العراق: دعم إيراني لبرهم صالح يحسم ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية

20 سبتمبر 2018
برهم صالح خلال تشييع جلال طالباني في أكتوبر الماضي(الأناضول)
+ الخط -
مجدداً، لم تفلح جهود المبعوث الأميركي في العراق، بريت ماكغورك، منذ يومين في أربيل والسليمانية شمالي العراق، في ترجيح كفّة أيّ من المرشحين الأكراد القريبين من المعسكر الأميركي لمنصب رئاسة الجمهورية. ورغم كونه منصباً تشريفياً خالياً من أي صلاحيات تنفيذية تذكر، إلا أنّه لم ينجُ من حسابات واشنطن وطهران، في ظلّ مساعي كل طرف منهما لفرض مرشحه الأقرب إليه. فبعد ساعات من طرح اسمي عبد اللطيف رشيد ومحمد صابر، وكلاهما عديل للرئيس العراقي السابق وزعيم حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، جلال الطالباني، كأقوى الأسماء المرشحة للرئاسة، إلى جانب اسمي فاضل ميراني وهوشيار زيباري عن معسكر أربيل بزعامة مسعود البارزاني، وهم بالمجمل (الأسماء الأربعة) مقبولون أميركياً، إلا أنّ اجتماعاً مغلقاً جمع 40 قيادياً من "الاتحاد الكردستاني" قرّر إعادة برهم صالح، القيادي السابق المنشقّ عن صفوف "الاتحاد الكردستاني"، مجدداً إليه، ومن ثمّ طرح اعتماد ترشيحه رسمياً لمنصب رئيس الجمهورية.

وشهد الاجتماع الذي عقد في السليمانية انسحاب قيادات سياسية مهمة من جناح كوسرت رسول، نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، اعتراضاً على إعادة برهم صالح لصفوف الحزب وترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية، خصوصاً بعد انشقاقه، ومهاجمته الحزب بتصريحات صحافية عدة في العام الماضي.

وفي هذا الإطار، قال مسؤول كردي في "الاتحاد الوطني" في السليمانية، إنّ نجلي جلال طالباني، بافل طالباني وشقيقه نائب رئيس وزراء إقليم كردستان قوباد طالباني، "هما عرّابا إعادة برهم صالح إلى صفوف الاتحاد، ومن ثمّ ترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية"، معتبراً أنّ صالح "قبض ثمن مواقفه السابقة حيال مهاجمة قرار تنظيم استفتاء انفصال كردستان عن العراق، وتبنيه مواقف رحّبت بها إيران حيال الأزمة، ومهاجمته حركات كردية إيرانية معارضة لطهران".

وأوضح المسؤول، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ صالح "حصل على 26 صوتاً من أصل 40 (يضاف إليها صوت سكرتيرية الحزب، ليصبح عدد المصوتين 41)، في مقابل 15 صوتاً للقيادي في الحزب، محمد صابر، في الاجتماع الأخير"، معتبراً أنّ "هناك مؤامرة مسبقة، إذ تمّ تغييب بعض القيادات المعروف موقفها سابقاً من برهم صالح عن هذا الاجتماع". ورأى المسؤول أنّ "ترشيح صالح فيه لمسات إيرانية بتواطؤ من بافل الطالباني ووالدته هيرو خان"، على حدّ قوله.

وطرحت القوى الكردية أسماء عدة لمنصب رئاسة الجمهورية من معسكري أربيل والسليمانية؛ أبرزها اسم وزير الخارجية الأسبق وابن عم مسعود البارزاني، هوشيار زيباري، ورئيس هيئة المستشارين في ديوان الرئاسة حالياً عبد اللطيف رشيد، ورئيس وزراء الإقليم حالياً نيجرفان برزاني، والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني فاضل ميراني، والقيادي في الاتحاد الكردستاني في السليمانية ملا بختيار.

إلى ذلك، قال عضو الجماعة الإسلامية المعارضة في كردستان، كاميران حسن أمين، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "التوافق بين الحزبين الكرديين (الديمقراطي والاتحاد)، هو الفيصل في حسم ترشّح صالح للمنصب، فيمكن للديمقراطي الاعتراض على ذلك". وأضاف "لكن أعتقد أنّ صفقة ما ستبقي رئاسة حكومة إقليم كردستان بيد البارزانيين، وكذلك منصب محافظ كركوك، مقابل نائب رئيس حكومة كردستان ومنصب رئيس جمهورية العراق لصالح الاتحاد"، مؤكداً "وجود خلافات كبيرة بين قيادات الاتحاد الكردستاني على إعادة صالح لصفوف الحزب، ومن ثمّ فرضه كمرشّح رسمي لمنصب رئاسة الجمهورية".

وفي الإطار ذاته، نقلت قناة "روداو" الكردية التابعة لأربيل عن سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، فاضل ميراني، قوله إنّ "برهم صالح ليس مرشحاً مشتركاً" للحزبين "الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني"، لرئاسة الجمهورية العراقية، موضحاً أنه "سيكون لنا مرشّح لهذا المنصب".

