يُجمع مسؤولون ومراقبون عراقيون على أن وجود تنظيم "داعش" كطرف مسيطر على المدن والأراضي العراقية، مثلما كان خلال السنوات الأربع الماضية، انتهى إلى غير رجعة، لكنهم في الوقت نفسه يؤكدون استمراره كتنظيم مسلح لديه القدرة على تنفيذ اعتداءات إرهابية في سيناريو مشابه لما اتبعه تنظيم "القاعدة" في العراق بين عامي 2006 و2012.
وحرص مسؤولون عراقيون خلال الأيام الماضية على التذكير بعدم اكتمال النصر على "داعش"، أو أن مهمة التصدي له بالعراق ما زالت قائمة. من بين هؤلاء رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ورئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني، ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي. كما أكد الرئيس العراقي برهم صالح، يوم الاثنين الماضي، أن "النصر على تنظيم داعش لم يكتمل"، مضيفاً في مؤتمر صحافي في باريس جمعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن "العالم بحاجة إلى تعزيز العمل من أجل إنهاء ظاهرة الإرهاب، وأن خطر الإرهاب في المنطقة لا يزال قائماً".
من جهته، قال مسؤول عسكري في وزارة الداخلية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المعركة ضد داعش والإرهاب لن تنتهي، والقادة في وزارة الداخلية يعرفون هذا الأمر منذ نهاية المعارك ضد التنظيم في 2017، طالما أن الخلايا ما زالت موجودة، إضافةً إلى أن عناصره ما زالوا يتطلعون لإعادة ما يعتبرونه دولتهم، فضلاً عن سوء الإدارة العسكرية في بعض الطرق والمدن التي احتلها التنظيم ثم تحررت، بالإضافة إلى عدم تعاون بعض الدول مع العراق في ضبط حدودها". ولفت إلى أن "قيادة التحالف الدولي كانت قد أخبرت رئيس الحكومة عادل عبد المهدي خلال الأشهر الماضية، أنها توصلت إلى معلومات تشير إلى نيّة التنظيم الإرهابي بتنفيذ هجمات على مدنيين في 11 منطقة عراقية، من ضمنها وادي حوران وشرق طوزخورماتو والحويجة وديالى والرمادي والنخيب والثرثار، إلا أن عبد المهدي لم يتخذ أي اجراء بشأن هذه المعلومات".
ولفت إلى أن "تنظيم داعش لن يعود إلى استخدام طريقة المجموعات القتالية المنظمة، وإنما سيعاود نشاطه على طريقة تنظيم القاعدة، ويستخدم العبوات الناسفة والسيارات المفخخة وقطع الطرق وخطف المدنيين وترويع السكان، وأن العمل في المرحلة الحالية وخلال السنوات القليلة المقبلة سيكون للمواطن، بدوره في الإبلاغ عن الحالات التي يشاهدها، فبدون المواطن لن تتمكن القوات من التقدم أو تحقيق أي إنجاز أمني".
من جهته اعتبر القيادي في "الحشد الشعبي"، علي الحسيني، أنه "يوجد تضخيم لخطورة داعش حالياً"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "لرئيس الجمهورية معلوماته ومصادره ونحن في الميدان لدينا مصادرنا". وأوضح أن "القوات العسكرية ومن خلال الجهود الاستخباراتية تدرك أن لا وجود لتنظيم داعش في المدن، مع وجود بعض العناصر المنفردة في صحراء الأنبار وأطراف المدن، وهذا لا يعني أن الإرهاب الموجود حالياً بمثل حجم الخطورة التي يتحدث عنها المسؤولون في الإعلام. القوات الأمنية ما تزال تطارد وتلاحق فلول داعش في أطراف المدن والبساتين النائية والصحاري". وعن حادثتي اختطاف مدنيين في الثرثار والنخيب، أشار إلى أن "الشباب الذين اختطفوا وصلوا أثناء رحلاتهم إلى مناطق بعيدة عن القوات الأمنية".
وأثارت حوادث اختطاف عشرات المدنيين في مناطق النخيب والثرثار (في الأنبار) وحمرين (كركوك) والجزيرة (نينوى) على أيدي مسلحين، خلال الأسبوعين الماضيين، مخاوف سكان المناطق التي تعرضت إلى احتلال التنظيم بين عامي 2014 و2017 من عودة عدم الاستقرار مجدداً، فيما أبدى مراقبون مخاوفهم من دخول جماعات أخرى على خط التلاعب بأمن المناطق، وحدوث ردود فعل انتقامية ذات بعد طائفي رداً على الهجمات التي نفذها "داعش" أخيراً له.
من جهته، اعتبر النائب عن تحالف "الإصلاح والإعمار"، أن "الحكومة والقوات الأمنية بعد معارك التحرير ضد تنظيم داعش، لم تتمكن من خلق روح الثقة بينها وبين المواطن، وبالتالي فإن القضاء على الإرهاب بشكله الحالي سيكون صعباً، لا سيما أن 90 في المائة من الجهود ستعتمد على المواطن"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "أي مواطن من أهالي الموصل أو صلاح الدين إذا توجه إلى القوات العراقية وأبلغ عن عنصر من داعش أو مجموعة إرهابية تستقر في بلدة ما، يتم التعامل معه بخشونة وتشكيك، ما يجعله متردداً. كما أن الإرهابيين أنفسهم سيؤذونه لأنهم سيعرفون بإبلاغه في المراكز الأمنية".
وبرأيه فإن "المعركة الاستخباراتية التي يتحدث عنها القادة العسكريون عمودها الفقري المواطن، وهذا المواطن لن يتدخل بأي أمر، لأنه إن تدخّل سيقع بين نارين، نار الإرهاب ونار الدولة، وحتماً سيكون وحده الضحية مما سيحدث"، مشيراً إلى أن "الحل يكمن في تبديل مدراء ومسؤولي كل المنظومات العسكرية من الجيش والشرطة والحشد الشعبي والمخابرات، لأن أغلبهم تجار حرب وليسوا قادة أمن حقيقيين".
إلى ذلك، رأى الباحث مؤيد الجحيشي، أن "استراتيجية أي تنظيم ارهابي أو مقاومة أو معارضة، بعد انحسارها، اتباع حرب العصابات، وهذه الحرب لا يمكن لأي جيش في العالم أن يتمكن منها"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "داعش عاد يعتمد على أسلوبه القديم في استهداف المدنيين، فهو لم يستهدف خلال الأشهر الماضية ولن يستهدف في الأيام المقبلة أي قوة عسكرية، لأنه يريد أن يزرع الخوف في نفوس العراقيين، ومن ثم يعود إلى ضرب الدولة، لتحقيق دولته مرة ثانية، فعناصر التنظيم وقيادته ما يزالون يحلمون بإعادة تقوية شوكتهم وسيسعون لذلك مهما كلف الأمر".