مؤتمر اليمين الشعبوي الأوروبي: تحريض واستفزاز وهبّة شوفينية

26 يناير 2017
أثبت زعماء اليمين الشعبوي حضورهم السياسي في أوروبا(Getty)
+ الخط -
لم يكن المشهد في مؤتمر الأحزاب اليمينية الشعبوية الأوروبية، الذي انعقد الأسبوع الماضي في مدينة كوبلنتس، غرب ألمانيا، مطمئناً للعديد من القادة والمسؤولين الأوروبيين. ولم يتأخر الإعلام الأوروبي في وصف ممثلي تلك الأحزاب من ألمانيا وفرنسا وهولندا والنمسا، الذين حضروا المؤتمر، باعتبارهم "قادة أوروبا الجديدة الذين يسعون لتحمل مسؤولية الحكم في بلدانهم". هذا الواقع بات يقلق الأحزاب والتيارات المحافظة في أوروبا، بعدما أثبت زعماء اليمين الشعبوي حضورهم السياسي. والقاسم المشترك بين رئيسة حزب "البديل من أجل ألمانيا"، فراوكه بيتري، وزعيمة حزب "الجبهة الوطنية" في فرنسا، مارين لوبان، وزعيم حزب "الحرية" الهولندي، غيرت فيلدرز، وممثل حزب "الحرية" النمساوي، هارالد فيليمسكي، وزعيم حزب "رابطة الشمال" الإيطالي، ماتيو سالفيني، يتمثل في أنهم يبذلون جهوداً لتغيير جذري في أوروبا عبر استخدام شعارات شعبوية تهدف إلى استقطاب الجمهور المحبط، وأغلبه من العمال والشباب.

وفي هذا الإطار، يقول المراقبون إن المخاوف لدى المحافظين في أوروبا بدأت في التوسع في ظل حديث اليمين الشعبوي عن "هبّة وطنية شوفينية أوروبية"، وذلك بعد ظهور تحركات أحزاب هذا اليمين عبر الحدود الأوروبية وتنظيمه تجمعات في الأماكن العامة وأمام وسائل الإعلام. ولا يخفي هؤلاء أن نوايا المجتمعين في كوبلنتس الألمانية، الأسبوع الماضي، كان إرسال إشارات لبدء الحملات الانتخابية المقبلة. وقد أكدت بيتري في كلمتها خلال المؤتمر، أن "حرية الفرد في أوروبا بخطر، وعلينا التحلي بالشجاعة للتفكير بأوروبا من جديد"، محذرةً من أن مستقبل أوروبا "سيصبح على المحك إذا لم نبدأ بحياة جديدة"، وفق تعبيرها. وطالبت لوبان باعتماد مقاومة سياسية، مشددةً على ضرورة رفض "التوزيع العشوائي للسكان"، ومؤكدة أن عام 2017 سيكون عام الصحوة لأوروبا، بعدما شهدت سنة 2016 صحوة البريطانيين، بحسب وصفها. ولم تتردد لوبان في التوجه إلى المشاركين في المؤتمر من حزب "البديل"، والذين قدر عددهم بـ800 شخص، بالقول" "أنتم مستقبل ألمانيا". أما الهولندي فيلدرز فادّعى، في تصريحات تحريضية معروفة عنه، أن "الأحزاب الراسخة في أوروبا تروج للأسلمة"، زاعماً أن "النساء الأوروبيات أصبحن خائفات من إظهار شعرهن الأشقر"، معتبراً أن ألمانيا تحتاج فراوكه بيتري بدلاً من (المستشارة) أنجيلا ميركل.


ويقول خبراء في علم الاجتماع أن المبالغة في الحملات ضد الإسلام والتنوع في أوروبا، يهدد القيم الأوروبية والمساواة وحرية التعبير والتسامح، في ظل التحول الذي بات مألوفاً لدى المزيد من المواطنين ضد الأنظمة السياسية القائمة ومبادئها. وتعليقاً على خطاب اليمين الشعبوي القائم على معاداة السامية والكراهية للأجانب وتقييد الحرية الدينية للمسلمين، يتساءل المراقبون ما إذا كان من شأن هذا الخطاب أن ينتج استقراراً في أوروبا.

ويقول خبراء في الشؤون الداخلية الأوروبية أن اليمين الشعبوي يحاول الاستفادة من وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في أسرع وقت ممكن، وذلك عبر البدء بالجولات التمهيدية والتحضير للانتخابات المقررة في عدد من الدول الأوروبية هذا العام. ومن المتوقع أن تشهد العمليات الانتخابية زخماً وحماوة خلال الأشهر القليلة المقبلة. ولا يستبعد الخبراء أن يساهم التجييش المرتقب ضد الأحزاب التقليدية في إحداث تغييرات جذرية في المشهد السياسي في أوروبا مع ما تظهره استطلاعات الرأي من تقدم لفيلدرز في هولندا، وفرصة جيدة للوبان لخوض الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في فرنسا. ويشير هؤلاء إلى أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" سيتمتع بمرونة أكبر في التحرك مع دخوله البرلمان الاتحادي الألماني في الخريف المقبل، إضافة إلى حضور أحزاب وقوى سياسية أخرى معادية لأوروبا ومنها حزب "الاستقلال" البريطاني، وحركة "خمس نجوم" في إيطاليا، وحزب "فيدس" في المجر.

في المقابل، يلفت المحللون إلى أن التعاون عبر الحدود بين اليمين الأوروبي الشعبوي هو تطور حديث نسبياً، على الرغم من الاختلاف في برامجها إلى حد كبير وفي الكثير من الملفات. إلا أن رئيس مكتب مؤسسة "فريدريش إيبرت"، مؤلف كتاب "الشعبوية اليمينية في أوروبا"، إرنست هيلبراند، يرى أن هذه التيارات والأحزاب تجتمع بشكل واضح على القومية ورفض الاتحاد الأوروبي والتعددية الثقافية. ويشير إلى أن هذه الأحزاب تلتقي أيضاً في استخدامها لتكتيكات تهدف إلى زيادة السخط الشعبي ضد الحكام، وتذكير الناخبين عبر خطاباتهم بهمومهم الاقتصادية وثقافتهم الاجتماعية التي أصبحت غير آمنة بنظرهم، وهذا مجرد براغماتية، وفق المؤلف.

ويؤكد مراقبون أن استراتيجية هذه الأحزاب تقوم على الاستفزاز والتضليل بدلاً من استكشاف الأخطاء وإصلاحها، علماً أن هناك الكثير من النقاط والملفات القابلة للنقاش، ومنها قضايا الأمن والهجرة والإسلام والديمقراطية والهوية الوطنية، مع الإقرار بوجود اختلافات على نقاط أخرى متعلقة بالضرائب العادلة والمعاش التقاعدي واشتراكات التأمين الصحي.

يشار إلى أن احتجاجات شعبية رافقت انعقاد مؤتمر الأحزاب اليمينية المتطرفة، وشارك فيها عدد من الساسة الألمان والأوروبيين من مختلف الأطراف. وقدرت الشرطة عدد المشاركين بحوالي 2000 شخص تجمعوا أمام محطة القطارات الرئيسية في كوبلنتس. وأعلن المشاركون أن التظاهرة هي من أجل الحرية والتماسك والتسامح في ألمانيا، ومن أجل أوروبا موحدة ومنفتحة على الآخر.
المساهمون