تونس: المجلس الأعلى للقضاء أزمة دستورية تعكس خلافات سياسية

15 مارس 2017
أزمة القضاة تدخل منعطفا جديدا (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -
يتعطل استكمال تشكيل المجلس الأعلى للقضاء بتونس منذ أشهر، بسبب تباينات كبيرة في حل أزمته التي تبدو في الظاهر تقنية وقانونية، ولكنها تخفي في الواقع خلافات سياسية جوهرية، ويتعطل معها إنشاء بقية المؤسسات القضائية والدستورية وأهمها المحكمة الدستورية.


وتراوح الأزمة مكانها منذ أشهر بسبب عدم استكمال تركيبة المجلس، وفي حين تطالب بعض مكونات القضاة من رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، بالتوقيع على الترشيحات المقدّمة من قبل الهيئة الوقتية للقضاء العدلي لسدّ الشغور الحاصل في المجلس الأعلى للقضاء، ترفض الحكومة ذلك بسبب رفض مكونات قضائية أخرى لهذه المقترحات.

ويعتبر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة أن هذه المكونات القضائية الأخرى (نقابة القضاة وهيئة القضاة الإداريين) هي "مجموعة من الهياكل الصورية والفاقدة للتمثيلية"، موضحا أنها لا تمثل سوى أقلية من أعضاء المجلس الأعلى.

هذا الخلاف دفع برئيس الحكومة الى محاولة عدم التدخل في خلافات يعتبرها قضائية بحتة ينبغي على القضاة حلها بأنفسهم، وهو ما اعتُبر تنصلا من مسؤولياته وانتصارا لشق دون آخر.

وأمام عدم التئام المجلس وعقد اجتماعه الأول، واستمرار الأزمة لأشهر ووصولها إلى طريق مسدود، قدمت الحكومة مقترحا بتعديل تشريعي جديد على أنظار البرلمان، يكتفي باعتبار الثلث نصابا قانونيا كافيا لحل الإشكال، ويتيح لرئيس البرلمان، محمد الناصر، دعوة المجلس للانعقاد.

غير أن هذا المقترح جوبه برفض قوي من المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين، الذي أصدر بيانا مطولا اعتبر فيه أن "مشروع القانون هذا غير دستوري لما يتضمنه من خرق لمبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ استقلال القضاء بإسناده صلاحية الدعوة لعقد أول جلسة للمجلس الممثل للسلطة القضائية، لرئيس السلطة التشريعية ولانتهاكه حقوقا مضمونة بالدستور".

وأعلن المكتب عن رفضه للتصحيح التشريعي المحال من الحكومة على البرلمان لانعدام شروطه وضوابطه ولمخالفته للدستور ولمساسه باستقلال القضاء واستقلال المجلس الأعلى للقضاء.

وقالت جمعية القضاة إن هناك مبادرة قضائية أشرف عليها الرئيس الأول للمحكمة الإدارية ورئيس المحكمة العقارية ووكيل الرئيس الأول لدائرة المحاسبات، وتوصلت إلى حل وفاقي حاز على موافقة أكثر من ثلثي أعضاء المجلس، وهو يمثل حماية لاستقلال المجلس واستقلال قراراته من أي تدخل من السلطتين التنفيذية والتشريعية.

ودعت أعضاء لجنة التشريع العام في البرلمان إلى عدم إحالة مشروع تنقيح قانون المجلس الأعلى للقضاء للجلسة العامة.

كما دعت كل مكونات المجتمع المدني ومكونات العائلة القضائية للتصدي لهذه المبادرة التشريعية لخطورتها على مستقبل استقلال القضاء، ودعم المبادرة القضائية لحل أزمة تركيز المجلس الأعلى للقضاء.

في المقابل، شهدت بداية مداولات هيئة التشريع العام حول مقترح التعديل خلافات قوية بين مختلف ممثلي الأحزاب، وصلت أول أمس الاثنين إلى حد تبادل الشتائم، ولولا تدخل بعض النواب لوصل الأمر إلى أكثر من ذلك.

وانسحب ممثلو حزب "الجبهة الشعبية" اليسارية من مداولات اللجنة بسبب خلافاتهم مع نواب "النداء والنهضة"، ولم يحضروا اجتماعات أمس الثلاثاء. واعتبر رئيس لجنة التشريع العام بمجلس النواب، الطيب المدني، أن اللجنة استوفت النقاش في هذه المبادرة التشريعية واستمعت إلى جميع الأطراف المتنازعة بما فيها أعضاء المجلس الأعلى للقضاء. وأضاف أنها أمهلت الاطراف المتنازعة للجلوس على طاولة الحوار وإيجاد حل من داخل العائلة القضائية، إلّا أن هذا لم يحدث.

وأكد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن ما زاد الطين بلة هو "ديكتاتورية الأقلية المعارضة داخل للمجلس والتي تعطل عمل المجلس ولو بالقوة اذا لم يرق لها قانون مقدم من الحكومة في فهم خاطئ للديمقراطية وللعمل البرلماني".

وفي المقابل، اعتبر رئيس كتلة "الجبهة الشعبية" أحمد الصديق في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تحصين دعوة رئيس البرلمان لعقد جلسة أولى للمجلس الأعلى للقضاء من أي طعن قضائي، لي ذراع للمجلس الأعلى للقضاء وانحياز لطرف قضائي على حساب آخر. وأضاف أن نواب الائتلاف الحاكم لم يكونوا جاهزين للنقاش حول الموضوع بل بدت عليهم رغبة في المرور بالقوة إلى التصويت على الفصل.

وصادقت لجنة التشريع العام مساء أمس على فصول التعديل، ما يعني إحالتها إلى الجلسة العامة للبرلمان، وهو ما سيثير أزمة كبيرة، تحمل في عناوينها الكبرى مشاكل دستورية وقانونية، ولكنها تعكس في نفس الوقت خلافات سياسية واضحة.

المساهمون