واعتبر الإعلام الإسرائيلي، في تقاريره التي بثها بشكل متواتر أمس، أن السعودية، والدول الأخرى المشاركة معها، قررت توجيه إنذار واضح لقطر لتحديد موقفها، إما معها أو ضدها.
وفي سياق نشره للأخبار المتواترة عن الأزمة، تلقف الإعلام الإسرائيلي بشكل بارز كل التهم التي كيلت لقطر، واعتبرها حقائق ناجزة لا تشكيك فيها، زاعماً أن قطر "تلعب لعبة مزدوجة"، بحيث تشارك مع السعودية في الحرب في اليمن، وفي التصعيد اللفظي ضد إيران، وضد النظام السوري، ثم تقوم سرا بالتعاون مع هذه الجهات.
وكتب المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، في تحليله اليوم، أن ما يصيب قطر اليوم هو عمليا "ترويض للدولة المتمردة"، مستهلا تحليله بالادعاء أن "قطر أبعدت من أراضيها ستة من كبار قادة الذراع العسكري لحركة حماس منذ عدة أسابيع"، وأنه "تم التكتم على ذلك، لأن أحدا من المعنيين بالأمر لم يرد ضجيجا، خلال زيارة الرئيس الأميركي (دونالد ترمب) للسعودية أواخر الشهر الماضي، من شأنه أن يؤثر في حالة الانسجام التي سادت في مؤتمرات القمة الثلاثة التي عقدت في السعودية".
وفي السياق، قال فيشمان إن "دولة قطر كانت تحوّل دعما ماليا لحركة حماس في قطاع غزة، عبر قناتين، الأولى علنية ومعروفة لإسرائيل وبموافقتها، والتي تم عبرها ضخ نحو 900 مليون دولار لإعادة ترميم قطاع غزة، (بعد عدوان "الجرف الصامد" عام 2014). والثانية سرية كانت أموالها تذهب لقيادة حماس والذراع العسكري فيها".
وأشار المتحدث ذاته إلى أن "الولايات المتحدة كانت وراء مطالبة القيادة القطرية بإخراج قادة حماس من الدولة، وأنه مع تنفيذ الدفعة الأولى لم تدرك قيادة الحركة حجم التغيير الحاصل في المنطقة بفعل إدارة ترامب، وأن الأخير عندما تحدث في السعودية عن حماس كواحدة من المنظمات الإرهابية (بحسب تعريف الولايات المتحدة)، فإنه كان يقصد من وراء ذلك رسالة واضحة موجهة بالأساس لدولة قطر، للتنصل من الحركة ودعمها لها".
وادعى فيشمان، كما باقي المعلقين في الصحف الإسرائيلية ووسائل الإعلام، أن "الاتهامات المصرية والسعودية لقطر هي حقائق، وذلك لإسباغ شرعية على الخطوات المعلنة ضد الدوحة"، زاعما أن "سياسة قطر الخارجية حملت عدة أوجه في الوقت ذاته، مثل محاولتها فتح قناة للحوار بين إسرائيل وحماس من جهة، وسعيها، في الوقت ذاته، إلى دعم الذراع العسكري للحركة، وتخريب محاولات التوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال العدوان الإسرائيلي عام 2014"، وهي فرية تقدمها وسائل الإعلام الإسرائيلي للتغطية على حقيقة إفشال مصر ودولة الاحتلال في حينه المبادرة القطرية التركية لوقف العدوان.
ولفتت الصحف الإسرائيلية، اليوم وأمس، إلى أن السعودية كانت الدولة الأبرز التي سعت منذ مدة إلى إقناع الإدارة الأميركية بأن قطر "تلعب لعبة مزدوجة"، وأنه آن الأوان لوقف هذه اللعبة، بحسب ما ذهب إليه آساف جبور في صحيفة "معاريف".
وعن هذا الأمر، يقول أليكس فيشمان، في "يديعوت أحرونوت"، إن السعودية التي حصلت على تفويض من الولايات المتحدة سوية مع مصر لقيادة كتلة سنية لمواجهة الخطر الشيعي الإيراني قررت "ترويض القطريين".
ورأت الصحف الإسرائيلية، الصادرة اليوم، أن "ما يحدث في الخليج هو هزة أرضية ستكون لها تداعيات بعيدة المدى"، وإن كانت أشارت إلى أن "الولايات المتحدة لا ترغب بأن يتم الدفع بقطر إلى أحضان معسكر إيران".
