أزمة رؤساء الهيئات القضائية المصرية: مرحلة الاستقالات الاحتجاجية والطعون

01 يوليو 2017
لم يعين السيسي رئيساً لمجلس الدولة (محمد الراعي/الأناضول)
+ الخط -

يؤدي الرؤساء الجدد لثلاث هيئات قضائية مصرية اليمين القانونية أمام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، صباح اليوم، إيذاناً ببدء عهد جديد يختار فيه رأس السلطة التنفيذية رؤساء الهيئات القضائية، على عكس المعتاد منذ إنشاء السلطة القضائية في مصر، وفقاً للقانون الجديد الذي أقره البرلمان وأصدره السيسي في أبريل/نيسان الماضي، ليمنحه سلطة الاختيار من بين 3 مرشحين يسميهم المجلس الأعلى لكل هيئة من بين أقدم 7 أعضاء.

وسيكرم السيسي خلال مراسم اليمين القانونية رؤساء الهيئات الذين أحيلوا إلى التقاعد لبلوغهم سن السبعين، في كل من محكمة النقض والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة. كما سيعقد اجتماعاً مع الرؤساء الجدد ووزير العدل للاتفاق على أسلوب إدارة الهيئات خلال فترة رئاستهم لها. واشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالقضاة منذ صدور قرارات السيسي، مساء أول من أمس، ببوادر الفتنة بين أنصار القضاة، الذين استبعدوا من رئاسة الهيئات وتجاوز السيسي أقدميتهم من جهة، وبين معارضيهم وأنصار القضاة الذين وقع عليهم الاختيار وأنصار السيسي من جهة أخرى، خصوصاً في محكمة النقض وهيئة قضايا الدولة، اللتين تجاوز فيهما السيسي الأقدمية بصورة فجة، أغضبت عشرات القضاة.

ففي محكمة النقض، قال قضاة مقربون للمستشار أنس عمارة، الذي تم استبعاده لصالح الأحدث منه المستشار مجدي أبو العلا، إنه عازم على إقامة دعويين قضائيتين ضد قرار تجاوزه، إحداهما في دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة النقض، والثانية في المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، على أن يطالب في كليهما بإحالة القانون المنظم لهذه التعيينات إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في شبهة عدم الدستورية التي تعتريه. وأضاف بعض المقربين من عمارة، لـ"العربي الجديد"، أنه استبعد بناء على تقارير أمنية كاذبة، ادعت أنه من جماعة الإخوان المسلمين، وأنه ينتمي إلى المجموعة اللصيقة بالرئيس الأسبق لمحكمة النقض والجمعية التأسيسية لدستور 2012، المستشار حسام الغرياني، فقط لأنه كان عضواً في تيار استقلال القضاء منذ ثمانينيات القرن الماضي، رغم أن انتماءه الوحيد للجماعة القضائية وسيادة القانون. وأوضحوا أن "عمارة كان يتوقع ما حدث منذ بدء مناقشة القانون، بعدما بلغته معلومات، نقلاً عن لسان وزير العدل، حسام عبد الرحيم، بأن هذا القانون سيصنع خصيصاً من أجله، وأن السلطة الحالية لن ترضى بأن يترأس قاضٍ إخواني محكمة النقض"، مشيرين إلى أن عمارة التزم الصمت الإعلامي طوال هذه الفترة احتراماً لمنصة القضاء. وعن احتمالات استقالة عمارة احتجاجاً على تجاوزه، ذكرت المصادر أن "عمارة والمقربين منه يدرسون حالياً مدى تعارض مسألة الاستقالة والطعن على قرار التجاوز، خشية أن تحكم المحكمة في دعواه بعدم القبول لزوال المصلحة إذا استقال فعلياً من القضاء"، لافتة إلى أن عدداً من زملاء عمارة يدفعونه للاستقالة الاحتجاجية وتسجيل موقفه بإعلانها رسمياً في الإعلام، وعدم إقامة طعون نظراً لطول إجراءات التقاضي المحتملة.