من جانبه، علّق القيادي في "الحزب الديمقراطي الكردستاني" ريبين سلام، على ترشيح حزب "الاتحاد الوطني" لبرهم صالح لنيل منصب رئيس الجمهورية، بالقول إنّ "أمر عودته للاتحاد الوطني وترشيحه للمنصب سيناريو متوقع بالنسبة لنا". وأكّد في تصريحات لوسائل إعلام عراقية أنّ "الحزب الديمقراطي لن يقف أمام هذه المناصب، لأنه لا يبحث عنها إطلاقاً، ولن يكون خلاف ذات بين الحزبين"، مشيراً إلى أنّ "المناصب في بغداد يجب أن تخضع للمناقشة". ولفت القيادي في حزب بارزاني إلى أنّ حزبه "قدّم تنازلات كبيرة جداً في سبيل مصلحة الأكراد، ولكن يجب أن يكون تنازله عن منصب رئاسة الجمهورية مقابل منصب محافظ كركوك، فليس من المعقول أن يأخذ الاتحاد الوطني المنصبين". 


وتعليقاً على هذه المستجدات، قال الباحث والخبير في الشأن السياسي الكردي، شاهو القرة داغي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "إيران عملت بشكل كبير على منع انشقاق برهم صالح عن الاتحاد الوطني عام 2016، وأرسلت رسائل سلبية لصالح عن خطورة الانشقاق. وبالفعل، بعد انشقاقه كان هناك ردّ فعل إيراني غاضب"، وتابع "لكن مواقف برهم صالح الأخيرة كانت مهمة، إذ أجرى مقابلة مع الوكالة الإيرانية الرسمية (إيرنا) منذ مدة، كما هاجم في مواقفه الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة واعتبرها جماعات إرهابية. كذلك، أكّد على ضرورة منع تنفيذ أي هجوم إرهابي ضد إيران من إقليم كردستان، وقبلها موقفه الرافض لاستفتاء انفصال الإقليم عن العراق".

وأضاف قرة داغي أنّه "في الآونة الأخيرة، بدأ نجل طالباني الأكبر، بافل، بالتفاوض مع برهم صالح بشكل مباشر لتنسيق عودته إلى الحزب مقابل ترشيحه لرئاسة الجمهورية. ورغم وجود معارضة لصالح داخل الاتحاد الوطني، لا سيما أنّ الملا بختيار أحد المنافسين الشرسين له، إلا أنّ الإرادة الإيرانية غلبت على باقي الأذرع داخل الحزب ورتبت عودة صالح بهدوء".

واعتبر قرة داغي أنّ "عودة برهم صالح سترفع من عدد مقاعد الاتحاد الوطني في انتخابات 30 يوليو/ تموز لبرلمان إقليم كردستان المقبلة، بعد عودة الأصوات التي خرجت معه عند انشقاقه. كما أنّه سيعيد النشاط للاتحاد الوطني في بغداد، بعد حالة الجمود التي عانى منها المنصب بوجود الرئيس فؤاد معصوم". ورأى أنّ "فاعلية برهم صالح في بغداد قد تؤثّر على نفوذ الديمقراطي الكردستاني، ولكن يبدو أنّ الأخير لا يستطيع معارضة ترشيح برهم صالح بوجود قوة إقليمية تؤيد خيار ترشيحه وتدعمه لرئاسة الجمهورية". وختم قرة داغي بالقول "رغم أنّ برهم صالح مؤسس الجامعة الأميركية في السليمانية، ولديه علاقات متينة مع الولايات المتحدة، إلا أنّ عودته كانت بجهود إيرانية، وهذا يحتّم عليه مراعاة النفوذ الإيراني وعدم المجازفة مع الطرف الذي أوصله لرئاسة الجمهورية في حال فوزه بالمنصب".

وشغل برهم صالح منصب نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، فضلاً عن مناصب عدة في الحكومة العراقية بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، قبل أن يقرّر الانشقاق عن "الاتحاد الوطني" ويؤسّس حركة مستقلة تحت اسم "تحالف من أجل الديمقراطية"، في عام 2016. وصالح من مواليد مدينة السليمانية عام 1960. يحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة كارديف البريطانية، وشهادة الدكتوراه في الإحصاء والتطبيقات الهندسية في الكومبيوتر من جامعة ليفربول. عمل مستشاراً هندسياً في المملكة المتحدة، ومتزوج ولديه ولد وبنت.

انضم صالح إلى صفوف "الاتحاد الوطني الكردستاني" في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وتدرّج حتى أصبح عضواً في تنظيمات أوروبا للحزب، ثمّ مسؤول مكتب العلاقات الخارجية في الاتحاد في لندن. كُلّف في عام 1992 بإدارة مكتب الاتحاد الوطني في الولايات المتحدة، وأصبح ممثلاً لإقليم كردستان في واشنطن. وترأس صالح حكومة إقليم كردستان بين عامي 2001 – 2004، وعمل وزيراً للتخطيط في الحكومة العراقية الانتقالية عام 2005، ثم نائباً لرئيس مجلس الوزراء آنذاك، بعد انتخاب أوّل حكومة عراقية عقب احتلال الأميركي.

بعد ذلك، تولّى منصب نائب رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، في عام 2006. ثم ترأس اللجنة الاقتصادية في الحكومة العراقية في العام نفسه. أسّس صالح الجامعة الأميركية في السليمانية، وشغل منصب رئيس مجلس أمناء الجامعة، وله نشاطات ثقافية عدة إلى جانب نشاطه السياسي. ترأس حكومة إقليم كردستان مرة ثانية عام 2009 بعد فوزه في الانتخابات التشريعية في الإقليم، إثر ترشيحه من قبل القيادات الكردية لترؤّس القائمة الكردستانية آنذاك، واستمر في رئاسة الحكومة حتى عام 2011.