وربطت الصحافة الإسرائيلية مباشرة الأزمة مع قطر بمستقبل ومصير الأوضاع في قطاع غزة وحركة "حماس" كنتيجة لما يمكن للأزمة القطرية أن تفضي إليه في سياق مواصلة دعم الحركة ودعم قطاع غزة ماليا، في الوقت الذي يعيش القطاع وضعا اقتصاديا صعبا ينذر بكارثة إنسانية.
وكان لافتا، خلال الأيام الأخيرة، أن الصحف الإسرائيلية تجنبت الإشارة إلى أي دور إسرائيلي لافتعال الأزمة، فيما اكتفى تسفي برئيل في "هآرتس"، اليوم، بالإشارة إلى أن "محللين ومراقبين في قطر ربطوا بين الأزمة ونشوبها والعلاقة بين اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية، وبمشاركة مسؤولين أميركيين في الإدارات السابقة".
في المقابل، ذهبت مراسلة "يديعوت أحرونوت"، سمدار بيري، المعروفة بجمع الشائعات من لوبيات الفنادق، والتي تشبه تقاريرها القصص الرخيصة، إلى الادعاء بأن ما حدث كان كله نتاج قيام "طرف ما" بنقل معلومات استخباراتية سرية لقادة دول الخليج ورئيس نظام الانقلاب المصري، حول "مسار الأموال التي تخرج من قطر عبر طرق ملتوية، وصولا إلى المنظمات الإرهابية الإسلامية"، على حدّ وصفها.
وادعت بيري أن "هذا الطرف اهتم أيضا بأن يصوّر حقائب مملوءة بالأوراق المالية التي أرسلت إلى ليبيا والسودان، بهدف تنشيط عمليات تجنيد إرهابيين للعمل في سيناء ضد النظام المصري"، مدّعية أن "هذا الطرف" نجح في إثبات وجود بصمات لقطر في محاولات لإسقاط نظام الحكم في البحرين.
وأضافت مراسلة "يديعوت أحرونوت"، التي وصفت مراسم استقبال ترامب في الرياض بأنها "طقوس نفاق وتزلف"، أن الأزمة الجديدة في الخليج جاءت بعد وصول هذه المعلومة الاستخبارية التي أفقدت، بحسب تعبيرها، قادة الخليج صوابهم.
وانتقلت بيري بعد ذلك إلى التحريض على المفكر العربي، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عزمي بشارة، وإعلانه عن اعتزاله العمل السياسي والتفرغ للكتابة الفكرية والعلمية، فادعت أن بشارة ألقى بإعلانه هذا قنبلة، مع أن المفكر العربي أعلن أنه اعتزل العمل السياسي التنظيمي المباشر منذ سنوات، وتفرغ فعلا للبحث العلمي.
وادعت المتحدثة ذاتها أن بشارة يعمل مستشارا في الديوان الأميري للأمير الشاب، تميم بن حمد، (وهذا ما دحضه بشارة عدة مرات)، وأنه "أدرك اتجاه الرياح فقرر اعتزال العمل السياسي، فمن مثله يعرف ويذكر جيدا المعلومات التي جمعت ضده لإدانته واضطرته للخروج من البلاد. كما أن من جمعوا المعلومات قاموا بتعميم هذه الغنيمة الاستخباراتية مع الأجهزة الأمنية في المنطقة، وسارع هؤلاء لإغلاق الأبواب في وجهه، إلى أن هبط في قطر"، في إشارة إلى ملاحقة بشارة الأمنية من قبل إسرائيل بتهمة التعاون مع المقاومة أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان.
والحقيقة أن دول المنطقة لم تغلق أبوابها، بل على العكس، وأنه أقام في قطر بعد تأسيس مركز الأبحاث الذي يديره.
وخلصت بيري إلى القول، على غرار الخطاب السائد في الإعلام الإسرائيلي في هذه الأيام، إن الأزمة هي رسالة تحذير لأمير قطر: "صحيح أن قطر هي الدولة الأغنى في العالم، لكن الحاكم الذي قبض متلبسا يمكن له أن يتحول في كل لحظة على مواصلة درب محمد مرسي. وإذا لم ينحن، ولم يلتزم بوقف ألاعيب الإرهاب فسيكون مصيره السجن".