وفي سياق قريب، كشف مصدر في وزارة العدل، لـ"العربي الجديد"، كواليس الساعات الأخيرة قبل اختيار مجدي أبو العلا رئيساً لمحكمة النقض، وتفضيله على الوزير السابق، إبراهيم الهنيدي، إذ ارتأت الدائرة الخاصة بالسيسي أن اختيار أبو العلا سيحيد شريحة كبيرة من القضاة غير المنتمين لتيار استقلال القضاء، وغير المتمسكين بتعيين أنس عمارة، وسيقصر الغضب على أتباع عمارة والمقربين منه فقط. وأضاف المصدر أن كلاًّ من أبو العلا والهنيدي يتمتعان بعلاقة جيدة مع السلطة الحاكمة، ووزير العدل والمستشار، أحمد السيسي، شقيق رئيس الجمهورية، كما أن الاثنين سيتقاعدان في 30 يونيو/حزيران 2019، أي أن أبو العلا سيترأس المحكمة عامين متتاليين، لكن نقطة التميز الوحيدة لأبو العلا كانت أقدميته النسبية، وعدم رغبة السيسي في زيادة خصومه في محكمة النقض. وأكد المصدر أن وزير العدل هو من أقنع السيسي بهذه الرؤية، نظراً لعلاقته القوية بأبو العلا، إلى حد إضافته منذ أيام إلى قائمة المحكمين المصريين في المنازعات المالية، رغم أنه قاضٍ جنائي ولا يعمل في المنازعات المدنية، وهي القائمة التي تعتبر مكافأة للقانونيين المقربين من النظام الحاكم.

ولا يختلف الوضع كثيراً في هيئة قضايا الدولة التي تجاوز فيها السيسي أقدم عضوين، وهما المستشاران محمد ماضي ومنير مصطفى، واختار الثالث المستشار حسين خليل، إذ تحولت صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بأعضاء الهيئة إلى ساحة تلاسن بين أنصار كل من الثلاثة، خصوصاً المقربين من ماضي الذي تم استبعاده بحجة انتمائه إلى "الإخوان" لمجرد اختياره عضواً بالهيئة الاستشارية للرئيس المعزول، محمد مرسي، رغم أن هذه الهيئة كانت تضم عدداً كبيراً من القانونيين غير المنتمين إلى أي تيار سياسي، على رأسهم رئيس مجلس الدولة الحالي، محمد مسعود. وقال مصدر في المجلس الأعلى لهيئة قضايا الدولة إن منير مصطفى الذي استبعد، بسبب زواجه من أجنبية غير عربية، يميل إلى تقديم استقالته من الهيئة، لكن ماضي يميل إلى الاستمرار ومقاضاة السيسي برفع دعوى أمام المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة.

كما سادت حالة من التخبط بين أعضاء النيابة الإدارية بسبب اختيار المستشارة رشيدة فتح الله، التي ستبلغ سن التقاعد خلال العطلة الصيفية الحالية، بعدما كانت كل المؤشرات تؤكد اختيار المستشارة محاسن لوقا، التي ستتقاعد في 30 يونيو/حزيران 2018، وذلك لأن هذا الاختيار يعني انعقاد المجلس الأعلى للهيئة قبل 14 يوليو/تموز الحالي، وترشيح 3 أعضاء من بين أقدم 7 أعضاء للرئاسة مرة أخرى، ستكون أقدمهم بالتأكيد محاسن لوقا، أي أن الرئيسة الجديدة للهيئة ستقتصر مسؤوليتها على إرسال أسماء المرشحين لرئاسة الهيئة بعدها. ويحدث هذا التخبط رغم أن النواب المروجين للقانون الجديد خلال مناقشته كانوا قد ذكروا مثل هذه الحالات الخاصة بفترات الرئاسة القصيرة أو الصيفية للهيئات، باعتبار أن القانون سيضع حداً لها لضمان استقرار الهيئات، وهو ما لم يحدث في أول اختبار عملي. وفي المقابل، لم تبارح الأوضاع في مجلس الدولة، رابع الهيئات القضائية، محلها بانتظار قرار السيسي بالتعيين، والمتوقع صدوره قبيل تقاعد رئيسه الحالي في 19 يوليو/تموز الجاري، وسط تكهنات باستبعاد الأقدم، وهو المستشار يحيى دكروري، صاحب حكم بطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، والتنافس على المقعد بين 3 قضاة، لكل منهم صلات بالجهات التنفيذية، هم المستشار محمد زكي موسى، الذي سيتقاعد في الصيف وزادت فرصه بعد اختيار رئيسة النيابة الإدارية، والمستشار فايز شكري حنين رئيس هيئة مفوضي الدولة، والمستشار أحمد أبو العزم الذي سيترأس المجلس عامين كاملين إذا تم اختياره.

المساهمون