استراتيجية السرّاج: تذليل عقبات طرابلس تمهيداً لحل عقدة حفتر

06 ابريل 2016
مصير الجيش بقيادة حفتر يشكل عقدة أساسية(عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -
ينجح رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السرّاج، منذ دخوله طرابلس يوم الأربعاء الماضي، في إزالة العقبات التي تواجهه تباعاً، وبآلية فاجأت الجميع، خصوصاً أنه يبسط نفوذه وسيطرته على العاصمة طرابلس تدريجياً وبدون مقاومة تذكر، إلى حد الآن، مما يساعده في تقليص حدة التوتر في العاصمة.

وتمثل التطور الأبرز أمس الثلاثاء في إعلان حكومة الإنقاذ الوطني الليبية عن مغادرة السلطة. وقالت الحكومة، والتي يترأسها خليفة الغويل، في بيان نشرته وكالة "فرانس برس": "نعلمكم بتوقفنا عن أعمالنا المكلفين بها كسلطة تنفيذية رئاسة ونواباً ووزراء". وأوضحت أنها قررت التخلي عن السلطة "تأكيداً على حقن الدماء وسلامة الوطن من الانقسام والتشظي"، وأنها "تخلي مسؤوليتها وتبرأ أمام الله تعالى وأمام الشعب الليبي من أي تطورات قد تحدث مستقبلاً".

كما يحصد السرّاج تأييد المؤسسات الليبية المهمة، المالية، والنفطية، والمجالس البلدية، إلى جانب نيله دعم الشخصيات الليبية البارزة بالتزامن مع إقناعه الجميع بأنه أصبح صاحب السلطة الفعلية في البلاد. يضاف إلى كل ذلك التأييد الدولي الذي يحظى به، مع بعض الاستثناءات القليلة. وقد بدأ هذا الدعم يترجم بعودة البعثات الدبلوماسية للعمل من داخل طرابلس، فيما وصل المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، أمس الثلاثاء إلى طرابلس، في أول زيارة له عقب دخول المجلس الرئاسي إلى العاصمة، بعدما تم منعه أخيراً من زيارتها من قبل حكومة خليفة الغويل.

غير أن جميع النجاحات السياسية التي يحققها السرّاج تبقى رهينة تسوياته مع الأطراف المهمة في ليبيا، غرباً وشرقاً. ففي طرابلس، لم يلق منافسو السرّاج بعد بكل أسلحتهم، إذ لم يتم التسليم بالكامل للحكومة الجديدة، وإن كان ذلك سيتم قريباً بحسب مساعدي السرّاج، وخصوصاً بعد قرار حكومة الغويل وعقب تسارع خطوات تطبيق اتفاق الصخيرات، بما في ذلك اجتماع المجلس الأعلى للدولة أمس الثلاثاء في طرابلس واختيار عبدالرحمن الشاطر رئيساً له.
ويعدّ المجلس الأعلى للدولة ضمن الأجسام السياسية التي أفرزها الاتفاق السياسي بالصخيرات، ويتألف من أعضاء المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، ويشكل مجلساً استشارياً للدولة ويتخذ من طرابلس مقراً له، فيما يشكل مجلس النواب الجهة التشريعية في البلاد. ودعا المجلس الأعلى للدولة، أمس، حكومة الإنقاذ الغويل إلى تسليم السلطة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، وهو ما تم بالفعل مساء أمس.

يدرك السرّاج جيداً أن بسط سلطته بالكامل على العاصمة سيحتاج إلى حل جميع هذه المعضلات، وإلى إيجاد تسوية مع رموزها، وأبرزهم المفتي صادق الغرياني، الذي يملك مفاتيح كثيرة في المدينة، أهمها مفتاح المؤتمر الوطني العام الذي يرأسه نوري بوسهمين، والذي أكد في بيان أخيراً رفضه التعامل مع المجلس الرئاسي، ما لم تأخذ بعين الاعتبار ملاحظات المفتي الصادق الغرياني والمؤتمر الوطني في الاتفاق السياسي. وفي السياق، دخلت تركيا على خط محاولة مساعدة السرّاج، من خلال مبعوثها إلى ليبيا، أمرالله شلار، الموجود في طرابلس منذ يوم الإثنين ليقود وساطة بين الغرياني والمجلس الرئاسي، تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الطرفين، دعما للعملية السياسية في ليبيا.

والتقى شلار مع رئيس المؤتمر الوطني ومشايخ في دار الإفتاء، على رأسهم الغرياني. كما اجتمع الموفد التركي مع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، لمناقشة سبل حل الأزمة المتصاعدة منذ وصول المجلس الرئاسي إلى طرابلس. وأكد شلار، في مؤتمر صحافي عقده، أن ليبيا دخلت مرحلة مهمة بعد دخول المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني إلى طرابلس، مشيراً إلى أن الحوار هو السبيل الوحيد لاستقرار ليبيا.

