ما الذي يحمله المبعوث الأممي في جولته الجديدة؟
المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد لم يعلن عن أي مشروع جديد، وما يُتداول في بعض وسائل الاعلام هو مجرد تكهن وتسريبات، ولكن المؤكد أنه لم يعد ليسوّق خارطة الطريق أو نسخة قريبة منها أو شبيهة بها لأن قرار مجلس الأمن الأخير والإنجازات العسكرية التي حققتها الشرعية في مختلف الجبهات دفنت تلك الخارطة. وجولة ولد الشيخ أحمد على طرفي الأزمة تأتي بعد فشل المحاولات التي قام بها في جولته السابقة لإحياء اتفاق ظهران الجنوب العام الماضي بشأن الهدنة ووقف إطلاق النار وتنفيذ برنامج تدريب للمراقبين من الطرفين في العاصمة الأردنية عمان، الذين يفترض انتقالهم بعد ذلك إلى ظهران الجنوب المقر المحدد للقيام بمهامها، وهي المهمة التي تعثرت نتيجة رفض الانقلابيين تحديد المندوبين الممثلين عنهم وإرسالهم إلى العاصمة الأردنية للتدريب. وأتوقع أن ولد الشيخ أحمد قام بهذه الجولة لاستطلاع مواقف الطرفين في إمكانية عقد جولة مشاورات جديدة في دولة الكويت. لكن جولته هذه تكتسب أهمية لأنها تأتي بعد صدور قرار مجلس الأمن الأخير بإجماع الدول الاعضاء، وقبيل تقديم إحاطته لمجلس الأمن نهاية الشهر الحالي التي يفترض أن يضمنها موقف كل طرف من القرار الأخير وفهمه لهذه الجزئية.
هل باتت الظروف في اليمن مهيأة لتسوية سياسية جديدة الآن، أم ترون أن الحسم العسكري هو الحل؟
في اعتقادي أنه على الرغم من أن ميزان القوى على الأرض بات يميل لمصلحة الشرعية، إلا أنه لم يصل إلى الحد الذي بات كافياً لإقناع الحاضن الموالي للانقلابيين بالانصراف عنهم نهائياً، فما يزال الانقلابيون يتمتعون بقدرة على التحرك والحشد في المحيط الحاضن لهم على الرغم من أنهم يدركون عدم قدرتهم على الحسم العسكري لمصلحتهم، ولا أمل في الحصول على أي اعتراف دولي بشرعية سلطتهم الانقلابية، وهم لم يستطيعوا تأمين اعتراف رسمي بها ولو من دول تجاهر بدعمها لهم. ومع ذلك فإنهم ماضون في حربهم ورفض أي تسوية سياسية لا تأتي وفق رغباتهم وبشروطهم وتوفر اعترافاً بالانقلاب وكل ما ترتب عليه، وتمنحهم حصانة من المساءلة عن كل جرائمهم، ولا سبيل أمامهم لتحقيق ذلك سوى عبر الاستمرار في الحرب. لذلك لست متفائلاً بأن الظروف باتت مهيأة الآن لتسوية ممكنة.
كيف تكون التسوية ممكنة من وجهة نظركم؟
التسوية الممكنة في نظرنا يجب أن تُبنى على المرجعيات الأساسية، المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ولاسيما القرار 2216، وأن تبدأ بتسليم السلاح والانسحاب من المناطق ومن المؤسسات التي يسيطر الانقلابيون عليها وإلغاء ما قاموا به من إجراءات أحادية، والالتزام بتنفيذ برنامج خاص بالعدالة الانتقالية وضمان عدم الإفلات من العقاب، وبعد ذلك كل شيء يمكن أن يكون قابلاً للحوار. ولا يجوز بعد هذه الدماء التي سالت والأرواح التي أزهقت والدمار، أن يظل السلاح بيد جماعات خارج الدولة، وأي تسوية لا تقوم على تسليم السلاح وإزالة آثار الانقلاب والانسحاب من المناطق والمؤسسات الخاضعة لسيطرة الانقلابيين، هي مجرد استراحة مؤقتة لجولات عنف أشد.
