كورونا مصر: فشل التدابير الاحترازية وفوضى بالقطاعات الحكومية والإنتاجية

05 يونيو 2020
يُطبق حظر تجول من الثامنة مساء حتى الخامسة فجراً(Getty)
+ الخط -


تسود الفوضى أروقة القطاعات الرسمية والحكومية المختلفة في مصر بسبب تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في كل القطاعات التي استأنفت أعمالها جزئياً أو كلياً خلال الأسبوع الحالي بعد عطلة عيد الفطر، وبعد اتخاذ تدابير مختلفة لتخفيض العمالة في بعض تلك القطاعات لنحو شهر ونصف، سواء بتقليص كمّ العمل وعدد الساعات، أو عدم إلزام الموظفين بالحضور، أو اعتماد نظام المناوبات على مستوى اليوم والأسبوع لتسيير الأعمال من دون توقف مع مراعاة التباعد الجسدي وعدم ازدحام الأماكن الحكومية.

لكن صدور التعليمات الجديدة من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء للمحافظين باستئناف الأعمال بشكل كامل، وفي الوقت نفسه إلزامهم باتخاذ التدابير الاحترازية، أدى إلى ارتباك واسع في مختلف القطاعات، خصوصاً الأعمال التابعة لوزارات الداخلية والشهر العقاري والمحاكم والتموين والتضامن ومديريات التعليم في المحافظات، فضلاً عن القطاع السياحي بالكامل، فبعد أيام معدودة من تطبيق التدابير الجديدة، السبت الماضي، تبيّن عدم إمكانية الجمع بين الأمرين: العمل بكامل الطاقة، وفرض التدابير الاحترازية، الأمر الذي يجهض عملياً خطة التعايش التي لم تعلنها الحكومة رسمياً بعد.

وكشفت مصادر حكومية في مجلس الوزراء أن الوزراء المعنيين بمتابعة العمل اليومي في المصالح المتصلة بالمواطنين تواصلوا مع المخابرات العامة والرقابة الإدارية، باعتبارهما الجهازين الأقرب لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، لعرض المشكلة، مطالبين بإعادة النظر في عدد من الأمور والإشكاليات التي أدت إلى هذا الارتباك، بل وحمّلها بعض الوزراء مسؤولية زيادة عدد الإصابات وحالات الاشتباه في القطاعات التي يديرونها.

الأمر الأول هو حجم العمل، إذ يعتقد معظم الوزراء ومساعديهم أنه ليس من الواقعي فرض العمل بكفاءة 100 في المائة سواء على المدى القريب أو المدى الطويل خلال العام الحالي، نظراً للخسائر البشرية الكبيرة التي تم تسجيلها في الأيام الماضية، وبشكل عام منذ بداية الأزمة في القطاعات، لا سيما أن تسجيل أي إصابة في أي مكتب أو منشأة يترتب عليه تعطيل العمل لمدة لا تقل عن 10 أيام.

والأمر الثاني هو مراجعة التدابير الاحترازية الخاصة بالموظفين، فمعظم القطاعات ليست لديها الإمكانيات التي تسمح باتّباع التدابير الموصى بها وعلى رأسها التباعد الجسدي، ما أدى إلى انتشار موجة من التذمر بين الموظفين في معظم تلك القطاعات، وعلى رأسهم العاملون المدنيون في وزارة الداخلية بقطاع المرور، وموظفو الشهر العقاري والمحاكم وهم يمثلون العدد الأكبر من العمالة الحكومية الناشطة حالياً بكامل طاقتها، وكذلك العاملون في وزارة العدل والخبراء القضائيون، وصولاً إلى القضاة أنفسهم، وبدرجة أقل تأتي شكاوى العاملين بمديريات التموين والتعليم والمرافق من كهرباء ومياه وغاز.