وعلى الرغم من أن ملف الغرب الليبي لم يُغلق بعد، إذ ينتظر كثيرون من الكتائب المسلحة وقادتها والشخصيات البارزة والقبائل في الغرب، شكل تعاطي الحكومة الجديدة معهم، فقد برزت المعارضة الأشرس من شرق البلاد، بعد كلمة رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، الذي طرح السؤال الأكبر على السرّاج: كيف سيتم التعامل مع الجيش، وما هو مصير قائد الجيش الخاضع لمعسكر طبرق خليفة حفتر؟

صالح قال صراحة للسرّاج إن قوات الجيش الليبي التابعة لمعسكر طبرق وقيادتها العسكرية خط أحمر، في حين تدعو أصوات كثيرة في الشرق إلى رفع سقف الشروط أمام السرّاج وصلت إلى حد المطالبة بمجلس عسكري جديد يتولى أمر البلاد وإنشاء حكومة جديدة. ولئن كانت هذه الدعوات مبالغاً فيها، فإنها تعكس تحدياً بارزاً أمام السرّاج، سيكون عليه أن يوضح موقفه منه وخصوصاً أنه لم يرد حتى الآن على كلمة صالح. وبينما يحافظ السرّاج على هدوئه اللافت، لكنه يلوّح بأن في جعبته أفكاراً كثيرة لمعالجة هذا الأمر. ويشكّل اجتماع السرّاج بعدد من قادة الجيش قبل أيام رسالة واضحة بأن تيارات في الجيش تدعمه.

وفي السياق، قال نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، موسى الكوني، في تغريدة له على موقع "تويتر"، "إنه من الضروري تفعيل الدور المهم للجيش الليبي لتثبيت أسس الدولة... وكذلك عودة رموز الجيش لمهامهم". غير أن السرّاج يفضّل المحافظة على نفس الاستراتيجية الناجحة إلى حد الآن: التسويات الهادئة بعيداً عن الضجيج الإعلامي. ويبدو أنه بصدد هدم الحائط الكبير الذي يفصله عن الشرق، الذي يمثله في المجلس الرئاسي علي القطراني، الذي يتمسك باستمرار مقاطعته للمجلس ويعد أحد أشرس المدافعين عن حفتر. وإذا ما تم الاتفاق مع القطراني، فهذا يعني أن جزءاً كبيراً من المشكلة مع الشرق ومع حفتر قد تم حلها. وقد نجحت المساعي، بالفعل، في تأمين اجتماع أخيراً بين القطراني والمرشح لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق مهدي البرغثي، الذي أثار ترشيحه الغضب في الشرق الليبي.
وعلى الرغم من أنّ خبر لقاء القطراني بالبرغثي قد مر مرور الكرام في زحمة التطورات المتلاحقة، فإنه بالتأكيد يحمل مؤشراً مهماً في هذا المسار.

وفي السياق، قال عضو مجلس النواب، عيسى العريبي، إن اجتماعاً ودياً جمع البرغثي والقطراني وعدداً آخر من النواب لمناقشة مستجدات العملية السياسية. وأوضح العريبي في تصريح صحافي أن البرغثي لم يلتحق بعد بحكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي لأن مجلس نواب طبرق لم يصوت على التشكيلة الوزارية المقترحة حتى الآن، مشيراً إلى أن البرغثي في انتظار قرار مجلس النواب بشأنها. كما نفى وجود أي خلاف بين البرغثي والقيادة العامة للجيش بشأن ترشيحه لحقيبة الدفاع بحكومة الوفاق.

ولم ينف البرغثي مضمون ما نشره العريبي، لأن الاجتماع حصل بالفعل. وإذا ما صح أنه "لا خلاف حول تعيينه" فإنّ هذا يقود إلى الاعتقاد بأن تسوية ما قد تم الاتفاق حولها، لم يكن للبرغثي أن يعقدها بدون موافقة السرّاج. وستكون عودة القطراني إلى المجلس الرئاسي أهم إشارة على الوصول إلى اتفاق في هذا الخصوص. أما تمسكه بمقاطعة المجلس الرئاسي فيعني أن المشكلة تراوح مكانها.

في المقابل، يبدو أن مشكلة انسحاب النائب الثاني للمجلس الرئاسي، عمر الأسود، قد تم تجاوزها، إذ نوّه الأخير في بيان أصدره يوم الإثنين الماضي "بموقفي فخامة رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح والمبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر بشأن منح المجلس ثقته لحكومة الوفاق الوطني". ويؤشر هذا الموقف إلى عودة قريبة محتملة للأسود إلى المجلس الرئاسي في انتظار التحاق علي القطراني، ليكتمل نجاح السرّاج في تجاوز أهم التحديات السياسية داخل مجلسه.

المساهمون