كيف قرأتم بيان موسكو الأخير المحذِّر من معركة الحديدة، وتصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت. هل هذا تحول برأيكم في الموقف الدولي تجاه الأزمة اليمنية؟
بيان وزارة الخارجية الروسية الأخير لا يتضمن أي إشارة لتحول جوهري في موقف موسكو من الأزمة الذي يقوم على تصنيف ما قام به الحوثيون وحليفهم بأنه انقلاب قوض عملية الانتقال السياسي. والبيان يركز على الحالة الإنسانية المأساوية بسبب استمرار الحرب والإشارة إلى استمرار المعارك في الساحل الغربي ومخططات التحالف للاستيلاء على ميناء الحديده، وأضرار الغارات الجوية يأتي في سياق الضغوط التي تمارس على دول التحالف والشرعية لتقديم تنازلات من أجل التوصل إلى تسوية يقبلها الانقلابيون. وبالنسبة لتصريحات وزير الخارجية الفرنسي أيضاً، فهي تندرج في سياق الضغوط التي تمارس على الشرعية ودول التحالف، وإذا استمرت الحرب وارتفعت أخطاء العمليات العسكرية للتحالف التي تطاول المدنيين سوف تزداد الضغوط أكثر وذلك ما يراهن عليه الانقلابيون، أي أن يؤدي استمرار الحرب وتزايد الأخطاء إلى تحول في الرأي العام الدولي يعبر عن نفسه باحتجاجات تدعو إلى وقف الحرب ومنع بيع السلاح لدول التحالف ما يحرج الأنظمة، ولا سيما في الدول الأوروبية، لتمارس الضغوط لإنجاز تسوية تستجيب لمطالب الانقلابيين.
هل سيكون للقوى السياسية حضور في أي مشاورات مقبلة، أم ستقتصر المشاورات على الشرعية والانقلابيين؟
المشاورات في كل الجولات السابقة كانت تجري بين ممثلين عن الشرعية وممثلين عن الانقلابيين، لأن ترتيبات قرار مجلس الأمن 2216 اقتضت أن تجري المشاورات في المرحلة الأولى للاتفاق على الترتيبات الأمنية المتعلقة بإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، وهو الشق المتعلق بتسليم السلاح والانسحاب من المناطق والمؤسسات التي يسيطر عليها الانقلابيون وإنهاء الإجراءات الأحادية لسلطة الانقلاب وعودة الحكومة الشرعية لممارسة مهامها، وكان الأمر يقتضي أن تكون المشاورات بين السلطة المنقلب عليها ومن قاموا بالانقلاب.