وبحسب المصادر، فإن فشل التدابير الاحترازية يعود إلى أسباب مختلفة، أهمها عدم تأهيل الأماكن الحكومية من الأساس للتباعد الجسدي والنظافة العامة الضرورية في الوقت الحالي لضيق مساحتها وسوء تصميمها وافتقارها للتهوية واعتماد عدد كبير من القطاعات الخدمية تحديداً على شقق مؤجرة داخل عقارات قديمة في المحافظات. فمعدل إشغال مكاتب الشهر العقاري على سبيل المثال يراوح بين ثلاثة وخمسة موظفين في المكتب الصغير الواحد، ولا تزيد مساحة مكاتب سكرتارية المحاكم وخبراء وزارة العدل عن مترين مربعين يجب أن يتعاملوا بداخلها مع أصحاب المصلحة من محامين ومدعين، والحال نفسها في مكاتب التموين والتأمينات الاجتماعية، وأفضل نسبياً في مكاتب المرور. كما أنه ليست هناك وفرة تذكر في عدد الموظفين في أي من تلك المصالح نظراً لوقف التعيينات الحكومية تماماً في عهد السيسي في إطار خطته القديمة لتخفيض عبء الأجور الحكومية، والتي تدفع الدولة ثمنها الآن مضاعفاً، مرة بسبب نقص الأطباء ومرة بسبب نقص العمالة المدنية وصعوبة إجراء إدارة المناوبات إلا في عدد قليل من المصالح الحكومية، والتي لا ترتبط مباشرة بالمواطنين.

وأوضحت المصادر أن الارتباك السائد حالياً في القطاعات المتصلة بمصالح العامة، ليس موجوداً في المصالح غير المؤثرة والتي تم تعيين آلاف الموظفين فيها كعمالة زائدة غير مرغوبة من الأساس على سبيل المجاملات والمصالح الشخصية، مثل هيئات وشركات البترول الحكومية والمتبع فيها حالياً حضور الموظف 3 مرات فقط في الأسبوع، والبنوك الحكومية أو التي تساهم فيها الحكومة، وهيئة الاستثمار، وبعض الأجهزة ذات الطبيعة الخاصة والهيئات التابعة لمجلس الوزراء.

ومن أسباب فشل التدابير أيضاً، عدم وفاء الحكومة بتعهداتها بتوفير واقيات شخصية للعاملين المدنيين المتعاملين بشكل مباشر مع الجمهور، من كمامات جيدة وقفازات ومطهرات، إذ كشفت المصادر أنه تم توزيع دفعة كبيرة من الكمامات المصنعة لدى وزارة الإنتاج الحربي في منتصف مايو/ أيار الماضي على كل القطاعات المتعاملة مع المواطنين، ولاحقاً تم اكتشاف عيوب استخدام كبيرة فيها، تجعلها غير صالحة للاستخدام، وتم رفع شكاوى بهذا الشأن من بعض المصالح بالفعل، واضطر الموظفون إلى شراء الواقيات بأنفسهم أو على حساب بعض مديريهم الحريصين على العمل، نظراً لعدم وجود تمويل خاص لشراء تلك المستلزمات في موازنة أي قطاع، عدا ما يتم تخصيصه لدواوين الوزارات.


أما الأمر الآخر الذي ينشر التذمر بين الموظفين، خصوصاً في قطاع المحاكم والشهر العقاري، فهو تجاهل مطالبهم بتخصيص مستشفيات أو أماكن لرعاية حالات الإصابة بينهم أسوة بما تم مع القضاة وضباط الشرطة والجيش، فعلى الرغم من أن مسألة تخصيص أماكن لكل فئة من العاملين بالدولة أمر مستحيل عملياً، فقد رصدت "العربي الجديد" شكاوى عديدة من عدم الاهتمام بحالات الاشتباه والإصابة بالعديد من القطاعات المتعاملة مع الجمهور، والاكتفاء بغلق الأماكن التي تم اكتشاف الحالات فيها بضعة أيام وتعقيمها بواسطة سلاح الحرب الكيميائية بالجيش، من دون إجراء تحاليل للمخالطين أو متابعة للحالات.

من جهته، يرى القضاة أنهم يتعرضون لعملية تجاهل وإساءة ممنهجة بسبب تجاهل طلباتهم بتخصيص عدد أكبر من المستشفيات لهم ولأسرهم، أسوة بالشرطة والجيش، بعد زيادة حالات الإصابة بينهم بمجرد عودة العمل بالمحاكم جزئياً مطلع الأسبوع الحالي، إذ كانت وزارة العدل قد خصصت حصة من الأسرّة لهم في بعض المستشفيات الخاصة، غير أن ارتفاع العدد أدى إلى العزل المنزلي لأكثر من نصف الحالات المسجلة، فضلاً عن العديد من حالات الاشتباه غير المسجلة.

