تضارب المصالح يربك التحضيرات لمعركة الموصل... والتأجيل وارد

25 سبتمبر 2016
تلجأ الحكومة للبشمركة والمليشيات في المعركة (يونس كيليس/الأناضول)
+ الخط -
لا تُقرأ معركة الموصل المرتقبة والتي ترزح تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش) منذ أكثر من عامين، على أنّها معركة تحرير فقط، فالمنظور الحقيقي للمعركة ليس عسكريّاً بقدر ما هو سياسي، إذ بات مصير المحافظة اليوم على المحك، مع الأطماع القومية والطائفية والأجندات السياسيّة وتضارب المصالح ومحاولة تعويض الخسائر السياسية برسم خريطة الموصل الجديدة، ما يعزز احتمالات تأجيل معركتها المرتقبة.
ودفع عدم وجود قوات حكومية وطنية في العراق قادرة على تحرير الموصل، الحكومة إلى اللجوء إلى المليشيات والبشمركة الكردية للحصول على دعمها في المعركة المنتظرة، لكنّ هذه الجهات لا تعمل من دون تحقيق مصلحة لها فهي تقاتل لأجل تحقيق مكاسبها الخاصة.
ويمثّل الصراع السياسي والمساعي لتحقيق المغانم أحد أوجه هذه المعركة الحساسة، فخسارة الأكراد التي تجسدت بإقالة وزير المال هوشيار زيباري وخسارة المحافظ السابق لنينوى أثيل النجيفي لمنصبه وشقيقه أسامة النجيفي لمنصبه كنائب لرئيس الجمهورية، دفعت الطرفين إلى التعاون لتحقيق مصالح تعوضهما عن خساراتهما على حساب الموصل، الأمر الذي جعل من تقسيم المحافظة بعد التحرير أمراً مرجحاً بشكل كبير، وفق مراقبين، كما سيؤثر على توقيت المعركة.
وقال النائب عن المحافظة عبد الرحيم الشمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّه "بعد تحرير بلدة الشرقاط أصبحت القوات العراقية جاهزة لتحرير الموصل وإنقاذ أهلها من سيطرة تنظيم داعش"، مشيراً إلى "وجود مشكلة حقيقية تعترض طريق المعركة وقد تؤثّر على المعركة وتعطّلها، تتمثّل بسيطرة البشمركة على عدد من مناطق المحافظة ومحاولة اقتطاعها من الموصل بالتعاون مع محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي".
وأشار إلى أنّ "الأكراد والنجيفي يتخوّفون اليوم من دخول القوات العراقية إلى الموصل وتحرير المحافظة، ويسعون بكل جهدهم لتعطيل ذلك أطول فترة ممكنة لتحقيق مكاسب على حساب المحافظة"، معرباً عن أسفه لأنّ "واشنطن تسمع للأكراد ولا تهمل رأيهم، الأمر الذي يجعل من تأجيل المعركة أمراً وارداً". ودعا الشمري رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى "تجاوز كل هذه العوائق ووضع خطة التحرير وإطلاقها بتوقيتها المحدد، وعدم ترك الفرصة للأكراد وغيرهم لتحقيق أجنداتهم الخاصة على حساب المحافظة".
ويرفض التحالف الوطني الحاكم في البلاد محاولات تقسيم الموصل وتجزئتها، لتبقى محافظة كاملة تحت سيطرة الحكومة المركزية التي ليس لها مصلحة في تقسيم المحافظة. ودعا رئيس كتلة الفضيلة البرلمانية المنضوية ضمن التحالف الوطني عمار طعمة، جميع القوى والأطراف المحلّية والدولية إلى "الالتزام باحترام صلاحيات الحكومة الاتحادية بقيادة وتوحيد كافة التشكيلات العسكرية والأمنية العراقية في عملية تحرير مدينة الموصل، دون أي تدخّل أو تقاطع مع إرادة الحكومة الاتحادية".
وطالب طعمة في بيان صحافي، قيادة إقليم كردستان بـ"مراعاة الصلاحيات الدستورية لرئيس الحكومة حيدر العبادي، وأن تربط قوات البشمركة بأوامر وتوجيهات العبادي، وحسب ما يراه ويحدّده في بداية معركة التحرير وبعد إكمالها"، مؤكداً أهمية أن "يمثّل تحرير الموصل هدفاً وطنياً جامعاً يتطلب إنجازه تكاتف الجهود ووحدة المواقف وتنسيق الخطوات من جميع القوى السياسية ومكوّنات المجتمع العراقي".