بعد الانتهاء من ذلك سوف يُستأنف الحوار بين مختلف المكوّنات المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني بما في ذلك الشباب والمرأة، وذلك لاستكمال الحوار السياسي من النقطة التي توقف عندها قبل الانقلاب وقبل تقويض المسار السياسي. وعلى هذا الأساس إذا تم الاتفاق على مسار واحد للحوار يشمل الترتيبات الأمنية والقضايا السياسية مرّة واحدة للتوصل إلى اتفاق واحد في المسارين مع تراتبية التنفيذ الذي تتمسك به الشرعية أو التنفيذ المتزامن الذي يتمسك به الانقلابيون، ففي هذه الحالة، أي المسار الواحد، فإن مشاركة كل المكونات السياسية في الحوار يعد أمراً ضرورياً. فالمشاركة حق من الحقوق التي كفلها قرار مجلس الأمن الدولي، باعتبار المكونات شريكة في تحديد مستقبل اليمن الذي رُسمت ملامحه في مؤتمر الحوار، وهي جزء من الشراكة الوطنية والتوافق السياسي، المبدأين الحاكمين لإدارة الحكم في المرحلة الانتقالية وفق آلية تنفيذ المبادرة الخليجية ووثيقة الضمانات لتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
من وجهة نظرك ما هي أسباب استمرار الحرب، ولماذا عجزت الشرعية ودول التحالف الداعم لها عن الحسم العسكري؟
في اعتقادي أن أسباباً كثيرة أدت إلى استمرار الحرب التي أوشكت على دخول عامها الثالث، أهمها غياب الرؤية الاستراتيجية الواحدة لإنجاز هدف إسقاط الانقلاب واستعادة الدولة بالمسارين السياسي والعسكري، وعدم وجود خطة محددة الأولويات والمهام التي أسند لكل طرف القيام بها لتنفيذ الاستراتيجية بشقيها السياسي والعسكري، وعدم إعطاء الاهتمام اللازم لبناء وتأهيل جيش وطني وتجهيزه بالأسلحة والعتاد والآليات، ولا سيما بعد أن توفرت الظروف المناسبة لإنجاز هذه المهمة في المناطق التي حررت من سيطرة الانقلابيين. إضافة إلى عدم اتخاذ أي إجراءات لتنفيذ قرار رئيس الجمهورية باستيعاب المقاومة في الجيش، واستمرار التعامل المباشر خارج القنوات الرسمية للحكومة مع المجموعات المسلحة المقاومة، ما تسبّب في تعقيد عملية دمج واستيعاب المقاومة في الجيش التي تأجلت أكثر من مرة.
لكن تمّ تنفيذ عملية دمج المقاومة بالجيش، وهذا ما يحصل في تعز مثلاً؟
لكن بشكل صوري، إذ توقفت إجراءات الدمج عند حدود الترقيم للأفراد وضم أسمائهم إلى قوة الألوية العسكرية في الكشوفات، ولم يجرِ تأهيل أي معسكرات لاستقبال الأفراد الذين تم استيعابهم، إضافة إلى غياب إجراءات وبرامج موحدة للتأهيل البدني والقتالي وتكوين عقيدتهم القتالية على أسس وطنية. يجب أن تؤدي عملية الدمج إلى تفتيت كيانات الجماعات المستوعبة، وإدماج أفرادها في تشكيلات يقودها ضباط وصف ضباط ومساعدون محترفون ومؤهلون، من خريجي الكليات العسكرية. ويجب ألا تظل كل جماعة محتفظة بكيانها داخل المعسكرات وإنما يعاد التشكيل وفق المفاهيم العسكرية وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط من الفصائل المندمجة.
تعدد التشكيلات والجماعات المقاتلة، عسكرية أو مدنية، أدى إلى تعدد القيادات، وتعدد القيادات تسبّب في تعدد مصادر القرار والتعليمات وجهات التخطيط في مسارح العمليات العسكرية، وأهدر الكثير من الإمكانات. والأمر المؤلم أن القيادات العسكرية العليا لم تقم بأي مجهود لإصلاح هذه الأوضاع ومعالجة الأخطاء وبذل الجهد اللازم لبناء جيش احترافي على أسس وطنية، ولكنها اكتفت بإدارة العمليات العسكرية بعقلية المقاولة، الأمر الذي أتاح للبعض من اصحاب النفوس الضعيفة والضمائر الميتة التربح من الحرب، وهؤلاء لا مصلحة لهم في حسم المعركة.
البعض يتحدث عن حالة فشل في إعادة بناء مؤسسات الدولة، وإدارة الحكومة للمحافظات المحررة. برأيك ما الذي قد يترتب عن استمرار هذه الحالة؟
لا شك في أن هناك أسباباً متعددة أعاقت تثبيت الأمن والاستقرار في المحافظات المحررة، وربما من أهم هذه الأسباب عدم امتلاك الدولة للموارد المالية التي تساعدها على إدارة المناطق المحررة، إضافة إلى عدم وجود الرؤية والخطة المشتركة بين الحكومة اليمنية وبين أشقائنا في دول الخليج، ولذلك تعثّر مشروع تقديم نموذج للإدارة يلبي احتياجات وتطلعات الناس في هذه المحافظات.
