دعاة وأمراء سعوديون في قبضة السلطات: قصقصة أجنحة أي مشروع معارض

11 سبتمبر 2017
اعتقالات تعزز قبضة بن سلمان(فايز نورالدين/فرنس برس)
+ الخط -
تأتي حملة الاعتقالات التي شنّتها السلطات السعودية واستهدفت دعاة منتمين إلى تيارات الإسلام السياسي، في مقدّمتهم سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري، إضافة إلى أعضاء غاضبين من داخل الأسرة الحاكمة، تبعتها اعتقالات أخرى اليوم؛ لتقضي على أي بذور للمعارضة يمكن أن تتشكّل ضدّ ولي العهد محمد بن سلمان، وخصوصاً أن غالبية هؤلاء المعتقلين تحظى بتأثير واسع داخل الوسط السعودي.


وبعد أن شنّت السلطات السعودية، مساء يوم أمس الأحد، حملة اعتقالات واسعة ضد دعاة إسلاميين وأعضاء بارزين في الأسرة الحاكمة، بلغ عددهم 20 شخصاً حتى الآن، دون توجيه أي تهمة رسمية لهم؛ أفادت مصادر بأن السلطات السعودية اعتقلت خمس دعاة آخرين بارزين، وشملت الأسماء كلًّا من الشيخ إبراهيم الحارثي، أحد أبرز الخطباء في مدينة جدة، والشيخ محمد بن عبد العزيز الخضيري، الأستاذ المساعد بقسم الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود، إضافة إلى الباحث الإسلامي المثير للجدل، حسن فرحان المالكي، والداعية غرم البيشي، والداعية محمد الهبدان، عضو رابطة علماء المسلمين.


وتكشفت أسماء المعتقلين تباعاً، ومن بينها الداعية الإسلامي صاحب التأثير الواسع في الخليج سلمان بن فهد العودة، الذي اقتيد إلى مكان مجهول، كما اعتقل الداعية الإسلامي المحسوب على "تيار الصحوة"، عوض القرني، والذي اشتهر بعدائه الشديد لإسرائيل ودعمه للحركات الفلسطينية المقاومة، واعتقل كذلك الأمير عبدالعزيز بن فهد، ابن الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز آل سعود من زوجته الجوهرة بنت إبراهيم (شقيقة مالك مجموعة قنوات mbc والعربية)، كما اعتقلت السلطات، بشكل مفاجئ، رئيس قنوات "فور شباب"، والمقرب من جماعة "الإخوان المسلمين"، الدكتور علي العمري، والباحث الإسلامي حسن فرحان المالكي.


وقال نشطاء حقوقيون ومراقبون سياسيون إن التهمة الحقيقية وراء اعتقال سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري هي الصمت عن قطر، وعدم شتمها والمشاركة في الحملة الإعلامية التي شنتها دول الحصار ضد الدوحة، بالتزامن مع اختراق موقع "وكالة الأنباء القطرية" (قنا)، ونشر تصريحات ملفقة فيها على لسان أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فيما كانت التهمة وراء اعتقال حسن فرحان المالكي هي إبداء رأي مخالف في ما يخص الحرب على اليمن.


وقال مصدر مقرب للداعية الإسلامي سلمان العودة، لـ"العربي الجديد"، إن مستشاراً إعلامياً قوي النفوذ داخل الديوان الملكي طلب منه قبل أشهر المشاركة في الحملة الإعلامية ضد قطر، لكن العودة رفض، متوقعاً أن يكون الأمر مجرد اجتهاد شخصي من المستشار، قبل أن يفاجأ بمنعه من السفر، واعتقاله واقتياده إلى مكان مجهول.



وسبق للسلطات السعودية أن اعتقلت العودة، وهو أستاذ سابق للدراسات الإسلامية، وناشط سياسي وحقوقي، لمدة خمس سنوات بين عامي 1994 و1999، وذلك على خلفية مشاركته في التوقيع على وثيقة المطالب التي طالبت بإصلاحات سياسية واقتصادية ووقف الفساد الإداري في البلاد.


وفي المقابل، كان اعتقال الأمير عبدالعزيز بن فهد متوقعاً، وخصوصاً أنه كتب أكثر من مرة تغريدات لاذعة ضد ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، حليف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كما نبّه إلى خطورة حصار قطر وطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية. ويعيش بن فهد في نيويورك، لكنه عاد إلى السعودية للمشاركة في مناسك الحج، والتقى الملك سلمان بن عبدالعزيز، ثم كتب على حسابه في "تويتر" أنه قد يتعرض للاعتقال والاغتيال، قبل أن يمسح تغريداته من حسابه مدعياً اختراقه.


وتأتي خطوات محمد بن سلمان في اعتقال الدعاة المنتمين إلى تيارات الإسلام السياسي كخطوة نهائية للقضاء على أي قوة معارضة شعبية ضده، وخصوصاً أن هؤلاء الإسلاميين، وعلى رأسهم العودة الذي يحظى بمتابعة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، وعوض القرني الذي يعد من أكثر المؤثرين داخل الوسط السعودي، بالإضافة إلى علي العمري المتخصص بشؤون الشباب، والمقرب من "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي يترأسه يوسف القرضاوي، قد يعيقون أي خطوة انتقال حكم قادمة يقوم بها، والأمر نفسه بالنسبة إلى أعضاء الأسرة الحاكمة المعارضين والحانقين ربّما على القيادة السعودية الحالية، إذ يقبع ولي العهد المعزول من منصبه، محمد بن نايف، تحت الإقامة الجبرية برفقة بناته، بالإضافة إلى اعتقال الأمير عبدالعزيز بن فهد، وتحييد كل من وزير الحرس الوطني السابق، متعب بن عبدالله، وأحمد بن عبدالعزيز آل سعود، كبير أمراء الأسرة المالكة.


وسبق لبن سلمان أن اعتقل عدداً من المفكرين الإسلاميين المحسوبين على "تيار الصحوة"، أبرزهم الشيخ عبدالعزيز الطريفي، والمفكر إبراهيم السكران، ورجل الدين المحسوب على ولي العهد السابق محمد بن نايف، سعد البريك، الذي اختفى عن الأنظار في ظروف غامضة.


وفضّل العشرات من الكتاب الصحافيين والإسلاميين اعتزال الكتابة والتواري عن المجال العام، بدعوى التفرغ للبحوث الأكاديمية، رغم أن السلطات بدأت فعلاً حملة اعتقالات واسعة تحت تهمة "الصمت عن قطر". ويحاول الكتّاب تجنب الاعتقال من قبل أجهزة ولي العهد السعودي، الذي قلّص صلاحيات وزارة الداخلية الموالية لوزيرها السابق محمد بن نايف، وألغى صلاحية اعتقال الأفراد منها، بعد أن أسس جهاز أمن الدولة الخاص به، والمكون من كبار الضباط الموالين له في الأجهزة الأمنية الذين يتلقون الأوامر من الديوان الملكي، وليس من وزارة الداخلية، كما هو معمول به في بقية دول العالم.