ودعا العشائر والفعاليات الاجتماعية المؤثرة في المحافظات التي حرّرت والتي سيكتمل تحريرها إلى "تطويق أي صراعات يمكن أن تنشأ بعد تحرير الموصل، كردود أفعال على بطش داعش والمتعاونين معه، وذلك من خلال تأسيس مجالس حكماء وأعيان في تلك المحافظات تعالج التصدع والشرخ الاجتماعي الذي أحدثه داعش بين أبناء المدينة والعشيرة الواحدة، وأن تتضافر الجهود لتفعيل القانون والقضاء في المحاسبة والمساءلة وإنصاف ضحايا التنظيم".
وتوجّه طعمة إلى البرلمان، داعياً إيّاه إلى "اتخاذ قرارات تصون وحدة العراق وتمنع تفتيت المناطق المحرّرة، والحفاظ على أمن العراق والعراقيين وأن يكون مترابطاً لا يمكن تجزئته".
وتعليقاً على هذا الموضوع، رأى الخبير السياسي عبد الرحمن الجميلي، أنّ "الصراع السياسي الحالي أربك أوراق معركة الموصل، وهو يدفع باتجاه تأجيلها". وقال الجميلي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "إقالة وزير المالية أخيراً، أثّر بشكل سلبي على مجمل العلاقات بين بغداد وأربيل، وبالتالي على توافقات الطرفين بشأن معركة الموصل المرتقبة"، لافتاً إلى أن "الأكراد شكّلوا وفداً للتفاوض مع رئيس الحكومة حيدر العبادي وقدّموا تنازلات كبيرة لأجل عدم إقالة زيباري، واتفقوا على المشاركة بمعركة الموصل، لكنّ إقالة الوزير نسفت كل تلك الجهود والاتفاقات، ودفعت الأكراد إلى السعي لتعويض هذه الخسارة من خلال تحقيق مكاسب في الموصل".
وأوضح أنّ "البحث عن تعويض الخسائر وحّد بين الأكراد ومحافظ الموصل المقال أثيل النجيفي وشقيقه أسامة النجيفي الذي خسر منصب نائب رئيس الجمهورية، واليوم يسعى الطرفان لتأخير المعركة ورسم ملامحها المستقبلية"، مشيراً إلى أنّ "الطرف الشيعي في بلدة تلعفر في الموصل يُعدّ الجهة الأكثر خسارة من ذلك، لأن انفصال تلعفر لا يقدّم له الكثير، فهو يسعى لرفض هذا التقسيم بكل الأحوال".
ورجّح الجميلي أنّ "يؤثّر صراع المصالح المحتدم على كل تفاصيل المعركة وليس فقط على توقيتها"، مشيراً إلى أن "الحكومة مجبرة اليوم على عدم تجاوز الطروحات الكردية، خصوصاً أنّها حرّرت عدداً من مناطق أطراف الموصل وفرضت سيطرتها عليها مسبقاً، الأمر الذي يفتح الباب أمام طروحات جديدة قد تجد طريقها للقبول على حساب الموصل وأهلها الأسرى تحت سيطرة داعش".
وبعد تحرير بلدتي القيارة والشرقاط الحدوديتين مع الموصل من جهتها الجنوبية، بدأ العد التنازلي لإطلاق معركة الموصل التي مضى نحو 28 شهراً على سيطرة التنظيم عليها. وتتجه أنظار العراقيين والعالم نحو المدينة التي لم تستطع القوات العراقية الوصول إليها طوال هذه المدّة، وسط مخاوف من نتائج وتداعيات المعركة والجهات التي ستشارك بها وأجنداتها الخاصة ومصير أهالي المحافظة المحاصرين فيها بين نيران "داعش" ونيران القوات المختلفة التي تقابلها.

المساهمون