عقبات توريث الحكم في الجزائر من الرئيس إلى الشقيق

07 اغسطس 2017
سعيد بوتفليقة خلال جنازة رضا مالك (العربي الجديد)
+ الخط -
أدى الظهور المتكرر لسعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في الفترة الأخيرة، والحظوة السياسية والإعلامية التي بات يحظى بها، إلى ورود تحاليل وتخمينات عن إمكانية أن يكون هذا الظهور، بمثابة دورة تأهيل سياسي وإعلامي، تمهيداً للدفع به إلى سدة الرئاسة في انتخابات ربيع 2019، وخلافة شقيقه. لكن مثل هذه التحاليل المستندة إلى وقائع هامشية، تغفل بشكل كبير ظروفاً ومعطيات عميقة في بنية الحكم في الجزائر، وتعقّد مناخها السياسي وإمكانية أن يحدث ذلك شرخاً عميقاً في المجتمع، يفجّر كثيراً من القلاقل الداخلية.

في هذا السياق، بدت الجزائر قبل أقلّ من عامين من موعد الاستحقاق الرئاسي في أبريل/نيسان 2019، وسط تساؤلات بشأن إمكانية أن تشهد أول حالة توريث للحكم في تاريخها، بعد حوالي ستة عقود عن وجود الدولة الوطنية الحديثة، خصوصاً أن تدافعاً عنيفاً بين المعطيات التي تجعل مثل هذا الخيار ممكناً وبين المعوّقات الخامدة والعوامل التي تمنع حدوثه، تزيد من كمّ الغموض الذي يخيّم على المشهد السياسي في الجزائر، إضافة إلى عدم إعلان السلطة حتى الآن عن مشروع الرئيس المحتمل، أو إمكانية استمرار الرئيس بوتفليقة في الحكم لولاية خامسة، وفقاً لما ذهب إليه تقرير عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي زاروا الجزائر أخيراً.

وفي ثلاث مناسبات في الشهرين الماضيين، كان آخرها يوم الاثنين الماضي، في جنازة رئيس الحكومة الأسبق رضا مالك، برز سعيد بوتفليقة في واجهة الأحداث. وغطى حضوره على غياب الرئيس بوتفليقة نفسه، ورغم أن منصبه في الرئاسة هو مجرد مستشار ضمن مجموعة من المستشارين، ولا سوابق له في العمل في مؤسسات الدولة كوزير أو مسؤول حكومي أو إداري، إلا أن مستوى الحراسة الأمنية المرافقة له وحصوله على خدمات البروتوكول الشخصي للرئيس بوتفليقة في ظهوره الأخير، زاد من التخمينات بشأن احتمال وصول مبدأ "التوريث" إلى عائلة بوتفليقة، من عبد العزيز إلى سعيد.

كما انتشرت الأخبار خلال السنوات الأخيرة عن النفوذ الكبير لشقيق الرئيس في صناعة القرار وتعيين المسؤولين، وارتباطه برجال المال والأعمال وعلاقاته الوثيقة بالكارتل المالي، حسبما ظهر في جنازة مالك. ووفقاً لقراءات سياسية، فإن ذلك يمكن أن يكون جزءاً من مؤشرات تنفيذ مشروع توريث محتمل.

في هذا الصدد، أبدى المحلل السياسي، عبد السلام عليلي، اعتقاده بأن "المناخ السياسي الراهن، يوفر أرضية سياسية لتمرير مشروع توريث سياسي لم تعلن عليه السلطة حتى الآن ولم تبد مؤشرات جدية بشأنه". وأضاف بأنه "في ظل المعطيات الحالية الشعب لا يكترث لحقوقه وواجباته والمعارضة تلهث وراء المصالح الشخصية على حساب الوطن، بالتالي فإن التوريث سيكون سهلا والأرضية جاهزة لاحتضانه".

وربط عليلي توفّر الظروف السياسية بـ"ضعف المعارضة وعجزها عن تشكيل جبهة اعتراض قوية للخيارات التي تتوجه إليها السلطة، ما دام لا توجد معارضة حقيقية، والشعب في سبات سياسي عميق. وأتوقع كل شيء، خصوصاً إذا علمنا أن النظام بات يملك كل وسائل تحقيق خياراته ووضعها موضع تنفيذ، في ظلّ مستوى القابلية السياسية التي بات المشهد الحزبي في الجزائر عليها".



ومن بين مؤشرات هذه القابلية، تصريحات الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" جمال ولد عباس، الذي اعتبر أن "شقيق الرئيس بوتفليقة لديه كل الحق في الترشح، وأنه لا توجد موانع دستورية على ذلك". حتى أن ولد عباس راح يجد لشقيق الرئيس بوتفليقة مزايا تؤهله للحكم وخلافة شقيقه بالقول إن "سعيد بوتفليقة أستاذ جامعي ناشط نقابي مناضل". مع العلم أن "جبهة التحرير الوطني"، حائز على الأغلبية في الحكومة والبرلمان.

مع العلم أن مواقف عدد من الأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية الموالية للسلطة وللرئيس بوتفليقة، غير بعيدة عن ولد عباس، عدا حزب "التجمّع الوطني الديمقراطي"، بقيادة رئيس ديوان الرئاسة أحمد أويحيى، الذي يتبنى واقعية سياسية قد لا تدفعه إلى اتخاذ موقف داعم لمنحى التوريث السياسي.

