تونس تنشغل بأزمة أموال مرشحي الرئاسة

22 اغسطس 2015
صافي سعيد، أحد المرشحين الذين وردت أسماؤهم في التقرير(الأناضول)
+ الخط -

فجّر تقرير "دائرة المحاسبات" في تونس قنبلة من العيار الثقيل، بعدما أصدرت المصالح المختصة في وزارة المالية في تونس بطاقات إلزام بإعادة أموال المجموعة الوطنية ضد 6 مرشحين للانتخابات الرئاسية لعام 2014 في دورتها الأولى. كما تمّ الشروع في إجراءات التتبّع ضد المخلّين الذين لم يتولّوا إعادة كافة المبالغ المستحقة أو جزء منها. هذا إلى جانب إحالة ملف أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية على القضاء للاشتباه في حصوله على تمويلات أجنبية بقيمة 6.4 ملايين دينار، ما يعادل 3.3 ملايين دولار، خلال فترة الانتخابات. وقد نشرت "دائرة المحاسبات" تقريرها الذي كانت هذه النقاط أبرز ما تضمّنه، على موقعها الرسمي حول نتائج مراقبة الانتخابات الرئاسية لعام 2014.

أثار هذا التقرير ضجة كبيرة في تونس نظراً لما تضمّنه من معطيات، ولورود أسماء عدد من المرشحين، مثل محمد نجيب الشابي ومصطفى بن جعفر وأحمد الصافي سعيد والمختار الماجري وعبد القادر اللباوي وسالم الشايبي، ضمن قائمة المُطالَبين بتسديد ما يتوجّب عليهم من مبالغ مستحقة. وبحسب التقرير، لم يُعِد أحمد نجيب الشابي والمختار الماجري وعبد القادر اللباوي المنح التي حصلوا عليها، والتي تبلغ قيمتها 39628 ديناراً، ما يعادل 20112 دولاراً، لكل مرشح منهم. كما لم يُعد محمد الصافي سعيد ومصطفى بن جعفر وسالم الشايبي جزءاً من المبالغ المطلوبة.

ويجعل هذا الوضع المرشحين الستة معرضين للمحاسبة والعقوبة المنصوص عليها في الفصل 99 من القانون الانتخابي والمتمثلة في دفع جزية مادية تراوح بين ألف دينار وخمسة آلاف دينار، ما يعادل ما بين 515 و2578.47 دولاراً، بحسب التقرير ذاته.

ولم تستعد تونس لغاية يوليو/ تموز الماضي، سوى مبلغ بقيمة 185185 ديناراً، ما يعادل 95403.27 دولارات، من القسط الأول من المنح العمومية التي صُرفت للمرشحين الذين لم يحصلوا على 3 في المائة من الأصوات المصرّح بها على المستوى الوطني. وقام 16 مرشحاً، لغاية يوليو الماضي بإعادة 567751 ديناراً، ما يعادل 292398.14 دولاراً، من الحجم الإجمالي للمبالغ المتوجب إعادتها، والتي تقدّر بقيمة 752936 ديناراً، ما يعادل 387801.41 دولار.

ويؤكدّ الرئيس الأول لـ"دائرة المحاسبات"، عبد اللطيف الخراط، أنّه "لغاية شهر يوليو الماضي، فإنّ 3 مرشحين للرئاسة في دورتها الأولى، لم يعيدوا أية مبالغ، وأنّ 3 آخرين أعادوا جزءاً من المنحة". ويبيّن الخراط في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "دائرة المحاسبات قدّمت تقريرها بحسب معطيات ثابتة وبعد التحري والتثبّت من البيانات. وبالتالي يتعيّن على الخاسرين في الانتخابات إعادة الأموال التي سبق أن حصلوا عليها"، مستغرباً الانتقادات التي وجّهها بعض المرشحين، ممّن وردت أسماؤهم في التقرير، في حين أنّهم خالفوا القانون ولم يعيدوا الأموال بعد 10 أيام من النتائج النهائية للانتخابات، مشيراً إلى أنّه مضت أشهر عدة على انتهاء الانتخابات.

اقرأ أيضاً: السبسي يعلن "الطوارئ" في تونس لشهر ويحذر من الانهيار

ويشير الخراط إلى أنّ "هذا لا يمنع أن يكون بعض المعنيين قد شرعوا في تسوية أوضاعهم وتسديد المبلغ أو جزء منه، بعد شهر يوليو الماضي، أي بعد صدور التقرير. ويوضح أن الأسماء التي تم كشفها، تؤكّد لدائرة المحاسبات أنها ارتكبت مخالفات وأن المعطيات بشأنهم ثابتة ودقيقة، مضيفاً أنّ الأسماء التي تمّ حجبها هي محلّ تدقيق وبحث قضائيّ لوجود شبهة تتعلق بموضوع المخالفات الانتخابية على مختلف أنواعها.

