الجدول الزمني لملء سدّ النهضة يصعّب أجندة اجتماع واشنطن

27 يناير 2020
ترفض إثيوبيا القياس بمؤشرات دولة المصب (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

فشلت اجتماعات اللجان الفنية والقانونية بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سدّ النهضة، التي انعقدت في العاصمة السودانية الخرطوم يومي الأربعاء والخميس الماضيين، في حلّ أبرز المشاكل التي كان من المقرر التوصل إلى حلول نهائية بشأنها قبل جولة التفاوض المرتقبة في واشنطن هذا الأسبوع، وتحديداً يومي 28 و29 من شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، والتي سافر وزيرا الخارجية والري المصريين سامح شكري ومحمد عبد العاطي أمس الأحد لحضورها. وتهدف جولة واشنطن إلى الخروج باتفاق نهائي ملزم لجميع أطراف الأزمة حول قواعد الملء والتخزين وتدابير الجفاف ومواعيدها.
وكشفت مصادر مصرية شاركت في اجتماعات الخرطوم، أنه لم يتم الاتفاق بشأن ثلاث مسائل رئيسية، أُولاها المعايير الرقمية لاتخاذ هذه التدابير بهيدرولوجيا النيل الأزرق والجدول الزمني للملء الأول للسدّ، وثانيتها طبيعة التدابير الواجب اتخاذها في فترات الجفاف، وثالثتها وضع آلية تنسيق فعالة ودائمة لفضّ المنازعات.  

وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إن الجانب الإثيوبي "لا يزال متمسكاً بوضع جدول زمني محدود للغاية لا يزيد على سبع سنوات لملء السد بشكل كامل ومستديم، لإنتاج أكبر قدرٍ من الكهرباء، والحفاظ على وتيرة الإنتاج في الفترة بين صيف 2021 وخريف 2026 على أقل تقدير".

وحول الموقفين السوداني والمصري من هذا الطرح، قالت المصادر إن "الخرطوم ليس لديها مشكلة في قبول الطرح الإثيوبي، وترى أنها محكومة بالاتفاق على الملء في شهور الفيضان فقط، لكن القاهرة قلقة من عودة أديس أبابا للملء دون ضوابط في أي مرحلة لاحقة بحجة سيادتها المطلقة على السدّ". هذه الإشكالية، تجعل مصر، بحسب المصادر، "تتمسك برفض ربط مسألة الملء بعددٍ معين من السنوات، وتحاول استمالة إثيوبيا إلى موقفها، بالقول إنه لا توجد لدى القاهرة مشكلة في الملء السريع، حتى ولو خلال فترة أقل من أربع سنوات، ما دامت  مناسيب المياه في السدود الأخرى لا تتأخر، والمقصود بها بالطبع السد العالي في أسوان".

وأوضحت المصادر أنه إزاء استمرار الخلاف بين المسؤولين الفنيين في الدول الثلاث حول هذه النقطة، تعرضت المناقشات لما يشبه الجمود، على الرغم من أنها كانت تسير في ثلاثة خطوط متوازية، نظراً لترتب المسألتين الأخريين، هما تدابير الجفاف، وآلية فضّ النزاعات والتنسيق، على المسألة الأولى الخاصة بالمعايير الرقمية والجدول الزمني.


وشرحت المصادر مسألة التقارب الإثيوبي - السوداني، بأنه كان هناك اتفاق في واشنطن بين الجانبين على ضرورة إبقاء منسوب المياه في بحيرة سدّ النهضة أعلى من 595 متراً فوق سطح البحر، لتستمر قدرته على إنتاج الكهرباء، وهو أمر رفضته مصر لأنها رأت أنه غير عادل إذا انخفض مقياس المياه في بحيرة ناصر عن 165 أو 170 متراً. هذه المسألة الخلافية حاولت المناقشات الفنية التوصل إلى حل بشأنها، لتطبيق البند الرابع من الاتفاق التمهيدي الذي جرى التوصل إليه في واشنطن الأسبوع الماضي، والذي ينص على ملء البحيرة بعد إتمام الملء الأول والوصول إلى المنسوب المطلوب لتوليد المياه على مراحل تبعاً لظروف هيدرولوجيا النيل الأزرق ومستوى بحيرة السدّ. وتهدف هذه الخطوة إلى الحفاظ على وتيرة وصول المياه إلى السودان ومصر، من دون تحديد المنسوب المقبول في البحيرة مستقبلاً، أو حتى المنسوب الذي يجب الحفاظ عليه في الخزانات الأخرى. 

