تلويح تركي بالقضاء على "النصرة": قطع الطريق على الروس


22 سبتمبر 2019
تركيا جاهزة للعمل العسكري في إدلب(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

تتزايد المؤشرات التي تفيد باحتمال توجّه تركيا للتعامل عسكرياً مع "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً)، للحيلولة دون تصعيد كبير من قبل الجانب الروسي ستكون نتائجه كارثية على الشمال الغربي من سورية، وعلى أنقرة التي ألمحت، للمرة الأولى، أنها ربما تكرر سيناريو "غصن الزيتون"، الذي نفذته في منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي العام الماضي، في محافظة إدلب، ما يعني الدخول بمواجهة مع "الهيئة" التي يشتد الخناق عليها، بحيث انعدمت خياراتها للمناورة، فإما التفكيك أو الاجتثاث.

وقال ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه من الوارد أن يتكرر سيناريو السيطرة على مدينة عفرين في إدلب، مشيراً إلى أن بلاده لن تصبر إلى ما لا نهاية على ما يحدث في المحافظة، وهو ما أكدته أيضاً مصادر في وزارة الخارجية التركية لـ"العربي الجديد". وأوضح أقطاي، في مقابلة على قناة "حلب اليوم" السورية المعارضة، يوم الجمعة الماضي، أن "تركيا تبذل كل جهدها لتحقيق الاستقرار في إدلب، لكن وجود هيئة تحرير الشام يعطي ذريعة لروسيا والنظام من أجل القصف، وتركيا لا تستطيع أن تحافظ على إدلب في ظل وجودها". وأضاف أن بلاده تتمسّك بنقاط المراقبة في المنطقة ولن تتخلى عنها، لأن وجودها يهدف إلى تنظيم الوضع الديمغرافي، لافتاً إلى احتمال التحرك عسكرياً ضد "هيئة تحرير الشام" وأنه قد يكون مطروحاً على الطاولة. وأشار إلى أن تركيا وروسيا وإيران اتفقت في سوتشي وأستانة على انسحاب كل العناصر الأجنبية من سورية. وتعد تصريحات أقطاي الأولى من مسؤول تركي رفيع المستوى يلوّح فيها بإمكانية دخول الجيش التركي إلى محافظة إدلب للتعامل عسكرياً مع "هيئة تحرير الشام" التي، كما يبدو، باتت الخيارات أمامها محدودة، فإما حل نفسها، وضم مقاتليها السوريين إلى فصائل المعارضة، وإيجاد حلول للقادمين من خارج البلاد، أو مواجهة السيناريوهات الصعبة.

وفي السياق، كشفت مصادر تركية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أن التوافقات التي جرت خلال القمة الثلاثية للدول الضامنة في أنقرة، الإثنين الماضي، تنص على القضاء على التنظيمات الراديكالية في منطقة خفض التصعيد في إدلب، وضمن هذا الإطار سيتم تخيير أعضاء "هيئة تحرير الشام" والتنظيمات الأخرى، خصوصاً الأجانب منهم، بالمغادرة الطوعية، أو مواجهة الجيش التركي، بدعم روسي وربما أميركي. وأوضحت المصادر أن هناك قراراً تركياً، بعد الاتفاق مع الجانب الروسي، يتضمن القضاء على "هيئة تحرير الشام"، إما عبر إقناع العناصر بترك الهيئة، أو مواجهة الجيش التركي. وفي حال فشلت المساعي، فإن أنقرة جاهزة للقيام بعمل عسكري وضم منطقة إدلب إلى مناطق سيطرتها في سورية، إلى جانب منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون".

