ريف حماة الشمالي... عيّنة عن عجز روسيا والنظام السوري

29 أكتوبر 2016
يشهد ريف حماة مواجهات دائمة (عبد الغني أريان/الأناضول)
+ الخط -
يواصل الطيران الروسي، إلى جانب مقاتلات النظام السوري، قصف ريف حماة الشمالي، بشكل يومي، ضمن مخطط يهدف إلى إنهاك فصائل المعارضة السورية المسلحة وتمهيد الطريق لقوات النظام والمليشيات التي تقاتل إلى جانبه للتقدم على الأرض واستعادة مناطق خسرتها خلال معارك بدأتها المعارضة منذ نحو شهرين. على الرغم من ذلك تؤكد مصادر في المعارضة أن القصف الجوي المتكرر لن يكسر إرادتها، وأنها ستتحول من الدفاع إلى الهجوم. وتحول ريف حماة الشمالي إلى الشاهد الأبرز على عجز قوات نظام بشار الأسد والمليشيات الموالية له، إذ فشلت على مدى سنوات في إخضاع هذا الريف على الرغم من القصف الجوي اليومي الذي أدى إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين، وتهجير أغلب السكان، وتدمير مدن كاملة، أبرزها مورك، واللطامنة، وكفرزيتا.
وأشار الناشط الإعلامي، شحود جدوع، إلى أن الطيران الحربي والمروحي يستهدف يومياً مناطق ريف حماة الشمالي، منها صوران، وطيبة الإمام. ويركز قصفه على مواقع لـ"جيش العزة"، أبرز فصائل المعارضة في هذا الريف الملتهب منذ أكثر من أربع سنوات، ويعد من أهم معاقل المعارضة في سورية.
وفي السياق، أفاد مركز حماة الإعلامي بأن الطيران المروحي ألقى يوم الثلاثاء براميل متفجرة على مدينتي اللطامنة وكفر زيتا في ريف حماة الشمالي. من جهته، أشار المتحدث باسم جيش النصر، محمد رشيد، إلى أن الأخير يستهدف يومياً مواقع قوات الأسد والمليشيات الطائفية في ريف حماة الشمالي بقذائف الهاون، والمدفعية، موضحاً أن مقاتلي جيش النصر دمروا الثلاثاء دبابة لقوات النظام على جبهة معردس بصاروخ "تاو" مضاد للدروع.



وكانت فصائل تابعة للمعارضة، أبرزها جيش العزة، وجيش النصر، قد بدأت معركة شارك فيها فصيل جند الأقصى (بايع جبهة فتح الشام قبل فترة)، أواخر شهر أغسطس/آب الماضي في ريف حماة الشمالي. وهدفت المعركة إلى التخفيف عن مدينة حلب، وضرب قوات النظام والمليشيات في معقلها الأبرز في وسط سورية المتمثل في مدينة حماة. يومها تمكنت المعارضة، خلال أيام قصيرة، من دحر قوات النظام والمليشيات. وسيطرت على العديد من المدن الهامة في ريف حماة الشمالي منها: صوران، وطيبة الامام، ومعردس، وحلفايا، إضافة إلى قرى البويضة، والناصرية، والمصاصنة، وقرى في منطقة الأزوار منها زور الحيصة، وزور المحروقة.

وتسبب تقدم المعارضة الواسع في إرباك كبير في صفوف قوات النظام وحلفائه، لا سيما بعدما أصبحت حماة ومطارها العسكري يومها في مرمى نيران المعارضة التي كانت على بعد 8 كيلومترات فقط عن المدينة، التي تعد رابع المدن السورية من حيث الأهمية بعد دمشق، وحلب، وحمص. لكن خلافاً دامياً تفجر أواخر الشهر الماضي بين جند الأقصى المشارك في معارك حماة وبين حركة أحرار الشام الإسلامية، ما أدى إلى تعثر المعارك وتراجع فصائل المعارضة عن مناطق سيطرت عليها لصالح قوات النظام التي استغلت الخلاف الدامي واستعادت زمام المبادرة، منتزعة مدينة معردس وقرى عدة حولها. وأدى انسحاب جند الأقصى إلى توقف معارك شمال حماة. ووفقاً للمحلل العسكري، العقيد مصطفى بكور، فإن هذا الفصيل كان "يحمل العبء الأكبر من العمليات الهجومية ضد قوات النظام". وأوضح بكور في حديث إلى "العربي الجديد" أن جيش العزة، وهو الفصيل الأقوى بين فصائل الجيش الحر في ريف حماة الشمالي، "انتقل من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع، إذ يعمل على تغطية نقاط الرباط التي انسحب منها فصيل جند الأقصى. وقد جعله هذا الأمر يحمل عبئاً أكثر من قدرته، وبالتالي توقفت العمليات الهجومية ضد النظام في الوقت الراهن".

