تدخل واشنطن في أسبوع فارق وضاغط أكثر من أي وقت مضى على الرئيس دونالد ترامب.
الإغلاق الحكومي بدأ أسبوعه الرابع ولا يزال في الطريق المسدود من دون بوادر انفراج قريب، والاتصالات بين البيت الأبيض والكونغرس مقطوعة حول هذا الملف منذ الخميس الماضي، كما أن خروج الرئيس من ورطة الجدار الحدودي، وفق شروطه، باتت أقرب إلى الاستحالة، وأكثرية الرأي العام، 56% حسب آخر استطلاع، ضدّ هذا المشروع، وغالبية يستقوي بها خصومه الديمقراطيون في الكونغرس لمنع تمويل الجدار، وحتى بعض الجمهوريين بدأوا يجاهرون بمعارضته لتشبث الرئيس في هذا الموضوع.
وسط هذا الانسداد، كشفت "نيويورك تايمز" أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف.بي.آي) باشر، منذ صيف 2017، التحقيق فيما "إذا كان الرئيس ترامب قد عمل بالسر لخدمة مصالح روسيا"، أي فيما إذا كان قد تصرف بعد توليه الرئاسة "كعميل لموسكو".
رواية كان لها وقع الصاعقة، خاصة وأنه لم يصدر أي نفي سوى من جانب البيت الأبيض وأنصاره الذين اتهموا، وإن غير مباشرة، مكتب التحقيقات الفدرالية بـ"الكيدية ومحاولة الانتقام من الرئيس"، رداً على إقالته لمديرها جيمس كومي؛ علماً أن تحقيقات المكتب تشرف عليها وزارة العدل ويطلع عليها الكونغرس.
شبهة لم يسبق أن حامت ولو بالتلميح فوق أي رئيس أميركي.
ومع أنه ليس هناك ما يشير إلى ثبوت هذه التهمة، ولا إلى استمرار التحقيق، إلا أن مجرد فتح مثل هذا الملف أو الحديث عن فتحه حرّك الظنون والتساؤلات التي راكمتها قضية التحقيقات الروسية حول وجود "شيء ما" يقف وراء العلاقة الحميمة بين الرئيس ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والتي انعكست باستمرار في "دفاع" الأول عن الثاني في شتى القضايا، أو على الأقل في تحاشي انتقاده في كل مناسبة.
وعلى خلفية هذا السلوك المريب، جاءت الرواية لتعزز الشكوك بوجود "دخان" ولو أنه لم يعثر بعد على النار.
ساعد في هذا الربط ما تسرب قبل أيام من أن مدير حملة ترامب الانتخابية بول مانافورت، الذي ينتظر صدور الحكم بسجنه، "قام آنذاك بنقل معلومات عن سير حملة انتخابات الرئاسة لعام 2016 إلى جهات روسية قريبة من الكرملين".
وصبّ في هذا المجرى ما نقلته "واشنطن بوست" قبل يومين بأن الرئيس احتفظ لنفسه، خلافاً للأصول والعرف، بمحضر محادثاته الثنائية التي أجراها في لقاءاته الخمسة مع الرئيس بوتين، وأوعز إلى المترجم بعدم البوح لأحد بأي من تفاصيلها.
معلومة أخرى عززت الارتياب، وبما دفع البعض إلى دق ناقوس الخطر والتعبير عن مخاوفها بلغة الانذار.
جون ماكلوغلن، القائم بأعمال مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه) سابقاً يقول: "إننا الآن في وسط أزمة خطيرة جداً يعيشها هذا البلد".
قلق يشاركه فيه جمهور واسع من النخب والأقطاب التي تعبر عن خشيتها من تداعيات الانكشافات الروسية التي ليس بوسع أحد أن يقف في وجه تدفقها، والتي من المتوقع أن تبلغ ذروتها في تقرير المحقق مولر غير البعيد صدوره.
وحده الرئيس ترامب قد يقلب الطاولة بإجراءات مفاجئة غير مستبعدة في زمن الانسدادات التي تعيشها واشنطن، كأن يتخلص من المحقق روبرت مولر قبل إنجاز تقريره على يد وزير العدل الجديد وليام بار، المتوقع أن يوافق مجلس الشيوخ على تعيينه هذا الأسبوع أو المقبل. أو كأن يلجأ إلى قرار خارجي من العيار الكبير لحرف الأضواء وشراء الوقت، يكون الشرق الأوسط ساحته.
وفي هذا المجال، توقف المراقبون، وبكثير من الحيرة، عند جولة الوزير مايك بومبيو في المنطقة، لما انطوى عليه خطابه من غموض تراوح بين الناقض والمنقوض، وكأن في جعبته ترتيبة أو مفاجأة يريد طمس ملامحها؛ وإن كانت أوساط كثيرة تضعها في خانة السياسة الخارجية المضطربة كاضطراب وضع رئاسة ترامب في الداخل.
ما يجمع عليه العارفون والمراقبون في واشنطن أن الرئيس ترامب لن يتردد في لعب أي ورقة تغير قواعد اللعبة، ولو مؤقتاً، كما يجمعون في غالبيتهم على أن روسيا قد تتحول إلى صداع كبير لرئاسته.