العراق: سنجار تدخل عاصفة التغيير الديمغرافي

05 ديسمبر 2016
نساء أيزيديات في معبد ديني (كريس ماكغراث/Getty)
+ الخط -

تعود مدينة سنجار العراقية، الواقعة غربي الموصل، إلى واجهة الأحداث، بعد نحو عامين من تعرّضها لواحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بعد احتلاله أجزاء واسعة من العراق وسورية في يونيو/حزيران 2014، وإعدام عشرات الرجال وسبي آلاف النساء من الطائفة الأيزيدية، المتمركزة في المدينة وضواحيها. وأشارت معلومات متواترة عن محاولات لمنع عودة السكان الأيزيديين إلى المدينة والقرى الجبلية المحيطة بها، بعد هجرة مماثلة انتهت بسكان المدينة المسيحيين السريان إلى دول أوروبية مختلفة، منحتهم حق اللجوء الدائم، أبرزها فرنسا والسويد وأستراليا فضلاً عن الولايات المتحدة.

في هذا السياق، ذكرت مصادر حكومية كردية في أربيل، لـ"العربي الجديد"، أن "تحركات وجهود تبذل في المناطق القريبة من الحدود العراقية السورية، تخدم مخططاً ايرانياً للسيطرة عليها، ومدّ الطريق البري الواصل بين إيران بسورية عبر العراق".

وقال مصدر كردي لـ"العربي الجديد"، إن "منظمة تدعى يزدا، تقول إنها تختص بالدفاع عن حقوق الأيزيديين، ولها ممثلون في العراق، والولايات المتحدة، وبريطانيا، والسويد، تقوم بتشجيع الأيزيديين على الهجرة من العراق إلى الخارج. وعملت على تحقيق ذلك بطرق عدة ونقلت مئات العائلات من المخيمات إلى تلك الدول، بل وضغطت على الرافضين للهجرة منهم بطرق شتى، تتفاوت بين الإغراء المفرط بالحياة هناك، أو التهديد بأن داعش قد يعود بأي وقت. ولا يمكنهم الآن العودة لمنازلهم على الرغم من تحرير المدينة من سيطرة داعش". وبيّن أن "الهدف من ذلك كله، تأمين طريق إيران إلى سورية، بعد أن أصبحت تلعفر في متناول يد المليشيات، التي تشرف عليها إيران بالكامل".

في هذا الصدد، ذكر تقرير نشرته صحيفة "وشه" التي تصدر باللغة الكردية، أن "رئيس منظمة يزدا، مراد إسماعيل، أقنع الفتاة الأيزيدية الناجية من أسر داعش، نادية مراد، بعد تبنّي قضيتها والترويج لها في العالم، بأن تطلب من قادة الدول الأوروبية وكندا فتح باب هجرة الأيزيديين لدولهم، وقد تلقّت بالفعل وعداً من كندا بالسماح بهجرة 1500 أيزيدي".

الصحيفة التي بحثت عن خلفية رئيس المنظمة، ربطت في تقريرها بينه وبين الإيرانيين، عن طريق قريب له يعمل مستشاراً لمسؤول عراقي بارز وعلى علاقة بإيران. وأشارت إلى أنه "أخذ يعمل من أجل هجرة الأيزيديين من المنطقة، وإبقاء سنجار والمناطق المؤدية إلى الأراضي السورية، خالية من السكان، لإفساح المجال أمام الإيرانيين لفتح الممر الذي يسعون إليه".



وأضافت الصحيفة أن "طلب نادية مراد، التي اختيرت سفيرة للنوايا الحسنة في الأمم المتحدة، من الدول تسهيل لجوء الأيزيديين إليها، صدم قادة تلك الدول الذين يريدون مساعدة الأيزيديين النازحين من مناطقهم، ودعم إعمارها بدلاً من تشجيع هجرتهم". وذهبت الصحيفة إلى حدّ القول إن "ما يضع الشكوك حول منظمة يزدا، هو أنها تأسست في 28 أغسطس/آب 2014، بعد مرور 25 يوماً على هجوم داعش على سنجار، وبعد حملة جمع مساعدات للمنكوبين بسبب الهجوم، وإقامة وحدة طبية على جبل سنجار لمساعدة النازحين، أخذت المنظمة تعمل على تشجيع الأيزيديين على الهجرة إلى خارج العراق". وفي غضون ذلك، تبنّت المنظمة حالة الفتاة الأيزيدية مراد، وقامت بترتيب زيارة لها إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، برفقة إسماعيل.

