستراتيجية المشتركة.

وفي السياق، يؤكد القيادي في حركة "الجهاد"، أحمد المدلل لـ"العربي الجديد"، أنّ التنسيق مع "حماس" في أرقى صوره، خصوصاً أنّ هناك وحدة "الخنادق ووحدة الدم ووحدة المقاومة ووحدة المواقف". لكنه أشار إلى أنّ ذلك لا يلغي كينونة كل تنظيم.

ويشير المدلّل، إلى أنّ درجة التنسيق بين الطرفين كبيرة، فهناك لجان مشتركة ميدانية بينهما، وهناك تنسيق في كثير من المجالات، في مقدّمتها العمل العسكري، مشدّداً على حرص حركته على المصالحة الفلسطينية، والوحدة التي تدعم خيار الجهاد والمقاومة في وجه الممارسات الإجرامية الصهيونية. ويقول المدلل، إنّ التقارب يقوي شوكة المقاومة، ويعمل على تثبيت أركانها، في مواجهة الممارسات الإسرائيلية العدوانية، وتلك الممارسات التي يقوم بها الآخرون من أجل إضعاف المقاومة وابتزازها، مبيناً أنّ حصار المقاومة ومحاولة ابتزازها إلى جانب الهجمة الشرسة على الفلسطينيين، مسبّبات للتقارب.

ويلفت القيادي في "الجهاد"، إلى أنّ هذا التقارب لن يغير من موقف حركته الثابت من الانقسام وضرورة إنهائه، ولن يغير شيئاً في التواصل والتنسيق مع الكل الوطني الفلسطيني، وذلك ردّاً على مخاوف البعض من أن يكون هذا التقارب على حساب علاقة "الجهاد" بالآخرين وطنياً.
ويشير إلى هذه المخاوف، المدون والكاتب الصحافي المقرب من حركة "فتح"، هشام ساق الله، الذي يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ موقف "الجهاد" اختلف بشكل كبير خلال الأيام الماضية، وبان بشكل واضح انحياز الحركة إلى جانب "حماس".

ويلفت ساق الله إلى أنّ أكثر من متحدث باسم "الجهاد" خرجوا لإعلان واتهام السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" بتعطيل المصالحة الوطنية، ويعزو هذا التغيير إلى اعتبارات "سياسية أو إقليمية". وهو يشير إلى تصريحات المتحدث باسم "الجهاد" داود شهاب، في مسيرة مشتركة مع "حماس"، رفضاً لتصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي فُهم منها استدعاؤه للتدخل العربي العسكري لإعادة سيطرته على القطاع، الذي لا يزال بيد "حماس".

في السياق نفسه، يقول مدير مركز أبحاث المستقبل، إبراهيم المدهون لـ"العربي الجديد"، إنّ تقارب "حماس" و"الجهاد" طبيعي كونهما حركتي مقاومة وذاتي مرجعيات إسلامية، كما أنّ مواقفهما السياسية حتى اللحظة متقاربة مع بعض الاختلافات التفصيلية. ويشير المدهون، إلى أنّ العلاقة شهدت مراحل تطوير زادت بعد تعاظم التنسيق العسكري والأمني والذي يصل لحد كبير بينهما. غير أنه يرى أنّ هذا التقارب يبدو بعيداً عن القواعد الشعبية والتنظيمية للطرفين، ويتضح منه أنّ التقارب بين الأطر القيادية العليا في الطرفين.

وبحسب المدهون، فإنّ التقارب زاد وبدا أوضح من ذي قبل لعدة أسباب، منها سيطرة "حماس" على غزة، وفتح المجال الواسع لعمل حركة "الجهاد" دون تضييق بعكس ما يحدث في الضفة الغربية. كما أنّ العلاقات الشخصية لدى القيادات تلعب دوراً أيضاً في التقارب وإيجاد لغة مشتركة ومتقاربة.

ولا يغفل المدهون، من أسباب التقارب، استشعار الحركتين بالخطر نفسه، وهو خطر الاقتلاع من قبل إقليم يعادي أي توجه مقاوم خصوصاً إذا ما كان ذا صبغة إسلامية، بالاضافة إلى ازدياد العمل العسكري المشترك، والذي برز في عدوان "العصف المأكول".

ويلفت الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، إلى وجود إرادة حقيقية لدى ذراعَي "حماس" و"الجهاد" العسكريين، "كتائب القسام" و"سرايا القدس"، من أجل تعزيز وتقوية وتكامل العلاقة والتنسيق في المراحل المقبلة، التي يجري فيها التهديد بشنّ حرب جديدة على القطاع.

ويوضح أنّ التحالف السياسي الآن بينهما شبه موجود، غير أنّ تعقيد الواقع والتشابك الإقليمي، وحالة الانقسام، والخصوصية الفلسطينية، ستحول دون بلورته ككيان سياسي متكامل، خصوصاً أنّ هناك أطرافا لها حضور في الساحة الفلسطينية. إضافة إلى أنّ حركة "حماس" لها رؤية سياسية تختلف عن الجهاد الذي يفضل عدم التصادم مع "فتح" من جهة وعدم الدخول بالسلطة من جهة أخرى.

أما "حماس"، وفق المدهون، فترى أنّ السلطة مرحلة مهمة من قيادة المشروع الوطني نحو التحرير، كما أنّ الطرفين لا يريدان عزل أنفسهم عن العمل الوطني، لهذا إذا ما كان هناك تيارات يسارية وعلمانية مستعدة لبناء جبهة وطنية مشتركة، فإنهما لن يمانعا المشاركة فيها.
ويبين أنه قد يكون للفصيلين الإسلاميين، طموح مشترك للعب دور مؤثر في النظام الفلسطيني. ولهذا هناك سعي مشترك من قبلهم لدخول منظمة التحرير الفلسطينية، والتأثير بها وبقراراتها، وإن حدث هذا، فإنّه يبرز بالتأكيد عمل أكثر انسجاماً بينهما.

ويستبعد المدهون، أن يتحول التقارب والتنسيق لدمج الحركتين في كيان واحد، لأنّ بقاء كل منهما في كيان منفصل يؤدي الغرض المطلوب من التقارب. كما أنّ التراكمية التاريخية تحول دون ذلك. ويرى أنّ أي محاولة لذلك ستجد ألف عامل إفشال أقلّه التسمية والكوادر والنظام الداخلي والإرث الثقافي، كما أنّ الدمج لن يحقق المراد وتوابعه السلبية كبيرة من عدم الانسجام وعدم الرضا والطمع بتقاسم المناصب.

ويجزم المدهون، أنّ ما سبق، عوامل تدفع لاستمرار التنسيق والتكامل والعمل المشترك والحفاظ على هويتي الحركتين، دون الدخول في سيناريوهات عقيمة. وقبل عامين، أعلن قياديون في "حماس" و"الجهاد" خوض مشاورات للوحدة في القطاع، وكان يتوقع منها الكثير، لكنّ هذا المشروع تعطل لأسباب مختلفة، كثير منها داخلي، وبعضها متعلق بالإقليم والآخر في الداخل.
المساهمون