بريطانيا: قرار القضاء يمهّد لمساومات تمرير "بريكست" أو عرقلته

24 يناير 2017
الشروط لن تؤدي إلى تغيير قرار الخروج (جوناثان برادي/Getty)
+ الخط -
لم يتوقف الجدل الدستوري والسياسي في بريطانيا منذ استفتاء يونيو/حزيران الماضي، يوم صوت 52 في المائة من البريطانيين لمصلحة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.

ولا يبدو أن هذا الجدل سيتوقف بعد أن ألزمت المحكمة العليا، يوم الثلاثاء، رئيسة الوزراء تيريزا ماي، بالتشاور مع البرلمان قبل البدء في المحادثات الرسمية للخروج من الاتحاد الأوروبي "لأن المضي في طريق خلاف ذلك سيشكل انتهاكاً للأعراف الدستورية المستقرة"، كما قال رئيس المحكمة، ديفيد نوبرغر خلال قراءة قرار المحكمة.




ومع أن القرار القضائي عَقّد مهمة تيريزا ماي، التي كانت تُصر على صلاحيات الحكومة في تفعيل المادة 50 من إتفاق لشبونة من دون الرجوع إلى البرلمان، إلا أن جانباً آخر من قرار المحكمة أراحها بعدم إلزام الحكومة الحصول على تأييد منفصل من برلمانات أقاليم ويلز، وأيرلندا الشمالية، واسكتلندا قبل تفعيل المادة 50.

وإن كان قرار المحكمة، المكونة من 10 قضاة، قد أحال الكلمة الأخيرة في تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة لبدء عملية "بريكست" إلى البرلمان، إلا أنه شرع الأبواب لمزاد سياسي، فيما حاولت الحكومة تطويقه بشكل سريع، من خلال إعلان الوزير البريطاني المكلف ملف "بريكست"، يوم الثلاثاء، أن الحكومة البريطانية ستقدم "في الأيام القريبة المقبلة" للبرلمان مشروع قانون لإطلاق عملية الخروج من الاتحاد الاوروبي.



وأضاف الوزير، أمام النواب بعد ساعات من قرار المحكمة العليا، إن مشروع القانون "سيتم تبنيه في الوقت المناسب" لتفعيل المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي قبل 30 مارس/آذار 2017.

وكان رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار تيم فارون قد افتتح المزاد السياسي بإعلانه أن حزبه لن يصوت لصالح تفعيل المادة 50 ما لم توافق الحكومة على عرض اتفاق "بريكست" الذي تنتهي إليه المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي على استفتاء شعبي جديد.

أما حزب العمال المعارض، وعلى الرغم من أنه سارع للتأكيد على أن كتلته البرلمانية تحترم نتيجة الاستفتاء وإرادة الشعب البريطاني ولن تحبط إطلاق مفاوضات الخروج مع الاتحاد الأوروبي، لكنه اشترط بشكل مُبطن تعديل مشروع القانون الحكومي بخصوص تفعيل المادة 50 لكي يضمن لبريطانيا الوصول الكامل، من دون رسوم جمركية إلى السوق الأوروبية الموحدة، والحفاظ على حقوق العمال والحماية الاجتماعية والبيئية.

كما اشترط حزب العمال ضمان بقاء مسؤولية الحكومة أمام البرلمان طوال المفاوضات مع الجانب الأوروبي، وأن يتم عرض الاتفاق النهائي مع الاتحاد الأوروبي على التصويت في البرلمان.

أما رد فعل الحزب القومي الاسكتلندي على قرار المحكمة الأعلى فكان أشد، إذ أكدت قيادات الحزب، وفي مقدمتها زعيمته، نيكولا ستورجن، أن الحزب القومي الاسكتلندي الذي يحترم إرادة الشعب الاسكتلندي الذي صوت بغالبيته ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لن يمنع الحكومة من تفعيل المادة 50 والشروع في مفاوضات الخروج، لكنه قد يفعل ذلك في حال أصرت الحكومة على "خروج قاس" يُخرج المملكة المتحدة بما فيها اسكتلندا من السوق الأوروبية الموحدة.



ولا يبدو أن المواقف الحزبية، واشتراطاتها، أو حتى قرار المحكمة يوم الثلاثاء، ستغير شيئاً وتثني الحكومة عن تحقيق الإرادة الشعبية من أجل مغادرة الاتحاد الأوروبي وتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة قبل نهاية مارس/آذار، كما جاء في بيان المتحدث باسم الحكومة البريطانية.

ويبدو أن زيارة تيريزا ماي بعد غد الجمعة إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، لبحث العلاقات التجارية والاقتصادية بين الولايات المتحدة وبريطانيا ما بعد "بريكست"، هي الترجمة الفعلية على إصرار الحكومة البريطانية لخروج تام من الاتحاد الأوروبي ومؤسساته الأخرى، كالسوق الموحدة والاتحاد الجمركي ومحكمة العدل.

كما يتضح إصرار ماي وحكومتها على إتمام مراسيم الطلاق مع الاتحاد الأوروبي في كشف مسؤولين بريطانيين عن خطط ماي لزيارة الصين، التي تعد حالياً ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وتعتزم رئيسة الوزراء البريطانية إتمام هذه الخطوة خلال وقت قريب من أجل بحث فرص تعزيز العلاقات التجارية مع بكين.

واعتبر مسؤولون بريطانيون أن زيارة ماي ستشكل ثاني محطة تهدف إلى تعزيز الروابط التجارية لبريطانيا مع دول العالم، بعد محطة واشنطن. أما الاتحاد الأوروبي، الذي طالما حثّ بريطانيا على التسريع في وتيرة الخطوات نحو إطلاق مفاوضات الانفصال، فلا يبدو مرتاحاً لتحركات ماي على الساحة الدولية.

وقد عبّر عن ذلك صراحة بتحذير لندن من إجراء أية مفاوضات تجارية رسمية بهدف إبرام اتفاقيات ثنائية مع دول من خارج صفوفه قبل أن تخرج رسمياً من الاتحاد، كما جاء على لسان المتحدث باسم المفوضية الأوروبية مارغاريتيس.




المساهمون