من جهته، علّق القيادي في الحزب الديموقراطي الكردستاني، حمة أمين، على ذلك بالقول إن "هناك من لا يرغب في عودة السكان إلى سنجار". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "سنجار بوابة دخول سورية بالنسبة إلى المليشيات، وكذلك أحد مداخل العمال الكردستاني في تهديد حدود تركيا. لذلك هناك من لا يرغب أو يعمل على تركها مدينة خاوية على الأقل، خلال العامين المقبلين بسبب الملف السوري". ورأى أن "العمال الكردستاني ومليشيات الحشد باتا في مرحلة تناغم وتوافق كبيرين، في عدد من الملفات، مما يعني أن الأمر عبارة عن إرادة إيرانية"، مع العلم بأن إيران انتبهت لأهمية سنجار في وقت مبكر، لذلك دفعت بمسلحين من الكردستاني، بعد وقت مبكر من ظهور "داعش" في المنطقة، للانتشار في أجزاء من سنجار وإقامة قواعد ومعسكرات تدريبية وأخذوا يجندون شباناً أيزيديين، تحت إغراء المال وفكرة الدفاع عن مناطقهم، قبل أن تنسّق إيران بين الحزب وقيادة "الحشد الشعبي" في بغداد، ليتم توفير مستلزمات تأسيس لواء مسلح من ألف عنصر، يضمّ خليطاً من أهالي سنجار وأكراد سوريين، ضمّ العشرات من أبناء القرى العربية القريبة من سنجار، خصوصاً تلك التي تعاونت مع "داعش". وبسبب أهمية سنجار تتعاون جهات عديدة مثل "الحشد"، وحزب "الدعوة" بقيادة رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني، وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري وجهات أخرى، في المنطقة.

وذكرت تقارير صحافية سابقة أن "استراتيجية إيران للمستقبل تتضمن تأمين مناطق معينة في العراق وسورية، بينها تلعفر وسنجار والمناطق ذات الأغلبية السكانية الكردية، في شمال سورية، وصولاً إلى حلب وبعدها اللاذقية فالبحر المتوسط. وبذلك تحصل على طريق يمكنها من نقل الدعم لتنفيذ مشاريعها في سورية ولبنان.

ووفقاً لمراقبين في إقليم كردستان، فإن إخلاء مناطق محددة من الطريق الذي تسعى إليه إيران، يتضمن إجراءات متعددة، بينها تشجيع هجرة سكانها من الشبان إلى خارج العراق. وكذلك دفع الأسر التي نزحت تحت تهديد "داعش" إلى البقاء بعيداً عن المنطقة والعيش في المخيمات.

من جهته، قال نجل أمير الأيزيديين، برين تحسين بك، إنه "ليس بالإمكان منع الأيزيديين من الهجرة إلى الخارج، فهم فقدوا الثقة بالعراق ويجب إعادة تلك الثقة إليهم. نحن ننتظر صدور قرار من البرلمان الأوروبي يتعلق بحماية الأيزيديين والاعتراف بتعرضهم للإبادة، لكن ليس هناك قرار في إقليم كردستان وفي العراق بوجه عام لحمايتهم، لذلك يهاجرون". وأضاف في تصريح صحافي أن "الأيزيديين يشكّلون ما نسبته 10 في المائة من سكان إقليم كردستان، لكن ليس هناك مسؤول واحد بارز في الحكومة منهم".

وسنجار، الواقعة على بعد 120 كيلومتراً غرب الموصل، قرب الحدود مع سورية، يسكنها خليط عراقي من السريان المسيحيين والأيزيديين، بينما تحيط بها قرى تعرف باسم مضارب شمر العربية، وسبب تسمية المدينة بهذا الاسم يعود إلى أن أول من قطنها كان فرعاً من قبيلة شمر تُعرف باسم سنجار. وفي المدينة حالياً نحو 100 ألف نسمة، عرفوا بانسجام كبير في ما بينهم منذ قرون طويلة. ومن أبرز معالم قضاء سنجار معبد "شرميرا" الذي يعني بالآشورية "أربعين رجلاً"، ويقع عند أعلى نقطة في جبل سنجار.