بعد جولة بين ما سمّاها "الخطوط الأمامية للحرب الباردة بين السعودية وقطر"، خلص المعلّق السياسي لموقع "فورين بوليسي" الأميركي، سيمون هيندرسون، إلى أن الأزمة الخليجية، التي افتعلتها دول الحصار الأربع، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، مع قطر، لا تسير على ما يبدو نحو الحل.
يقول هيندرسون، مستندًا إلى مشاهداته خلال تنقّله الأسبوع الماضي بين لندن والبحرين وأبوظبي ودبي، إن المواقف، على عكس المأمول، تزداد تصلّبًا مع تجاهل للمنافع التي قد توفّرها تلك الوضعية لإيران؛ العدو المشترك لجميع الأطراف، على حدّ وصف التقرير، فضلًا عن أثرها المحتمل على واشنطن، حيث تقوم السياسة الأميركية حيال الخليج على فكرة أن حلفاءها هناك، بالرغم من الخلافات، سيحافظون على مظهر الوحدة على الأقل.
ويعتقد هيندرسون أن الأزمة تتمحور في الظاهر حول "خطايا قطر"، كما تروّج دول الحصار، التي قدّمت قائمة مطالب من 13 بندًا مطلع يوليو/تموز الماضي، لكن في الشرق الأوسط، كما يقول هيندرسون مستدركًا، "يلعب غرور الخصوم دورًا كبيرًا" في مثل تلك المواقف، ويشير في هذا السياق إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وحليفه ومرشده الدبلوماسي وليّ عهد أبوظبي، محمد بن زايد، كما يصفه.
وبمعزل عن الحظر التجاري وإغلاق المجال الجوي وطرق الشحن البحرية، يقول هيندرسون إن المعركة الرئيسية في الوقت الحالي تتمّ في ميدان العلاقات العامة، حيث أُنفقت ملايين الدولارات حتّى الآن، ولا تزال الإعلانات التحريضية والمعادية للدوحة تعرض بشكل منتظم على "سي إن إن". وعلى نحو مماثل أيضًا، عُرضت دعايات مضيئة في نيويورك، على جانب إحدى ناطحات السحاب، خلال أعمال الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، في إشارة إلى اللافتة التي تدعو إلى رفع الحصار عن قطر.
ويقول الكاتب إنه توجه إلى لندن، في 14 سبتمبر/أيلول، حيث انعقدت ندوة برعاية السعودية والإمارات، ورُوّج لها إعلاميا بأنها لـ"معارضة قطرية"، وأنه شهد بنفسه الإجراءات الأمنية الشديدة المحيطة بالفندق الذي استضاف الندوة، على الرغم من أن لا ضرورة كانت تستلزم ذلك.
أما خالد الهيل، رجل الأعمال القطري الهارب من قضايا تجاوزات مالية، والذي نصّب نفسه زعيمًا للمعارضة، فقد ظهر كما يصف الكاتب، "محاطاً بهالة من الأهمية التي منحت له بواسطة حارسي أمن". وفي المناسبة ذاتها أيضًا، كان ثمّة شخص آخر، هو خالد الدنيم، الذي عرّف مرارًا خلال الندوة بوصف "الضيف"، وقدّم نفسه نائبًا لزعيم المعارضة القطرية، لكنه بخلاف الأول كان منغلقًا، كما يقول هيندرسون.
وبحسب شهادة كاتب التقرير، فإن قائمة المتحدّثين في الندوة ضمّت عددًا من السياسيين البريطانيين الذين لم يكن اهتمامهم بقطر معروفًا من قبل، بينما سافر عدد قليل من الأميركيين، ومن الإسرائيليين أيضاً، لحضور تلك المناسبة، وبعضهم تمّت دعوته قبل ثلاثة أيام فقط من الحدث.
وكما يستخلص هيندرسون، فإن القوّة المحرّكة لتلك الندوة بدت وكأنها رغبة في تشكيل نقاش عام أكثر من كونها رغبة في فرض تحرّك سياسي. ويعقّب على ذلك قائلًا: "سألت أحد المنظمين لماذا لم يحضر عبدالله بن علي"، عضو العائلة الحاكمة في قطر الذي تروّج له السعودية، "فنظر إليّ بريبة، وقال: هذا من شأنه أن يمنح الندوة حجماً أكبر من اللازم".
وبكلمات هيندرسون المجرّدة، فإن "الفجوة بين الخطابات والواقع بدت واضحة عند السفر عبر أجواء الخليج، بطائرة تحمل علم البحرين، من المنامة إلى أبوظبي. الخريطة المتحرّكة على ظهر المقعد الأمامي للطائرة أظهرت الرحلة وهي تحلّق عبر شمال قطر. ذلك أن البحرين حظرت مرور الخطوط الجوية القطرية عبر مجالها الجوي، لكنها اجتزأت استثناءات لحركتها الجوية الخاصة مباشرة بعد إعلان الحصار، حتى تحدّ من أثر الضرر الذاتي عليها. وعلى النحو ذاته، فعلى الرغم من تجميد العلاقات، لا تزال الأضواء ومكيّفات الهواء تعمل في دبي لأن قطر تواصل تصدير غازها الطبيعي عبر الأنابيب إلى الإمارات لتزويد محطّات الطاقة الكهربائية هناك".
ولكن مع الملامة التي يراكمها دعم إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للرياض، ولا سيما مع المجاعة الناشئة في اليمن، والكوليرا المنتشرة على نحو واسع هناك؛ تبدو الأزمة الخليجية وكأنّها تحرف الأنظار عن التهديد الأكبر الذي تمثّله إيران، كما يستنتج هيندرسون، والتي يرى أنها أبعد ما تكون عن اعتبارها حليفًا لقطر، بالرغم من اتّهامات السعودية والإمارات.
ويمضي الكاتب، في خلاصته، إلى القول إن كلّ تلك الأزمة لا يزال يُنظر إليها في العواصم الغربية، وفي واشنطن أيضًا، على أنّها "استرسال طفولي"، تبقى الدبلوماسية متعثرة أمامها على الرغم من ذلك. وحتى احتمال انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي المقبلة لا يبدو أنه سيكون حدثًا مؤثّرًا، في تقدير الكاتب. وحتى اللحظة، فإن الرابح الوحيد من كلّ ما يجري هو مجموعات الضغط في واشنطن والتي تحصد أموالًا مجزية من خلال تقديم المشورة، ووضع الاستراتيجيات، وإنشاء المواقع وإعداد المؤتمرات والندوات. وبموازاة ذلك، لا يزال محمد بن سلمان ومحمد بن زايد يعتقدان أنّهما قادران على المضي بنفس اللعبة السياسية لفترة أطول، كي يجبرا أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على تقديم التنازلات، حتّى المؤلمة منها، في الوقت الذي يسيل فيه لعاب مستشاريهما حيال احتمالات حصد مكافآت جيدة نهاية العام، وربّما عام 2018 أيضًا.