حكومة الجملي التونسية مهدّدة بالسقوط قبل أن تولد... و"النهضة" تتحرّك لدعمها

06 يناير 2020
أكّد الجملي أنه متمسك بتركيبة الحكومة التي اقترحها(فرانس برس)
+ الخط -
دخلت تطورات جديدة في مسار الحكومة التونسية تهدد بعدم التصويت لها وإسقاطها يوم الجمعة القادم، موعد الجلسة العامة في البرلمان.

وأخرت حركة "النهضة" موعد التصويت إلى الجمعة القادم بغية البحث عن حزام سياسي يمكّن من التصويت لصالح حكومة الحبيب الجملي، لأن كل المعطيات الحالية تقود بالضرورة إلى سقوط هذه الحكومة.

وفي تطور مفاجئ، قال نبيل القروي، رئيس حزب "قلب تونس"، في تصريحات نقلتها عنه قناة "نسمة" التي يملكها، إن حزبه لا يزال على نفس الموقف من حكومة الحبيب الجملي، وهو رفضه لها، معتبرا أنه بعد الاطلاع عليها "اتضح أن أغلبية هذه الكفاءات هي نهضاوية".

وفي إجابته على سؤال حول المطلوب من الحكومة، شدد نبيل القروي على "ضرورة سن إجراءات وتعديلات ومراجعات شكلا ومضمونا"، مبينا أنه "في صورة إصرار الحبيب الجملي على موقفه فإن الاتجاه العام لحزب قلب تونس سيكون عدم التصويت على الحكومة يوم الجمعة القادم"، وفق تعبيره.

وأكد نبيل القروي أنه لم يتم التشاور مع حزبه حول التركيبة والأسماء، وأن "قلب تونس" يعتبر تركيبة هذه الحكومة "ضخمة العدد"، وأن هيكلتها وتوزيع الحقائب فيها "لا يعكسان إرادة ناخبي 2019". كما اعتبر أن حكومة بمثل هذه التركيبة "لا يمكن أن تستجيب لاستحقاقات المرحلة".

وبخصوص علاقة حزبه برئيس الحكومة المكلف، أكد رئيس حزب "قلب تونس" أن الحبيب الجملي لم يتشاور مع حزبه ولم يتجاوب لا مع مقترحاته ولا مع برنامجه.

في المقابل، قللت مصادر حزبية تحدثت لـ"العربي الجديد"، من هذه التهديدات التي أطلقها حزب "قلب تونس"، ورأت أنها تأتي "للضغط على رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي، الذي يرفض إدخال تعديلات على التشكيلة الحكومية قبل عرضها على البرلمان، وتذكيره بأنه مكلف من الحزبين، النهضة وقلب تونس، وينبغي أن يتحرك بالتنسيق معهما ولا يتصرف وحده وفق منطلقاته الشخصية".

وكان الجملي أكد بوضوح السبت، أنه متمسك بتركيبة الحكومة التي اقترحها. وذكر الجملي في حوار له مع إذاعة محلية: ''أنا متمسك بهذه التركيبة وأرى أنها الأفضل، وملائمة لمتطلبات المرحلة ولمعالجة مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بالخصوص".

وفي تعليقه على بعض التصريحات بخصوص إمكانية تعديل بعض الوزراء المرشحين قبل جلسة المصادقة على الحكومة التي ستعقد يوم 10 يناير/ كانون الثاني الحالي، أكد الجملي أن "أي تغيير ممكن لأحد أعضاء الحكومة سيكون بعد المصادقة عليها". وأضاف أن "أي إشكال يتبين بخصوص الشخصيات المقترحة في تركيبة الحكومة سيعالج بعد انتصاب الحكومة".

وتتناقض هذه التصريحات للجملي مع طلبات حزبي "النهضة"، و"قلب تونس"، ما يؤكد وجود صراع حقيقي معهما ورغبة منه في الاستقلالية عنهما، رغم أنهما الداعمان الأساسيان له.

وشهد مجلس شورى "النهضة"، السبت والأحد، إشارات مباشرة إلى هذه المخاوف، وجرى الحديث عن وجود نوازع تمرد لدى الجملي، نفاها عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى، والذي أكد في مؤتمر صحافي، أنه تم إبلاغ رئيس الحكومة المكلف، الحبيب الجملي، بإدخال تعديلات على قائمة الحكومة المقترحة قبل عرضها على البرلمان.