استمرار حالة العجز في إعادة بناء مؤسسات الدولة، والعجز عن توفير الخدمات الضرورية للسكان، سوف يؤديان إلى تصدّع وانقسام في صفوف الشرعية وتفكك التحالف الداعم لها، وسيُحدث تحوّلاً في الرأي العام المحلي وفي دول التحالف الداعم للشرعية وفي المجتمع الدولي، هذا العجز ربما قد يعبّر عن نفسه في احتجاجات تطالب بوقف الحرب والضغط على الشرعية ودول التحالف الداعم لها لقبول تسوية بأي ثمن، لذلك فإن على الشرعية والتحالف الداعم لها إدراك هذه المآلات السيئة ومعالجة الأخطاء وأوجه القصور.
وباتت دول العالم ترى أن الشرعية لم تقم بدورها في إدارة هذه المناطق المحررة، وأن مزيداً من تحرير هذه المناطق معناه تسليم مساحات واسعة للجماعات المتطرفة كما تقول أو للفوضى، وحينها بدأت تعيد النظر على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن 2216 تحت الفصل السابع الذي يقتضي التدخّل من قبل المجتمع الدولي لفرض هذا القرار بالقوة. لكن هذه الدول وجدت نفسها غير متحمسة بسبب الصورة التي كوّنتها عن الحكومة الشرعية في إدارة الدولة، ولجأت لمفهوم جديد هو مفهوم المزاوجة بين السلطة الشرعية التي لم تتخلَ عن الاعتراف بشرعيتها والتي ما زال المجتمع الدولي متمسكاً بشرعيتها، وبين السلطة التي يعتقد المجتمع الدولي أنها تمتلك الخبرة في الإدارة وهي السلطة الانقلابية، على الرغم من خطأ هذا الاعتقاد.
بالنسبة للقضية الجنوبية، ما زالت شعارات فك الارتباط مرفوعة. في ظل المرحلة التي يمر بها اليمن كيف يمكن التعامل مع مطلب كهذا؟
المرحلة تقتضي التوحّد حول استعادة الدولة وبناء مؤسساتها وفق مضامين مخرجات الحوار الوطني بصرف النظر عن اتجاهاتنا ومواقفنا، لأن الدولة حاجة ملحّة وضرورية لكل المشاريع، وعلينا أن نبحث عن الحل الذي سيحقق الاستقرار لليمن. وأنا شخصياً أرى أن الأخطاء التي حدثت ليست ناتجة من الوحدة وإنما من النظام الذي حكم بعد عام 1994، والذي صادر الجنوب كما صادر الشمال، وليس أمامنا الآن من مخرج غير أن نتوحد من أجل أن نستعيد الدولة وبناء مؤسساتها على أسس وطنية، ويومها كل هذه القضايا يجب أن تطرح للحوار وللنقاش.
انقسمت الأحزاب القومية في الساحة العربية في موقفها تجاه الانقلاب في اليمن، برأيك لماذا هذا الانقسام؟
هذا الانقسام يعكس ضعف علاقة التواصل بين الأحزاب والتنظيمات على المستوى العربي، بمعنى أنه لا يوجد تواصل ولا توجد قراءات مشتركة في طبيعة الأحزاب والمواقف السياسية تجاه القضايا في الوطن العربي بشكل عام. واعتقد أن غياب التنسيق وغياب القراءة المشتركة هو سبب تباين المواقف، وهذا ليس في إطار الأحزاب القومية فقط بل حتى في إطار أحزاب اليسار في الوطن العربي والعالمي. هناك من يقرأ مع الأسف أن الحوثيين قوى تقدمية، وهم استفادوا (الحوثيون) من التغطية السياسية والمواقف التي كانت تتبناها الأحزاب القومية واليسارية من مظلومية الحوثيين خلال الحروب الست في صعدة. وظلت هذه المواقف هي التي تتحكم في مواقف القوى والأحزاب القومية واليسارية. وأخيراً تواصلنا مع الكثير من الأحزاب الناصرية والقوى القومية في المنطقة العربية، وهناك تحوّل كبير جداً في مواقف هذه الأحزاب. وخلال زيارتي الأخيرة للحزب العربي الديمقراطي الناصري في القاهرة أصبحت الفكرة لديهم واضحة، وكذلك القوى الناصرية في الأردن موقفها أصبح الآن واضحاً تجاه الانقلابيين، وأيضاً الكثير من القوى الناصرية في لبنان موقفها تغير، واعتقد أن الصورة بدأت الآن تتضح للكثير من هذه القوى.
