10 سنوات على عدوان تموز... إقرار إسرائيلي بالفشل

11 يوليو 2016
دام العدوان على لبنان 34 يوماً (Getty)
+ الخط -
في الوقت الذي التفت فيه الصحف الإسرائيلية لتلخيص تجربة العدوان الإسرائيلي على لبنان في 12 يوليو/تموز 2006، الأسبوع الماضي، مع اقتراب مرور عشر سنوات على هذه الحرب، سبقتها قنوات التلفزة الإسرائيلية، بفعل المنافسة التجارية، إلى بث برامج مختلفة عن الحرب على لبنان، كانت السمة الرئيسية فيها الإقرار بفشل العدوان. واعتمدت البرامج في استخلاصها هذا على سببين رئيسيين؛ استمرار العدوان 34 يوماً (12 يوليو/تموز لغاية 14 أغسطس/آب)، والكشف عن فشل إدارة الحرب والمعارك بفعل عدم توفر المعلومات الاستخبارية الدقيقة، وانقطاع الاتصال الصحيح والمتواصل بين القوات البرية في الميدان وبين مقار قيادة العمليات. وهذا السبب الثاني عاد وأكّده، خلال البرامج التي بُثت طيلة هذا الشهر، وزير التربية والتعليم، نفتالي بينت الذي كان قائد إحدى الوحدات البرية خلال الحرب.

وكما في حالة البرامج التلفزيونية، فقد أفردت الصحف الإسرائيلية، نهاية الأسبوع الماضي، تقارير عدة بمناسبة مرور 10 أعوام على الحرب على لبنان، من مختلف الزوايا. ولعلّ السمة البارزة هنا، هي الإقرار بفشل العمليات العسكرية في سير المعارك، مع الإشارة بشكل خاص، إلى محاولات رجال السياسة والمسؤولين في أوج الحرب، بدءًا من رئيس الحكومة آنذاك، إيهود أولمرت، ووزير الأمن عمير بيرتس، التعلّق بحقيقة الهدوء على الحدود بين لبنان وإسرائيل، للتدليل على أن العدوان حقق هدفه في ضمان الهدوء.

في هذا السياق، يشير معلّق الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أن حقيقة وجود حالة من الردع المتبادل بين الطرفين، لا يمكنها أن تشكل ستاراً لواقعة فشل إسرائيل في الحرب، وهو ما أكدته لجنة التحقيق الرسمية التي شكلتها إسرائيل في سبتمبر/أيلول من العام ذاته، برئاسة القاضي المتقاعد إلياهو فينوغراد، والتي ثبتت واقعة الفشل في الحرب، وفشل الجهاز السياسي والقيادة العليا للجيش للاستعداد وإعداد الجيش والوصول به إلى جهوزية تامة للحرب، وفقاً للمعلّق.

ويؤكد هرئيل أن "حقيقة عجز إسرائيل عن حسم المعركة في مواجهة عدو اختار عدم المواجهة العسكرية المباشرة، في المعارك البرية، وتمكّن باستمرار من الالتفاف وراء الجيش وإمطار إسرائيل بالصواريخ وقذائف الكاتيوشا، سببت الإحباط لدى الحكومة الإسرائيلية ووزرائها، كما لدى الجمهور الإسرائيلي، وفي صفوف الجيش". ومع ادعاء هرئيل بأن الجيش الإسرائيلي استخلص منذ ذلك الوقت العبرة، واستفاد كثيراً من التجربة، إلا أنه يؤكد أن مسألة الوصول إلى حسم سريع للمعركة في جولة مقبلة "سيبقى صعباً وليس سهل المنال".

ويلفت هرئيل إلى نتيجة مباشرة للحرب على لبنان، خصوصاً أنّ من قادها من ديوان رئاسة الحكومة، إيهود أولمرت، ومن مقر وزارة الأمن، عمير بيرتس، محسوبين على الوسط واليسار، ليقول إن "الحرب وما انتهت إليه نتائجها ساعدت، عملياً، في إعادة إطلاق مسيرة رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو السياسية، وأعادته إلى كرسي رئاسة الحكومة عام 2009، والذي كان قد خسره أمام إيهود باراك عام 1999، وجعله يترك قيادة الليكود يومها لرئيس الوزراء السابق، أرئيل شارون".

وفي تأكيده فشل الحرب، ينتقل هرئيل إلى تفسير أسباب الهدوء على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، منذ العدوان، مقترحاً ثلاثة أسباب لتفسير ذلك؛ السبب الرئيسي هو الحرب السورية وتورُّط حزب الله فيها منذ صيف عام 2012، إذ أرسل حزب الله إلى سورية خمسة آلاف عنصر. كما فقد الحزب نحو 1600 من عناصره قتلوا في المعارك على الأراضي السورية، وبالتالي فإن الهدف والأولوية الأولى لحزب الله وإيران، اليوم، هي المحافظة على نظام الرئيس السوري بشار الأسد وتجنب أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل تضعف سيرة الأسد وحلفائه في سورية، وتعرّض حزب الله لمزيد من النقد والمعارضة من داخل لبنان.