وعن مسألة آلية التنسيق وفضّ النزاع، قالت المصادر إنها ليست بسيطة وستكون مركبة، فمن المقرر حتى الآن أن تضم مسارات عدة، وهناك معالم اتفاق على عقد اجتماعين دوريين سنوياً بين وزراء الخارجية والمياه في كل من الدول الثلاث تقدم فيها أديس أبابا خطة الملء الخاصة بها، وتعرض فيها مصر مخاوفها ومحاذيرها المختلفة. على الرغم من ذلك، هناك بعض الخلافات تكمن في رغبة إثيوبيا في إبعاد وزراء الخارجية عن النقاشات الفنية، وهناك مقترحات أخرى بأن تُشكَّل لجنة فنية خالصة من الدول الثلاث لمتابعة حالة النيل ومدى التزام كل طرف تعهداته. كذلك توجد خلافات أخرى حول اللجوء إلى دول أو مكاتب استشارية لفضّ النزاعات، حيث ترغب مصر في استمرار الاعتماد على البنك الدولي والولايات المتحدة في هذا المجال، بينما تعرض إثيوبيا إدخال طرف أفريقي.

واتفق وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث، على ست نقاط أساسية للبناء عليها لإنتاج اتفاق نهائي هذا الشهر. وعلى الرغم من أهميتها، واعتبار البيان أنها تمثّل "تقدّماً محرزاً على صعيد النقاشات الفنية"، إلا أن هذه النقاط ليست حاسمة للشواغل الرئيسية لمصر في ما يتعلق بالتدابير الواجب اتخاذها في فترات الجفاف، بل إنها تضمن للإثيوبيين الوصول بمستوى المياه في بحيرة السد إلى 595 متراً فوق سطح البحر، بشكلٍ سريع، بما يساعد على التوليد المبكر للكهرباء.

وفشلت اجتماعات واشنطن السابقة في حسم ثلاث مشاكل أساسية: أُولاها استمرار عدم الاتفاق على آلية واضحة لوقاية مصر من الأضرار في فترات الجفاف بإرجائها لمفاوضات لاحقة، واستمرار الخلاف حول طبيعة آلية التنسيق التي كان من المقرر التوافق عليها بحلول منتصف الشهر الحالي، بحسب البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول 2019، وذلك في ظل إصرار أديس أبابا على حقها السيادي المطلق في إدارة السدّ. أما المشكلة الثالثة، فهي الفشل في الاتفاق على آلية محددة لحسم النزاعات، بما في ذلك العجز عن التوافق على تفعيل المادة العاشرة من اتفاق المبادئ التي تنص على أن يتم الاتفاق بين الدول الثلاث على تسوية النزاعات الناشئة عن خلاف في تفسير الاتفاقية أو تنفيذها، ودّياً، من خلال استدعاء طرفٍ رابع للتوفيق أو الوساطة، أو إحالة المسألة للنظر فيها من قبل رؤساء الدول أو الحكومات.

وكانت قد اندلعت أزمة بعد جولة التفاوض الفني الرابعة في أديس أبابا، عندما رفضت إثيوبيا المقترح المصري الذي يتمسك بتدفق 40 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق سنوياً، وهو متوسط إيراد النهر في أثناء فترات الجفاف والجفاف الممتد، استدلالاً بما حدث في الفترة بين عامي 1979 و1987.

وقالت إثيوبيا إن المقترح المصري يتطلب ملء سدّ النهضة في فترة بين 12 و21 عاماً، وكانت قبلها تقول إنها تتوقع التوصل إلى اتفاق بالنظر لحالة فيضان النيل في السنوات الحالية. وأكدت أديس أبابا تمسكها بأن الحفاظ على منسوب المياه في بحيرة ناصر عند 165 أو 170 متراً قد يؤدي إلى حرمانها إمكانية الملء لشهور عديدة متتابعة، نظراً لتدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي ترى أن المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب.

وسبق أن قال مصدر إثيوبي تابع لـ"جبهة تحرير تغراي"، أحد مكونات التحالف الحاكم الحالي، التي تجمعها علاقة متوترة سياسياً برئيس الوزراء آبي أحمد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بداية الشهر الحالي، إن مسؤولين حكوميين في وزارة الطاقة ومشروع سد النهضة أبلغوا قيادات "الجبهة" بأن توليد الطاقة الكهربية من السدّ سيبدأ جزئياً في يوليو/ تموز أو أغسطس/ آب 2021.

المساهمون