ولفتت المصادر إلى أن تركيا ترغب برؤية جهتين على الأرض في إدلب، هما "الحكومة المؤقتة" التابعة للائتلاف السوري المعارض، و"الجيش الوطني" التابع إلى "الحكومة المؤقتة"، وهو ما يعني حل "حكومة الإنقاذ" بعد القضاء على "هيئة تحرير الشام"، والتنظيمات الأخرى، إما عبر حلها بالإقناع، أو عبر عمل عسكري، وأن تركيا متحسبة لكل الاحتمالات. وبحسب المصادر التركية فإن هناك اتفاقاً جدياً وترتيبات مع الجانب الروسي، على أن تتحول إدلب إلى منطقة تشبه منطقة "غصن الزيتون"، برعاية تركية تامة، مقابل القضاء على التنظيمات الراديكالية، وبهذه الطريقة تضمن روسيا سلامة قواعدها وفتح الطرق الدولية عبر الدوريات التركية الروسية المشتركة، ويتم تحييد النظام ومنع هجماته مع حلفائه الإيرانيين، وبالتالي تحقيق هدف منع حصول موجات هجرة ونزوح جديدة كما تريد أنقرة، حيث تصل حدود العملية التركية إلى الطرق الدولية، وهي "إم 4" (حلب اللاذقية)، و"إم 5" (دمشق حلب).


وشددت المصادر على أن الجانب التركي يتوقع معارضة من "النصرة"، لذلك يعمل على تفكيكها داخلياً، ولكن من غير الواضح حالياً مدى نجاح هذه الجهود، وفي حال فشلها فإن التوجه التركي في المستقبل سيكون نحو القضاء الكامل على "جبهة النصرة" سلمياً أو عسكرياً، خصوصاً أن هناك تصعيداً إعلامياً تركياً بدأ يتزايد أخيراً ضد "هيئة تحرير الشام"، في حين رفضت المصادر تقديم جدول زمني عن العملية العسكرية. وبينت المصادر أنه في حال نجح التوافق التركي الروسي بالقضاء على "جبهة النصرة" فإن الطريق ستكون ممهدة للاستقرار في المنطقة، وبالتالي قد تشهد وقفاً دائماً لإطلاق نار، عبر قرار من مجلس الأمن، ما يفتح الآفاق لتقوية يد المعارضة السورية في مفاوضات الحل السياسي تحت مظلة الأمم المتحدة، خصوصاً مع سعي الدول الضامنة لتسهيل عمل اللجنة الدستورية في حال أعلن عنها كما هو متوقع الشهر الحالي.

وكانت تركيا تدخلت مطلع العام الماضي في منطقة عفرين شمال غربي حلب، وطردت "وحدات حماية الشعب" الكردية منها، في عملية أطلق عليها اسم "غصن الزيتون"، والتي منحت أنقرة نفوذاً واسع النطاق في المنطقة ذات الغالبية الكردية من السكان. وربما لا يجد الجيش التركي بداً من الدخول إلى محافظة إدلب، مع فصائل تابعة للمعارضة السورية مرتبطة به، في حال وجد أن التبعات السلبية لهذا التدخل أقل بكثير من نتائج تصعيد جديد من قبل الروس يتسبب بكوارث إنسانية ويعيد قوات النظام إلى الشمال الغربي من سورية.

ومن الواضح أن الجانب الروسي أصر خلال مباحثات القمة الثلاثية، التي جمعت الرؤساء التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، في أنقرة الإثنين الماضي، على حسم مصير "هيئة تحرير الشام" من قبل الجانب التركي، الذي من المتوقع أن يبذل ما في وسعه للحيلولة دون انفجار القنبلة البشرية في محافظة إدلب بشتى السبل. وأعرب قائد العمليات في "جيش العزة"، التابع للمعارضة السورية المسلحة في شمال غربي سورية، العقيد مصطفى البكور، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن الجيش التركي "لن يدخل إلى محافظة إدلب". ووضع البكور تصريحات أقطاي في سياق "زيادة الضغط على هيئة تحرير الشام من أجل الانخراط في المسار الذي ترضى عنه تركيا". كما أعرب عن اعتقاده بأن "الهيئة لن تواجه الأتراك"، مضيفاً "يمكن أن تصل الهيئة إلى حل وسط معهم، يدعم موقفهم في التصدي للروس".

ولطالما كانت "هيئة تحرير الشام" المدخل الواسع والذريعة الجاهزة للنظام، وداعميه الروس والإيرانيين، للفتك بالسوريين، وفصائل المعارضة المسلحة في عموم سورية. وتتجه كل الأنظار في الوقت الراهن إلى الوضع في محافظة إدلب، التي باتت بمثابة غابة بنادق وأيديولوجيات من الصعب التعامل معها دون الإضرار بنحو 4 ملايين مدني يقطنون المنطقة التي تبدو مقبلة على تصعيد عسكري كبير، إما بين "الهيئة" والجانب التركي وفصائل المعارضة لسحب ذرائع التصعيد من يد الروس، أو بين "هيئة تحرير الشام" والفصائل وقوات النظام التي تتحفز للعودة مجدداً إلى الحرب.

