واعتبرت المصادر الدبلوماسية، التي تحدّثت إلى "العربي الجديد"، أنّ الطلب المصري صدر "من قبيل التسويف وإهدار الوقت"، مستبعدةً أن يتمّ السماح باستجواب أي ضابط مصري في روما إلا بقرار خاص من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي شخصياً. وأكدت المصادر نفسها أنه لا اتفاق حتى الآن بين القاهرة وروما على تبادل المعلومات بشأن مستجدات هذه الواقعة تحديداً، لكنّ الادعاء الإيطالي، وفقاً للقانون الدولي والاتفاقيات المشتركة، لا يملك توجيه اتهام من جانب واحد.
وكان الادعاء العام في روما قد حصل على "معلومات موثّقة ومسجلة تؤكّد تورط هذا الضابط في قتل ريجيني، أو على الأقل معرفته بجميع تفاصيل الحادث"، وذلك بعد حديث أدلى به لعدد من الضباط الأفارقة المشاركين في دورة تدريبية بعاصمة أفريقية أخيراً، حيث كان يعتقد على الأرجح أنّ الجلسة ودية، وليس بها ما يخشى الحديث عنه. لكنّ أحد الضباط الأفارقة الذين سمعوه، تذكّر الحديث بعدما قرأ اسمه في قائمة الضباط الخمسة المشتبه بتورطهم بقتل ريجيني، والتي أعلنتها روما في نهاية العام الماضي.
وذكرت المصادر أنّ الضابط الأجنبي الذي استمع لهذه الشهادة اتصل بروما، ونقل لها تلك المعلومات مدفوعاً بشعوره بالمسؤولية المهنية، ثمّ أدلى بالشهادة في تحقيقات مسجلة في مكتب المدعي العام بروما، الذي بات يملك الآن معلومات أكثر وضوحاً عن السبب المرجح لمتابعة ريجيني ورصده أمنياً، ثمّ اعتقاله مع التحفظ على حاجياته الشخصية، قبل أن يلقى مصرعه ويتم التخلّص منه بصورة وحشية، بترك جثته العارية على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي.
ووفقاً للمعلومات الجديدة التي حصل عليها الادعاء العام في روما، فإنّ ريجيني لفظ أنفاسه الأخيرة داخل السيارة التي ألقت جثته، وأغلب الظنّ أنه لم يمت في مكان وتم نقله بالسيارة، بل إنّ تعذيبه واستجوابه وقتله تمّ داخل السيارة التي ألقت جثته. وهو ما يطرح تساؤلات عديدة عن سيناريو الأيام السابقة لواقعة القتل، وطبيعة المعلومات التي حصل عليها الضبّاط من ريجيني أو التي سألوه عنها، وما إذا كانوا ينوون تركه، وكذلك ما إذا كانت آثار التعذيب التي بقيت على جسده وليدة وقت القتل أم أنه عانى آلام التعذيب لأيام عدة قبلها.
وكان مصدر مصري مطلع قد كشف لـ"العربي الجديد" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، هوية ضابطين من الخمسة المشتبه بهم؛ الأول هو اللواء طارق صابر، وليس صابر طارق كما نشر الإعلام الإيطالي وقتها، وكان خلال الواقعة يعمل مدير قطاع في جهاز الأمن الوطني، وهو الذي أصدر تعليماته بمتابعة ريجيني بناء على تقرير رفع إليه من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية وتواصله مع نقيب الباعة الجائلين محمد عبد الله، بمناسبة بحثه عن النقابات المستقلة في مصر. أمّا الضابط الثاني، فهو العقيد آسر كمال، والذي كان يعمل رئيساً لمباحث المرافق بالعاصمة، وتوجد دلائل على أنه هو الذي أشرف على رسم خطة تعقّب ريجيني في إطار التنسيق بين الأمن الوطني والأمن العام، وقد تمّ نقله بعد الحادث بأشهر عدة للعمل بمحافظة أخرى.
وكانت النيابة العامة المصرية قد أعلنت في ديسمبر الماضي أنها رفضت طلباً مقدماً من نيابة روما بإدراج بعض رجال الشرطة على قائمة ما يسمى في قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي "سجّل المشتبه فيهم"، وذلك لما أبداه الجانب الإيطالي من شكوك بشأن سابقة قيامهم بجمع معلومات عن ريجيني قبل مقتله، واستعرضت تساؤلات تتعلق بدخول ريجيني إلى مصر بموجب تأشيرة دخول سياحية دون التأشيرة اللازمة لقيامه بإجراء أبحاث خاصة برسالة الدكتوراه عن النقابات العمالية المصرية المستقلة. ويتأكد بذلك ما نشرته "العربي الجديد" سابقاً، عن اتجاه النيابة المصرية إلى تجاهل قصة عصابة السرقة التي اتهمت سابقاً بقتل ريجيني، وحتى قصة تتبع خطوات الطالب الإيطالي في الساعات السابقة لاختفائه، والتركيز على ما إذا كانت الدراسات التي أجراها ريجيني قد أدّت به للتعامل مع "أجهزة أمنية أو استخباراتية أجنبية أو منظمات مجتمع مدني ممولة من الخارج لممارسة أنشطة خارجة عن القانون المصري"، وهو المسار الذي اعتبره الجانب الإيطالي عودة إلى المربع الأول، ومحاولة جديدة للتضليل.