معارك "جيب منبج"... القوات الكردية تتمدد غرب الفرات

02 يونيو 2016
تتقدم القوات الكردية بمساعدة عسكريين أميركيين (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
تتسارع الأحداث الميدانية في الشمال السوري على مقربة من الحدود مع تركيا لتأخذ أبعاداً عدة في ظل التحديات السياسية التي تواجهها المعارضة قبيل بدء جولة محادثات جنيف الرابعة من جهة، وما تثيره المعارك من هواجس لدى المعارضة والجانب التركي على حد سواء، ولا سيما نتيجة القلق التركي من تقدم القوات الكردية في ريف مدينة منبج شرق حلب وغرب نهر الفرات، الأمر الذي تعتبره أنقرة خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، على حساب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بدعم جوي من التحالف الدولي.

وتواصل قوات "سورية الديمقراطية"، التي تشكل قوات "حماية الشعب" الكردية قوامها الأساسي، التقدم غرب نهر الفرات في ريف مدينة منبج شرق حلب أو ما يوصف بـ"جيب منبج" على حساب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مستفيدة من الغطاء الجوي الذي يوفره لها  طيران التحالف الدولي. وشنّ طيران التحالف غارات على مناطق سيطرة "داعش"، على الضفة الغربية من نهر الفرات، بشكل مكثف، ما جعل التنظيم ينسحب من بعض هذه المناطق، الأمر الذي أدى لتضرر كبير في البنية التحتية. لكن المعارك تترافق مع تحذيرات من موجة نزوح كبيرة للسكان العرب، والتي بدأت بالفعل تظهر أولى مؤشراتها مع بدء العملية العسكرية ضد "داعش" يوم الاثنين الماضي، والتي نجم عنها اشتباكات عنيفة بين القوات الكردية والتنظيم في عدد من القرى بريف منبج الجنوبي الشرقي، ترافقت مع غارات للتحالف إلى نزوح عدد كبير من سكانها.

وأعلن التحالف الدولي، أمس الأربعاء، أنه شنّ 18 غارة جوية على مواقع التنظيم في منبج، حيث فتحت جبهة جديدة ضد مسلحين "داعش"، وفقاً لبيان التحالف. وبحسب حصيلة القيادة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، فإن هذه الغارات دمّرت، أول من أمس الثلاثاء، "مركز قيادة، وأبراج اتصالات، وستة جسور يستخدمها التنظيم، وثمانية مواقع قتالية".

ويقول الناشط الإعلامي أحمد المحمد لـ"العربي الجديد" إن قوات "حماية الشعب" الكردية تمكّنت، أول من أمس الثلاثاء، من الوصول إلى أطراف بلدة أبو قلقل التي تبعد أربعة عشر كيلومتراً جنوب شرق منبج، لتندلع اشتباكات عنيفة بين "داعش" والقوات الكردية في محيط البلدة طوال الليل من دون أن تنجح القوات الكردية بالدخول إلى البلدة التي يتحصن فيها مسلحو "داعش". 

في المقابل، سيطرت القوات الكردية، خلال اليومين الماضيين، على المنطقة الممتدة من سد تشرين إلى بلدة أبو قلقل في ريف منبج الجنوبي الشرقي، بالإضافة إلى سيطرتها على قرى عدة على ضفة الفرات الغربية أهمها؛ الحلولة، والجديدة، وسجنة، وشاش البوبة، والحمادات، وجب الشيخ عبيد، والبلاشة، والعلوش، وجنف الأحمر، وخشاخيش، وبير العمال، ومنيهال، وأبو صفا، ورميلات، ورميلا، وحجي علي، ونوقوت علي، وخربة الروس.