ومن المرجح أن يكون الوضع في شمال غربي سورية والشمال الشرقي على رأس أولويات أردوغان في لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال سبتمبر/أيلول الحالي. وتحتاج أنقرة إلى دعم أميركي واضح في حال اتخاذ قرار التدخل في الشمال الغربي من سورية، للتعامل عسكرياً مع "هيئة تحرير الشام" وتنظيمات أخرى تدور في فلكها من قبيل "حراس الدين"، و"جبهة أنصار الدين"، و"أنصار التوحيد"، و"جماعة أنصار الإسلام". كما تحتاج تركيا لضمانات من الجانب الروسي بعدم استغلال الفراغ الذي ستتركه "الهيئة" في حال القضاء عليها والسماح لقوات النظام بالتقدم أكثر في عمق محافظة إدلب، حيث من الواضح أن الروس يطالبون بعودة النظام إلى المنطقة برمتها. ومهّد الشارع السوري المعارض الطريق أمام اجتثاث "هيئة تحرير الشام" من خلال الخروج بتظاهرات تندد بالهيئة وقائدها أبو محمد الجولاني المُطالب من قبل هذا الشارع باتخاذ قرار حلها بشكل حقيقي لاستمرار وقف إطلاق النار، ودخول "الحكومة السورية المؤقتة" لتقديم الخدمات لنحو 4 ملايين مدني، من بينهم عشرات آلاف النازحين الذين يعيشون في العراء، ومن المتوقع أن تتعمق مأساتهم مع دخول فصل الشتاء.

وأكد قيادي في الجيش السوري الحر، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "هيئة تحرير الشام بأسوأ حال منذ ظهورها في المشهد السوري"، مضيفاً "لا تستطيع (الهيئة) مواجهة أحد. لقد سقطت شعبياً". وأشار إلى أن "تركيا قادرة على اجتثاث الهيئة من دون تدخل مباشر من قبل الجيش التركي"، مضيفاً "الفصائل المعارضة قادرة على القضاء على الهيئة بدعم تركي، مع ضمانات كافية بعدم تقدم قوات النظام في المنطقة". وأشار الى "أن التيار المتشدد في الهيئة، الذي يضم مشايخ، أغلبهم ليسوا سوريين، يقودون الشمال الغربي من سورية إلى مصير كارثي برفضهم تفكيك الهيئة"، مضيفاً "لن تهدأ محافظة إدلب ومحيطها من دون حل جذري لهيئة تحرير الشام".

وخلال الحملة العسكرية الأخيرة فقدت "الهيئة" ما كان لها من رصيد شعبي، بسبب تراجعها أمام قوات النظام التي سيطرت على 24 موقعاً، وباتت تهدد أبرز المدن والبلدات في عمق محافظة إدلب، التي تسيطر "جبهة النصرة" على الجزء الأكبر منها. من جانبه، رأى القيادي السابق في الجيش السوري الحر المقدم سامر الصالح أن الجيش التركي "ربما لن يدخل محافظة إدلب لأسباب داخلية تركية"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القضاء على هيئة تحرير الشام ليس بالأمر الصعب بالوقت الراهن، لأن شعبيتها صفر، والخلافات داخلها على أشدها". وأشار إلى أن "إبعاد الهيئة عن المعابر والحدود كفيل بإنهائها"، موضحاً "عندما تصبح المعركة حقيقية سيكون لنقاط المراقبة التركية دور، كما سيكون للجانب الروسي دور أيضاً". وأضاف الصالح أن فصائل المعارضة السورية ليست قادرة على القضاء على الهيئة "من دون دعم إقليمي ودولي"، مضيفاً "أتمنى ألا يدفع المدنيون فاتورة القضاء على هيئة تحرير الشام في الشمال الغربي من سورية".