ما سر التحوّل العميق في علاقتكم كناصريين مع السعودية؟
مواقف التنظيم وكذلك سياسة ودور المملكة تجاه اليمن خلال الحقبة التاريخية الممتدة حتى التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، صارت جزءاً من تاريخ ينبغي قراءته بموضوعية واستخلاص عبره وتحديد ما فيه من أخطاء بقصد تجاوزها وإيجابيات يمكن البناء عليها لإقامة علاقات مستقبلية بين اليمن والسعودية. هذه العلاقات يجب أن تتجنب عوامل الصدام وتؤسس لقيام أفضل علاقات التعاون والتكامل والشراكة الفاعلة والمتكافئة، التي تتيح لليمن والمملكة ودول الخليج استغلال الإمكانات والقدرات لقيام تنمية شاملة مستقلة ونهوض علمي واقتصادي لمواجهة أي تهديدات ومخططات خارجية تستهدف تمزيق دول المنطقة وتمزيق النسيج الاجتماعي لشعوبها وتؤسس لقيام كيان إقليمي يضم الدول العربية، من شأنه أن يحقق التوازن الاقليمي ويقيم علاقة تعاون وتكامل مع التكتلات الإقليمية المجاورة، ولا سيما تلك التي نرتبط معها بقواسم مشتركة.
ما تقييمك لتجربة أحزاب "اللقاء المشترك"؟
"اللقاء المشترك" قدّم تجربة متميزة وشكّل قيامه تطوراً نوعياً في تاريخ المعارضة وكان نقلة نوعية في العمل الجماعي المشترك. فقد ضم تكتل "اللقاء المشترك" مجموعة من الأحزاب السياسية لديها تباينات سياسية وفكرية وخاضت جولات من الصراع في الماضي، وعندما توصل كل منها إلى قناعة بأن حزباً أو تياراً بمفرده مهما بلغ حجمه وقوته لا يستطيع أن يُسقط نظاماً متسلطاً يحتكر القوة والثروة ويحكم قبضته على المؤسسات ويوظف المال العام والوظيفة العامة لمصلحة استمراره وبقائه في السلطة وضمان توريثها لأبنائه، عندما توافرت هذه القناعة لكل منها التقت جميعها على أهداف مشتركة تجمعها ومشروع واضح لمعارضة النظام والعمل بمختلف الوسائل السلمية لإصلاحه عن طريق التغيير أو اسقاطه.
وحقق تكتل "اللقاء المشترك" في مسيرته إنجازات كبيرة أسهمت في رفع الوعي السياسي المعارض، وأسس لمعارضة جادة تقدّم نفسها بديلاً فعلياً للسلطة، ترسخت في الوعي الشعبي وفي الممارسة. وكان له من دون شك دوره في انطلاق الانتفاضة الشعبية للتغيير في 11 فبراير/شباط 2011 التي أسقطت رأس النظام وزلزلت بنيانه. ولكن تجربة "اللقاء المشترك" رافقتها أخطاء وخطايا كثيرة، ولا سيما في المرحلة التالية لثورة فبراير، مرحلة الانتقال من المعارضة إلى المشاركة في السلطة، وهي اعتقدت أن وصولها للسلطة هو التغيير بذاته، فتخلت عن برامج التغيير وبدأت تختلف حول التحاصص الذي لم يتوقف عند مستوى الشراكة الوطنية في أجهزة السلطة والحكم لكن وصل إلى مستوى الأجهزة الوظيفية. هذا الأمر أدى إلى تعطيل عملية التغيير، إضافة إلى بروز تباين بين بعض المكوّنات في مواقفها من بعض القضايا في مؤتمر الحوار التي جاءت في وقت كانت فيه مساحة التباين بين مكوّنات "المشترك" قد اتسعت.