ويلفت الخرّاط إلى أنّه "عندما نصل إلى معطيات خطيرة، لا يمكن تجاهلها ويجب التصريح بها أمام الرأي العام. كما أنّ كشف الحقائق سيمكّن تونس من اتخاذ التدابير اللازمة مستقبلاً، وعرض الأسماء يأتي في إطار الشفافية ومعالجة مسائل عدّة". ويوضح أن "إحالة ملف أحد المرشحين على القضاء سببه وجود شبهة بتحويل أموال إلى حسابه الخاص من الخارج، ولكن لم تُعرف بعد الأسباب الحقيقية للتحويل، وإن كانت نتيجة عمل أو دراسات قام بها"، مؤكّداً أنّه "طالما أن التحقيق لم ينتهِ، فلا يمكن كشف هوية هذا المرشح".

في المقابل، يقول المرشح السابق للرئاسة، سالم الشايبي، وهو أحد المُطالَبين بتسديد المبالغ المستحقة عليه، لـ"العربي الجديد"، إن "إنذاراً وصلني ينص على ضرورة دفع المبلغ يوم 13 يوليو الماضي، ووصلهم الرد مني بتاريخ 27 من الشهر ذاته"، مؤكّداً أنه أعاد كل المبالغ المستحقة ومنها مبلغ 28 ديناراً، ما يعادل 14.44 دولاراً، يوم 5 أغسطس/ آب الحالي، كما أنّه سدد أقساط المنحة المعطاة له.

ويصف الشايبي هذا التقرير بـ"المتسرّع"، لأنّه لم يأخذ بعين الاعتبار إيصالات المبالغ التي دفعها، والتي تقدم بها شخصياً، كما أن هذا التقرير لم يحترم الآجال القانونية للإنذارات التي وصلت إلى المرشحين لتسديد الأموال، معتبراً أنّ هناك ثغرات عدّة كان الأجدر أن لا تقع فيها دائرة المحاسبات، وهي التي جعلت من هذا التقرير مجرّد تقرير أولي وليس نهائياً.

كما يستغرب المرشح السابق للرئاسة، صافي سعيد، أحد المذكورين في التقرير، الضجة الكبيرة التي رافقت صدور هذا التقرير، مبيّناً أنّ الحديث عن أموال المجموعة الوطنية لمرشح سابق للرئاسة، هي مسائل مغلوطة لأن الملف خاص، معتبراً أنّ المبالغ التي يتم إعادتها زهيدة، ولا تقارن بما ينهبه رجال الأعمال الفاسدين. ويضيف أنّ الدولة هي التي أعطتهم هذه الأموال كمنحة، وأنه يجب استرجاعها ضمن أطر معينة يكفلها القانون.

ويبيّن سعيد أنّه قام برفقة عدد من المرشحين، وقبل شهر رمضان، بتسوية ملفه، وأنه اتفق مع الجهات المعنية على دفع مبلغ، ليتم تقسيط بقية المبلغ على دفعات، مؤكّداً أنّه تم التوقيع على هذا الاتفاق، وأنّ المسألة منتهية والتشويه الذي تعرّض له لم يكن مبرّراً. ويرى أنّ هناك جهات استغلت تقرير دائرة المحاسبات لتحوّله إلى قضية رأي عام، كي يكون الحدث الأبرز على شبكات التواصل الاجتماعي.

في السياق، جاء في بيان "الجبهة الشعبية" أنّه "تعليقاً على ما أعلنته دائرة المحاسبات من إحالة ملف أحد المرشّحين للانتخابات الرئاسية على العدالة، لتلقّيه تمويلات أجنبية بلغت 4.6 ملايين دينار خلال الفترة الانتخابية عام 2014، فقد نشر أحدهم أن المرشح المعني هو حمّة الهمّامي، وبالتالي وجب تكذيب الخبر. كما أنه سيتم تقديم شكوى ضدّ من يروج لهذه الشائعات". وقصد بيان "الجبهة" رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، رضوان المصمودي، لكن هذا الأخير سارع إلى تقديم اعتذاره إلى المتحدث باسم "الجبهة"، حمة الهمامي. وطالبت "الجبهة الشعبية" دائرة المحاسبات بكشف الحقيقة أمام الرأي العام حتى لا يواصل البعض حملات التشويه.

من جهته، أصدر حزب "التكتل من أجل العمل والحريات" بياناً توضيحياً حول منحة التمويل العمومي لحملة الانتخابات الرئاسية لعام 2014، الخاصة بمرشحه، رئيس الحزب، مصطفى ‫‏بن جعفر، داعياً إلى تجاوز الاقتضاب والتعميم التي سقط فيها تقرير دائرة المحاسبات، واصفاً إياه بـ"السطحي والهزيل". وشدّد البيان على أن مرشحه شرع في الآجال القانونية بتسديد الأموال لمصالح وزارة المالية وذلك بالتقسيط، وفق روزنامة محدّدة وبموجب إيصالات يحصل عليها عند دفع كل قسط.

اقرأ أيضاً: "الجبهة الشعبية" تخوض معركة "تزعّم" المعارضة بـ"لاءاتها"