وأوضح أنه يمكن إدخال تعديلات على تركيبة الحكومة قبل عرضها على الجلسة العامة لنيل ثقة البرلمان، مشيراً إلى ضرورة إدخال "بعض التحسينات"، على مستوى البرامج والتركيبة في الحكومة لتستجيب لمتطلبات المرحلة، وفق قوله.

ويستدعي تغيير التشكيل الحكومي العودة من جديد إلى الرئيس قيس سعيّد لاحترام التمشي الدستوري، بينما أثبتت كل المعطيات أن هناك خلافات حقيقية مع الرئيس الذي لم يكن بدوره راضياً على وجود بعض الأسماء، بالإضافة إلى إحراج الجملي أمام الرأي العام بعد تقديمه لتشكيله واستقبال الشخصيات التي اختارها، بما سيظهره في موقف ضعيف قبل أن ينطلق في عهدته.

وإذا قبل الجملي بمبدأ التعديل، فإنه سيكون مضطرا للعودة إلى الرئيس وربما تغيير موعد التصويت في البرلمان الجمعة القادم، وستكون الاجتماعات القادمة لحركة "النهضة" (مساء الإثنين أو الثلاثاء) محددة لمستقبل هذه الحكومة ولرئيسها المكلف.

وفي هذا السياق، قال قيادي بـ"النهضة" لـ"العربي الجديد"، إن مجلس الشورى قرر بأغلبية 60 عضوا التصويت لحكومة الجملي مع اعتراض عضوين واحتفاظ خمسة بأصواتهم، وإن هناك عدم ارتياح لما أقدم عليه الجملي من تغيير لخيار الحركة من حكومة سياسية إلى حكومة مستقلين، ووضعها أمام الأمر الواقع أياما قبل انتهاء المهلة الدستورية وتحوّل القرار والمبادرة إلى الرئيس قيس سعيد، وهو ما يهدد بعزل النهضة وتحولها إلى المعارضة ربما، وهو تغيير جذري للمشهد السياسي ولوضع الحركة، والتي لم تستعد له".  

القيادي بالحركة، رفيق عبد السلام، بدا أكثر تفاؤلا بالتأكيد في تدوينة على صفحته في "فيسبوك"، حيث قال إن "حكومة حبيب الجملي ستمر إلى التصويت يوم الجمعة، وتنال ثقة البرلمان بحول الله رغم كل المناورات ومحاولات الإعاقة، ليس بالضرورة لأنها الحكومة الأفضل التي نرغب فيها (ولا يوجد الخيار الأمثل في عالم السياسة)، بل لأن في نجاحها مصلحة وطنية مقدرة".

وأضاف عبد السلام أن "البلد في أمسّ الحاجة إلى تشكيل حكومة شرعية تعكس الحد الأدنى من إرادة الناخبين تقوم بدورها في تحريك العجلة الاقتصادية المتعثرة، وحماية أمن البلد ومصالحه العامة في الداخل والخارج، خاصة في ظل تزايد المخاطر على حدودنا بسبب تفاقم الأزمة في ليبيا الشقيقة".

وأكّد عبد السلام قائلاً: "شخصياً، دافعت عن التوافق السياسي في أجواء من الشحن السياسي والاستقطاب الأيديولوجي، واتهمت وقتها بمهادنة المنظومة القديمة والمرحوم الباجي قايد السبسي، ثم تبنيت مقولة الاستقرار الحكومي حينما اشتدت الخصومة بين قرطاج والقصبة، واتهمت بالولاء ليوسف الشاهد، واليوم انحزت من دون تردد لمبدأ التصويت لهذه الحكومة رغم بعض التحفظات من داخل الحزب".

وإلى حد الآن، لا يبدو أن تشكيل الجملي يحظى بالأغلبية الضرورية (109 أصوات)، إذ إن "النهضة" و"قلب تونس" يجمعان فقط 92 صوتا إذا صوتت كتلتاهما بالكامل للحكومة، وهو ما يعني أن ترجيح التصويت من عدمه يبقى بيد "ائتلاف الكرامة"(19 مقعدا بعد استقالة نائبين)، الذي يشهد بدوره خلافات كبيرة بين أعضائه، وكذلك كتلة "الإصلاح الوطني"(15 مقعدا) التي لم تتوصل إلى اتخاذ موقف موحد من الحكومة بسبب خلافات داخلها حول هذا الملف الذي سيحدد تموقعها سياسيا.

المساهمون