تمتلك جبهة مدينة حماة أهمية استراتيجية للمعارضة والنظام على حد سواء، إذ تتحكم بوسط سورية بشكل كامل، لذا جعل منها النظام مستقراً كبيراً لقواته، ومليشيات طائفية وعصابات الشبيحة. كما تنبع أهمية مدينة حماة من وجود مطار عسكري بالقرب منها يعد من أهم المطارات العسكرية لدى نظام الأسد. وتقلع منه طائرات حربية ومروحية يومياً لقصف ريف حماة الشمالي، ومحافظة ادلب، وحلب وريفها. ويعتبر مطار حماة من المطارات التي تُوصف بـ"القذرة"، إذ تنطلق من مدرجاته، منذ بدء الثورة، الطائرات الحربية والمروحية التي ارتكب طياروها المجازر في كل أنحاء سورية. كما يضم المطار أكبر معامل تصنيع البراميل المتفجرة، سلاح النظام الأكثر فتكاً بحق المدنيين السوريين. ووفقاً لبكور، وهو طيار منشق عن جيش النظام، يوجد في حماة أيضاً أكثر من قاعدة روسية منها في نادي الفروسية، وأخرى في كتيبة الصواريخ في معردس". كذلك لفت إلى أن مدينة حماة "تعد خزاناً كبيراً للشبيحة، ونقطة انطلاق لهم وللمليشيات الطائفية متعددة الجنسيات باتجاه الشمال السوري عن طريق خناصر الذي يصل بين حماة وحلب".

وبحسب بكور فإن احتمال عودة المعارك في ريف حماة الشمالي "بسيط حالياً"، معرباً عن اعتقاده بأن "عمليات التحرير لن تطاول المدينة بسبب وجود خلافات كبيرة بين مختلف الفصائل على هذه النقطة"، على حد قوله. 
ويعد جيش العزة في مقدمة فصائل المعارضة المقاتلة في ريف حماة الشمالي. ويُوصف بأنه "الأكثر تنظيماً" مقارنة ببقية الفصائل التابعة للمعارضة. وكان له الدور الأبرز في طرد قوات النظام من مناطق واسعة في ريف حماة الشمالي منها مدينة مورك الاستراتيجية في عام 2014. كما تصدى في أواخر العام الفائت لأكبر حملة عسكرية قامت بها قوات الأسد على هذا الريف بعد أيام من بدء التدخل العسكري الروسي المباشر.

وأعلن عن ولادة جيش العزة، بوضعه الراهن، عام 2015 بعد انضمام العديد من الفصائل والكتائب إليه. استطاع استقطاب ضباط منشقين عن جيش الأسد يمتلكون خبرات عسكرية عالية في التدريب والمواجهة وقيادة المعارك. وأوضح المتحدث باسمه، النقيب مصطفى معراتي، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، أن قوات النظام تحاول يومياً التقدم لاستعادة المناطق التي خسرتها في الشهرين الأخيرين. ولفت إلى أن سماء المنطقة لا تخلو من وجود أربع طائرات يومياً بين حربية ومروحية تقصف مدنيين "من أجل كسر معنويات مقاتلي المعارضة، والتأثير عليهم"، على حد قوله. ووفقاً لمعراتي فإن قوات النظام على الأرض تتكبد كل يوم خسائر فادحة بالأرواح، على الرغم من قيامها باستخدام كل أنواع الأسلحة بما فيها سلاح الطيران الروسي. وأشار إلى أن الأهداف التكتيكية لمعارك حماة تتمثل في السيطرة على المدينة ومطارها. والهدف الاستراتيجي هو "سورية كلها". وأكد أن المعارك مستمرة، مضيفاً "نحن الآن في مرحلة دفاع، وقريباً نتحول إلى الهجوم".

وتعد حماة، التي يحلو للسوريين تسميتها "مدينة النواعير"، نسبة إلى نواعير المياه التاريخية الموجودة على نهر العاصي الذي يمر من وسطها، المحافظة السورية الرابعة لجهة عدد السكان بعد دمشق وحلب وحمص. وكان تعداد سكان المدينة وريفها قبل بدء الثورة يقدر بنحو مليون و700 ألف. لكن الناشط الإعلامي، شحود جدوع، قال في حديث مع "العربي الجديد" إن عدد سكان المدينة تحديداً تضاعف خلال العامين الأخيرين بسبب نزوح عدد كبير من المناطق الملتهبة إليها، خصوصاً من الموالين للنظام.

المساهمون