ومع اجتياح العاصمة تحوّل التباين إلى فراق بانقسام في مكوّنات "اللقاء المشترك"، فهناك ثلاثة أحزاب اتخذت موقفاً مع الطرف الانقلابي، وهي حزب "اتحاد القوى الشعبية"، الذي عاد أخيراً لإعلان الاصطفاف مع الشرعية، وحزب "الحق"، وحزب "البعث العربي الاشتراكي" الذي كان يمثله محمد الزبيري، فيما ساندت ثلاثة أحزاب أخرى الشرعية، وهي "التنظيم الناصري"، والحزب "الاشتراكي" و"التجمّع اليمني للإصلاح" وهي في إطار القوى المصطفة مع الشرعية.
هل يعني ذلك أن "اللقاء المشترك" انتهى؟
على الصعيد المركزي، لم يعد موجوداً كهيئة، ويمكن أن تقول إن "المشترك" في حالة موت سريري. ومع ذلك يمكن القول إن تجربة "اللقاء المشترك" تتطلب قراءة نقدية ايجابية لمسيرته تشخّص الأخطاء والنواقص والعيوب، فذلك مفيد لأي عمل مشترك في المستقبل يجمع مكونات "اللقاء المشترك" أو بعضاً أو خليطاً منها ومن غيرها.
اللقاءات الثنائية بين "التنظيم الناصري" والحزب "الاشتراكي" اليمني التي حصلت أخيراً، هل يمكن اعتبارها تحالفاً جديداً؟
اللقاءات بين التنظيم والحزب "الاشتراكي"، جاءت في سياق إعادة الحيوية للعلاقات الثنائية بينهما، إذ يلتقيان حول الكثير من القضايا والمشتركات، ويمثلان النواة والقاعدة الصلبة لأي مشروع مدني. ولقاء التنظيم والحزب وجّه الدعوة لكل المكوّنات المناهضة للانقلاب إلى تفعيل دورها في الشراكة الوطنية والتوافق وتكوين اصطفاف يعمل على وقف الحرب وإنجاز تسوية سياسية تؤسس لسلام دائم في اليمن، ويدعو القوى المصطفة ضد الانقلاب من أجل بلورة رؤية مشتركة لإعادة بناء المؤسسات وإدارة الدولة على أساس الشراكة والتوافق ووفقاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وما تضمنته آلية التنفيذ للمبادرة الخليجية والمقتضيات الدستورية والقوانين النافذة. إضافة إلى معالجة الاختلالات القانونية والدستورية التي شابت أي قرارات صدرت في الفترة السابقة، لأن الالتزام بالمرجعيات واحترامها والعمل وفق مقتضياتها شرط أساس لمطالبة الآخرين بالالتزام بها واحترامها.
كيف تقرأ مستقبل اليمن في ظل المعطيات الراهنة؟
أنا متفائل بمستقبل اليمن على الرغم من الصعوبات والمعوقات الراهنة، فالحرب التي عصفت بالبلاد من الطبيعي أن تترك تداعيات كارثية، لكن من الممكن أيضاً أن تخلق فرصاً متاحة للخروج إلى المستقبل، وإذا تم استغلال الفرص سنتمكن من الخروج من الأزمة وبناء اليمن وفق مضامين مؤتمر الحوار الوطني الذي توافق عليه اليمنيون.