وزاد من التوجس أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو سيلتقي، اليوم الثلاثاء، قائد قوات المنطقة الوسطى الجنرال كينيث ماكينزي في مقر القيادة بولاية فلوريدا، للتداول معه بشأن الحشد العسكري في الخليج، باعتبار أن هذا الأخير هو المرجع للقوات الأميركية في الشرق الأوسط.
زيارة من هذا النوع كان يمكن أن تكون عادية لو جرت برفقة وزير الدفاع، أو لو حصلت في ظروف عادية. لكن تفرد بومبيو بها، وفي هذا الظرف بالذات، وهو المعروف بتشدده تجاه إيران، حمل على ربطها بزيادة القوات، وعلى التساؤل عن الغرض من هذا التصعيد الذي حرّك الهواجس من جديد، "وأثار مخاوفي أكثر من أي وقت مضى خلال هذه الأزمة"، كما قال السناتور الديمقراطي كريس مورفي، وخصوصاً أن جناح الصقور أخذ جرعة زخم من بعض رجال الكونغرس، مثل السناتور الجمهوري توم كوتن، الذي دعا صراحة إلى الرد على تفجير الناقلات بضربة عسكرية ضد إيران.
ولا يزال "الجمهوريون" في خندق الإدارة إجمالاً في ما يتعلق بالملف الإيراني، ولو أن معظمهم غير متحمس لعمل عسكري ضد طهران.
وأسقطوا أخيراً مشروع قرار في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، يقضي بضرورة حصول الإدارة على موافقة مسبقة قبل أي عملية ضد إيران، وقد صوّت مع القرار جمهوري واحد.
لكن مع ذلك، ورغم ما توحي به أجواء التشدد هذه، يبدو أن التصعيد من الجانبين لم يغادر بعد دائرة لعبة التحدي والتهويل بهدف فرض مخرج ما، فالخطوات التي اتخذت من قبل الطرفين الأميركي والإيراني، حرص كلاهما على أن تبقى محدودة: إرسال ألف جندي في حالة من هذا المستوى، لا يشير إلى وجود تحضير قتالي ميداني، بل ربما للقيام بمهمة "الحراسة"، في حال جرت عمليات محدودة غير مستبعدة. كذلك، رفع منسوب التخصيب 20% لا يعني التخلي كلياً عن الاتفاق.
وفي الحالتين، ما زالت المناورة أداة لتوصيل الرسائل. واشنطن كما طهران، تراهن على عدم وجود رغبة ولا خطة لدى الآخر للدخول في حرب، لكن الخطر، كما يحذر المتخوفون، هو أن يتحكّم المتطرفون لدى الجهتين بالقرار، بشكل يؤدي الإمعان في التهديد إلى إغلاق خط العودة، وبالتالي إسقاط احتمالات التسوية.
الاختبار الأهم يكمن في استئناف إيران نشاطها النووي، وعامل الوقت ضاغط، فيما تبدو الوساطة مفقودة، والطرف الأوروبي يبدو الأقرب لهذا الدور.
وثمة من يدعو، في هذا السياق، إلى العمل على مشروع للتفاوض على "توسيع" الاتفاق النووي مقابل "رفع بعض العقوبات" عن إيران. طرح يعكس تفهم أوساط أميركية واسعة لموقف إيران بالرغم من تحميلها مسؤولية تفجير الناقلات.
مفارقة تعكس في جانبها الآخر تحميل إدارة ترامب مسؤولية فتح هذه الأزمة بانسحابها من الاتفاق النووي أصلاً، ومن دون طرح بديل له. بديلها كان "تغيير سلوك" إيران في المنطقة، أي تغيير النظام، وهذا أمر "غير واقعي" كما يقول ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، تحقيقه يتطلب حملة عسكرية يبدو غزو العراق عملية باهتة مقارنة بها، لا هي واردة في تصور الرئيس ترامب ولا الكونغرس والرأي العام الأميركي، وهنا يكمن استعصاء الأزمة الحالية التي تجري محاولات لحصرها في إطار إدارة أزمة.