وسبق أن اعتبرت مصادر قضائية مختلفة في محكمة جنايات القاهرة ومجلس الدولة في تصريحات سابقة أن اتخاذ قرارات استئناف العمل سهلة على الورق، ولكن يستحيل تنفيذها في الحقيقة بتدابير صارمة، فالتزام القضاة بالتدابير لا يشترط بالضرورة التزام الموظفين والمحامين والمواطنين الذين من واجبهم أو من حقهم حضور الجلسات وضمان علنيتها.

كما قللت مصادر في وزارة العدل من أهمية وفاعلية التدابير التي قالت الحكومة إنها ستتّبعها لتقليل حجم العمل والتدفق على منشآت الخدمات، فباعتبار الوزارة مشرفة على أكبر عدد من المنشآت التي يتردد إليها المواطنون يومياً، وهي مقار الشهر العقاري والتوثيق والمحاكم والنيابات ومكاتب الخبرة القضائية، أكدت المصادر استحالة اتّباع سياسة الإبلاغ المسبق إلكترونياً بالحضور، ولا مراعاة التباعد الاجتماعي، قائلة: "العديد من المكاتب والمحاكم في المحافظات ليست مؤهلة أصلاً للتعامل بصورة عادية، فما بالنا بالتعامل الوقائي لتلافي العدوى، قد تكون أماكن انعقاد الجلسات مؤهلة بالفعل، ولكن المشكلة في مكاتب الإداريين في المحاكم التي هي أساس تعامل المحامين والمواطنين بشكل يومي، أما الشهر العقاري فأقصى ما يمكن تحقيقه هو تحديد عدد أقصى للحضور يومياً وبأسيقية التواجد وليس بالإبلاغ المسبق".

أما الأمر الثالث الذي طالب الوزراء بمراجعته، فيتعلق ببنود خطة التعايش التي أعدتها وزارة الصحة، إذ اعتبرها بعضهم مثالية بصورة مغايرة تماماً للواقع العملي على مستوى حجم العمالة وأماكن العمل، الأمر الذي ساهم أيضاً في تعطيل ظهورها إلى جانب الملاحظات التي رفعتها الغرف التجارية وأصحاب الأعمال، والتي نشرتها "العربي الجديد"، أخيراً، والذين طالبوا بتخفيف الإجراءات الإلزامية وبجعلها غير مرتبطة بعقوبات على المنشآت الحكومية أو الخاصة أو رجال الأعمال، بحجة حاجة الدولة للاستثمارات والعمل وعدم تعطيله أو طرد المستثمرين الأجانب، فضلاً عن مطالبات أخرى بدعم مالي من الحكومة والوزارات المعنية للمنشآت، في صورة إعفاءات ضريبية أو تخفيضات لبعض الرسوم لتوفير التمويل الكافي لاستحداث بنود التعايش.

أما الأمر الرابع الذي عرضه الوزراء المعنيون على المخابرات والرقابة الإدارية، فيتمثل في مخالفات القطاع الخاص والثغرات الواضحة في تطبيق التدابير وعدم الالتزام بالمحاذير الصحية. فوفقاً للمصادر، تم تسجيل عدد من حالات الإضراب عن العمل والتعطيل العمدي للإنتاج في مصانع مختلفة بالقاهرة وأكتوبر والعاشر من رمضان ومصانع صغيرة بالإسكندرية وبني سويف الجديدة، نظراً لظهور حالات إصابة وعدم السماح للمخالطين بالتغيب وتمكينهم من التحليل والاطمئنان بشأن صحتهم، وفي المقابل لا توجد أدوات رقابية تمكّن الحكومة من السيطرة على ما يحدث داخل هذا القطاع أو معاقبة غير الملتزمين، خصوصاً من المستثمرين ذوي الحظوة لدى أجهزة الدولة والمقربين من النظام.

ويطبّق حظر التجول حالياً من الثامنة مساء وحتى الخامسة صباحاً، بعدما كان حتى السادسة صباحاً، وأعيد فتح المحال التجارية والمولات من السادسة صباحاً حتى الخامسة مساء، مع إلزام جميع المواطنين في الشوارع والمنشآت بارتداء الكمامات. وتقترب حالات الإصابة بكورونا في مصر من 30 ألفاً بعد عدة أيام من الانخفاض النسبي عن 1300 حالة يومياً.

دلالات