لكن الأستاذ في جامعة المسيلة محمد دحماني، أبدى اعتقاده بأنه "من الصعب أن تشهد الجزائر حالة توريث للحكم فيها"، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأنه "من الصعب أن يحدث توريث سياسي". واعتبر بأن "ذلك مرتبط بعامل رئيسي متعلق بكون طبيعة النظام السياسي الجزائري لا تقبل ذلك لاعتبارات عدة، كون النظام بُني على قاعدة الشرعية الثورية". وتوافق تصور دحماني مع تعليق المحلل السياسي نصر الدين بن حديد، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن "التوريث صعب جداً في الجزائر وغالي الكلفة على الصعيد السياسي".

كما أن هناك عاملاً رئيسياً على خطّ اختيار الرؤساء في الجزائر، وهو موقف المؤسسة العسكرية، إذ إنه من الظاهر أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة استطاع خلال الفترة الأخيرة من حكمه، تقليص دور ونفوذ وتأثيرات المؤسسة العسكرية عبر جهاز المخابرات على الاختيارات السياسية، وإفشال محاولتها الوقوف في وجه ترشحه لولاية رئاسية ثانية عام 2009، ثم الاعتراض من قبل جهاز الاستخبارات على ترشحه لولاية رئاسية رابعة في أبريل/نيسان 2014. ما دفعه إلى التفكير الجديد في تنفيذ خطة تفكيك الجهاز إلى ثلاث دوائر أمنية، فالمؤسسة العسكرية ما زالت قيد الاعتبارات المهمة في اختيار خليفة الرئيس بوتفليقة، في حال لم يكن هو نفسه يرغب في البقاء لولاية رئاسية خامسة، على اعتبار أن الدستور الجديد الصادر في فبراير/شباط 2016، الذي يحدّ من الولايات الرئاسية بولايتين، يعتبر أن الرئيس يمضي ولايته الأولى، ويكون متاحاً له الحصول على ولاية ثانية في ظل الدستور الجديد والخامسة في المجموع، غير أن قيادات عسكرية أبدت اعتقادها بأن المؤسسة العسكرية قد تسمح ببقاء الرئيس لولاية أخرى في ربيع 2019، لكنها لا يمكن أن تسمح بحدوث حالة توريث رئاسي في الجزائر.



في هذا الصدد، شرح العقيد المتقاعد رمضان حملات ذلك قائلاً: "لا يمكن حصول التوريث في الجزائر لأسباب عدة، فالمؤسسة العسكرية لا تؤمن بالتوريث، كما أعتقد بأن جزءاً كبيراً من النخبة السياسية والشعبية لن تقبل بذلك، لذلك يجب أن نكون حذرين فالمرحلة المقبلة صعبة وحساسة، كما أن الرئيس المستقبلي يجب أن يكون على دراية كاملة بالملفات الأمنية على المستوى الإقليمي والدولي والمؤسسة العسكرية تعتقد أن البلاد في حاجة إلى شخصية نظيفة محبوبة عند الشعب وغير متورطة في أزمات الولايات الرئاسية الأخيرة، والذي كان وراء رجال الأعمال المفسدين لا يمكن للجيش أن يدعمه، خوفاً من فقدانه لثقة الشعب"، في إشارة منه للشبهات والتقارير التي تتحدث بشكل دائم عن علاقة بين شقيق الرئيس بوتفليقة ورجال المال والأعمال.

جزء هام من المتابعين للشأن السياسي في الجزائر اعتبروا بأن الأمور ما زالت لم تنضج بعد، وأن مسألة التوريث السياسي قد تكون مجرد بالون اختبار سياسي، إلى أن يحسم النظام موقفه وخياراته بشأن مرشح الرئاسة المقبل، سواء إذا كان الأمر متعلقا بسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس بوتفليقة أو غيره. وأن المسألة ما زالت بحاجة إلى بعض الوقت لانكشاف التوجهات.

في هذا الصدد، أبدى الباحث محمد بغداد اعتقاده بأن "الأمور غير واضحة على هذا الصعيد لأن المعلومات التي يُبنى عليها تحليل أو رأي غير متوفرة للأسف. وما زال الوضع السياسي يحتاج إلى فترة قصيرة أخرى لتتضح الأمور أكثر"، معتبراً أنه "لا يمكن مسايرة وقائع هامشية، كالظهور المتكرر لشقيق الرئيس بوتفليقة، لإعطاء تصور بأن السلطة بصدد تحضيره للرئاسة أو تنفيذ مشروع توريث".

وعلى الرغم من بعض السهولة في تحليل الوضع والمآلات السياسية في الجزائر، باستغلال معطيات هامشية لا تحتمل قدراً كبيراً من الصلابة، على أساس أنها مؤشرات توريث للحكم، فإنه من الصعوبة السياسية حدوث توريث للحكم في الجزائر. وأبدى مراقبون تخوّفهم من أن مغامرة السلطة بتوريث الحكم قد تفتح مشاكل سياسية ومناطقية عنيفة، لن تستطيع الجزائر مواجهتها في ظل المأزق الاجتماعي والاقتصادي والاختناق المالي الذي تعيشه، خصوصاً أن مناطق عدة باتت تعتبر نفسها ضحية لفترة حكم الرئيس بوتفليقة، كمنطقة الشرق ومنطقة القبائل، وبما قد يوفر مغامرة سياسية غير محسوبة كالتوريث، فرصة جدية لإحداث شرخ كبير في النسيج السياسي والاجتماعي في الجزائر.



المساهمون