وأدى قصف طائرات التحالف الدولي على قرية السكاوية، التي يسيطر عليها التنظيم في منبج وريفها، أول من أمس الثلاثاء، إلى مقتل مدني وإصابة آخرين، بحسب مصادر طبية في المنطقة. كما استهدف طيران التحالف الدولي أطراف مدينة منبج الشمالية بست غارات جوية، أول من أمس الثلاثاء، ما أدى إلى تضرر الطريق الذي يصل مدينة منبج ببلدة جرابلس شمالاً، ووقوع أضرار مادية كبيرة في المباني السكنية والورش الصناعية في المنطقة. وأدت غارة جوية يُعتقد أن طائرات التحالف شنتها على مبنى سكني في حي الحواتمة بمدينة منبج، يوم الثلاثاء، إلى مقتل عائلة مكوّنة من ستة أشخاص، بحسب مصادر طبية في المدينة.





وواصلت طائرات التحالف الدولي غاراتها على مناطق سيطرة التنظيم في منبج وريفها، أمس الأربعاء، ما أدى إلى دمار جسر عون الدادات الواقع على نهر الساجور أحد روافد نهر الفرات في ريف منبج الشمالي. كما دمرت غارات التحالف الدولي جسور المحسنلي، وعرب حسن، والحلونجي، والتوخار الواقعة على نهر الساجور، والتي تربط مناطق ريف جرابلس شمالاً بمناطق ريف منبج جنوباً، بحسب مصادر محلية في المنطقة تحدّثت لـ"العربي الجديد".

ووفقاً لمراقبين، فإنّ تدمير طيران التحالف الدولي لجميع الجسور على نهر الساجور يعني قطع الطرقات بشكل كامل بين منطقتَي جرابلس ومنبج الواقعتَين تحت سيطرة "داعش"، ما يدفع الأخير للانتقال شرقاً نحو ريف منطقة الباب للتنقل بين منطقتَي منبج وجرابلس. ويمتد تأثير هذا الدمار في البنية التحتية على سكان المنطقة الذين يعتمدون على هذه الجسور التي تم تدميرها في تنقلاتهم بين القرى.

في غضون ذلك، تواصل نزوح السكان في ريف منبج مع تقدم القوات الكردية، إذ نزح سكان أكثر من عشرين قرية في ريف منبج الجنوبي الشرقي باتجاه مدينتَي منبج والباب الواقعتَين تحت سيطرة "داعش". وينذر هذا النزوح الذي بدأ، في الأيام الثلاثة الأخيرة، في ريف منبج بموجة نزوح كبيرة وغير مسبوقة قد تشهدها مناطق ريف حلب الشرقي، في حال تواصل تقدم القوات الكردية المتلازم مع غارات التحالف الدولي. ويقطن مدينة منبج، حالياً، ما لا يقل عن نصف مليون نسمة من سكان المدينة والنازحين إليها. وتعتبر من أكبر مدن ريف حلب على الإطلاق. وتعد منذ عام 2012 مقصداً للنازحين من مختلف مناطق ريف حلب بحكم انخفاض وتيرة القصف الجوي عليها نسبياً.

كما يهدد النزوح سكان ريف منبج وسكان مناطق جرابلس والباب، الأمر الذي يجعل عدد المهددين بالنزوح مع تواصل العملية العسكرية التي يدعمها التحالف الدولي في المنطقة بريف حلب الشرقي، يتجاوز المليون نسمة، وفقاً لمراقبين. ولا يمكن تكهّن وجهة هؤلاء النازحين مع استمرار إغلاق تركيا حدودها، حيث يوجد عشرات الآلاف منهم في منطقة أعزاز بريف حلب الشمالي، منذ شهر فبراير/شباط الماضي.

ويُنبئ استمرار العملية العسكرية التي تقودها القوات الكردية بغطاء التحالف الدولي الجوي، بتنفيذ الخطة القاضية ببسط القوات الكردية سيطرتها على مناطق ريف حلب الشرقي، ومن ثم ريف حلب الشمالي، بحيث تصل مناطق سيطرتها إلى شرق سورية في منطقة عفرين شمال غرب حلب. وبالتالي، تصبح مناطق سيطرة القوات الكردية شمال سورية قطعة جغرافية واحدة، الأمر الذي يعني عدم التفات التحالف الدولي إلى "الخط الأحمر التركي" الذي كان يقضي بعدم عبور القوات الكردية نهر الفرات باتجاه ضفته الغربية.