ويضيف المعلّق العسكري أنّ السبب الثاني يتعلّق بإيران، إذ إنها، ومنذ عام 2006، صادرت الكثير من صلاحيات حزب الله، وسعت، إلى حين التوقيع على الاتفاق النووي مع الدول الغربية، إلى تفادي خطر تلقيها ضربة إسرائيلية لمنشآتها النووية. ولا ترى إيران، اليوم، سبباً أو مصلحة في جولة عسكرية جديدة من شأنها أن تضعف قوة حزب الله وترسانته الصاروخية من دون ضمان نتائج إيجابية تخدم مصالحها الاستراتيجية. أما السبب الثالث للهدوء، فيعود، عملياً، بحسب هرئيل، إلى معادلة الردع المتبادل بين الطرفين، فكلا الطرفين لا يرغبان بمواجهة عسكرية يمكن لها أن تتطور إلى حرب شاملة.






والواقع، أن الطرفين أكدا على مدار العامين الأخيرين، حتى بعد وقوع عمليات حدودية، وقيام إسرائيل بقصف قوافل تحمل الأسلحة لحزب الله، وهي لا تزال في الأراضي السورية، أنهما غير معنيان بتصعيد أو مواجهة عسكرية شاملة، مع إشارة كل منهما إلى أنه جاهز للمواجهة العسكرية، وتوزيع خطاب "لا تجرّبونا"، كما جاء على لسان وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بعد أيام من تسلمه مهام منصبه، خلال جولة على الحدود الشمالية لإسرائيل.

وفيما تقر التقديرات الإسرائيلية وتوظف باستمرار الترسانة الصاروخية لحزب الله كمصدر لقوة الحزب، فإنها في المقابل تبرز استخلاص نتائج للعمليات القتالية في حال اندلاع حرب مقبلة، عبر التهويل من حجم الضرر الذي سيلحق بلبنان ككل في حال أقدم الحزب على خوض حرب جديدة.

وفي هذا السياق، يرى المحلل الإسرائيلي للشؤون العربية، تسفي برئيل، في صحيفة "هآرتس"، في عدد يوم الجمعة الماضي، أنه ينبغي الآن الالتفات إلى أن الساحة اللبنانية أو المواجهة المقبلة لم تعد تقوم على طرفَين فقط، (حزب الله وإسرائيل)، بل زاد عدد الأطراف اللاعبة في الساحة اللبنانية، بدء من روسيا، ومرورا بإيران، وحتى احتمالات تغلغل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مما يزيد من تعقيدات حسابات حزب الله الداخلية والإقليمية، وفقاً للمحلّل.

أما المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، غيلي كوهين، اختار التركيز على بعد آخر للحرب على لبنان، والتي تتمثل في تمكّن حزب الله من نقل الحرب إلى قلب إسرائيل، وتحويل الجبهة الداخلية فيها، عبر قدراته الصاروخية، إلى ميدان قتال وخط أول للنيران، وهو إنجاز يمثل ضرباً للوعي الإسرائيلي، بحسب المحلّل. وتجلّى ذلك، في تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي، آنذاك، القاضي المتقاعد ميخائيل ليندشتراوس، الذي حدد أن الحكومة الإسرائيلية والجيش انشغلا في إعداد الجيش والعمليات القتالية، لكنهما تجاهلا كلياً الجبهة الداخلية وتركاها مفتوحة أمام ترسانة حزب الله.

والواقع أن هذا البعد هو الأكثر سيطرة على الذهن الإسرائيلي منذ الحرب على لبنان. ففي السنوات الثلاث الأخيرة، ارتفع صوت سكان المستوطنات الحدودية الإسرائيلية محذرين من إعداد حزب الله لعقيدة قتالية جديدة، أعلن عنها الحزب مراراً بأنه ينوي شن هجمات برية، والتسلل وراء الحدود لاحتلال والسيطرة على بلدات ومستوطنات إسرائيلية خلال الحرب المقبلة.

وتوافقت هذه التحذيرات ورافقتها شكاوى مستمرة من سكان مستوطنات حدودية مثل زرعيت، عن سماع أصوات حفر أنفاق تحت بيوتهم. ومع أن الجيش اعتاد على تكذيب صحة هذه الشكاوى، عمل الاحتلال، بموازاة ذلك، على تغيير المبنى الطبوغرافي للشريط الحدودي مع لبنان، عبر اقتلاع الأشجار الحرجية، وقصّ أشرطة واسعة على امتداد الحدود لضمان عدم اختباء مقاتلي الحزب وراءها أو التستر خلفها. ومع وضع "عثرات" وعراقيل أمام احتمالات هجوم بري من قبل حزب الله، قام الاحتلال بحفر منحدرات حادة على الحدود، وبناء عراقيل طبيعية وصخرية تحول دون استخدام الحزب لآليات ومركبات لتنفيذ عملية تسلل برية لتطبيق خطة "الاستيلاء على مستوطنة إسرائيلية واحتلالها".

إلى ذلك، وضع جيش الاحتلال خططاً رسمية ومنظمة لإخلاء المستوطنات الحدودية ونقل سكانها إلى منطقة بحيرة طبريا والمستوطنات الإسرائيلية في غور الأردن، لتفادي حالة هلع ومشاهد هروب جماعي في حال تدهور مواجهة أو حدث عسكري حدودي إلى حرب شاملة.