هجمات تستهدف "قسد" في الشرق السوري: "داعش" المتهم الأبرز

16 ابريل 2020
تزايدت الهجمات على "قسد" أخيراً (كريث ماكراث/Getty)
+ الخط -


لم تستقر الأوضاع الأمنية بعد في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات في أقصى الشرق السوري، منذ أن انتزعت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) السيطرة نهائياً على المنطقة من تنظيم "داعش" أوائل العام الماضي. وتتعرض هذه القوات بين فترة وأخرى لهجمات تُنسب إلى مجهولين، لكن مصادر محلية تؤكد وجود خلايا نائمة للتنظيم تتحيّن الفرص لتنفيذ هجمات في المنطقة الغنية بالبترول، التي ظل "داعش" مسيطراً عليها لسنوات.

وفجّر مجهولون، يُعتقد أنهم ينتمون إلى تنظيم "داعش"، مساء الثلاثاء الماضي، أجزاءً من مدرسة في قرية الحوايج بريف دير الزور الشرقي، بعد معلومات عن نية "قسد" التي تسيطر على القرية، تحويلها إلى مقر عسكري. وذكرت صفحة "عين الفرات"، على موقع "فيسبوك"، أن التفجير لم يُوقع إصابات، فيما فرضت "قوات سورية الديمقراطية" طوقاً حول المكان. وازدادت في الآونة الأخيرة الهجمات من قبل مجهولين على مقارّ ودوريات تابعة لـ"قسد"، التي تمثل "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الفقري، في ريف دير الزور وفي ريف الحسكة الجنوبي، ما يشي بأن بعض الخلايا النائمة للتنظيم بدأت تستعيد قواها. وفي السياق، شنت "قوات سورية الديمقراطية"، مساء أول من أمس، حملة اعتقالات في منطقة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي شرق البلاد، عقب تعرضها لهجومين في ريف الحسكة وريف دير الزور أوقعا خسائر في صفوفها.

من جانبه، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "قوى الأمن العام" التابعة لـ"قسد" اعتقلت الثلاثاء الماضي 10 أشخاص في بلدة الباغوز، بحوزتهم طلقات متفجرة تستخدم في عمليات الاغتيال، بتهمة التعامل مع خلايا نائمة لـ"داعش"، من بينهم قيادي في التنظيم. وأشار إلى أن مسلحين اثنين كانا يستقلان دراجة نارية، اغتالا أمنياً سابقاً في "داعش" ممن انضموا إلى استخبارات "قسد" لاحقاً، بإطلاق النار عليه في بلدة الشحيل بريف دير الزور الشرقي. وقالت مصادر مقربة من "قسد" لـ"العربي الجديد" إن مجهولين هاجموا دورية عسكرية في منطقة جنوب الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، القريب من ريف دير الزور، موقعين جريحين من عناصر الدورية، فيما هاجم مجهولون دورية تابعة لـ"قسد" في منطقة التويمين جنوب شرقي الحسكة. كذلك هاجم مجهولون دورية في بلدة البصيرة بريف دير الزور الشرقي، ما أدى إلى مقتل عنصرين وإصابة آخر. وأشارت مصادر محلية الى أن الهجوم في بلدة البصيرة وقع قرب مقر أمني لـ"قسد"، وبدأ بتفجير عبوة ناسفة بالدورية تلاه إطلاق نار قبل فرار المهاجمين.


ودفعت هذه التطورات قوات التحالف الدولي، الثلاثاء، إلى إرسال تعزيزات عسكرية إلى قواعدها في ريف الحسكة الجنوبي. وقالت مصادر محلية إن رتلاً يضم أكثر من 100 شاحنة تحمل معدات عسكرية، قدم من إقليم كردستان العراق عبر معبر سيمالكا الحدودي إلى قواعد التحالف في ريف الحسكة الجنوبي. وتتلقى "قسد"، منذ تأسيسها أواخر عام 2015، دعماً كبيراً من التحالف الدولي، بقيادة أميركا، التي تعتمد على هذه القوات في حماية حقول النفط والغاز وآبارها في ريفي دير الزور والحسكة، حيث يضم شرق سورية وشمالها الشرقي أهم هذه الحقول والآبار، وفي مقدمتها الرميلان في ريف الحسكة الشمالي الشرقي، إضافة إلى حقول غاز في منطقة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، بينما يضمّ ريف دير الزور واحداً من أكبر حقول النفط في سورية، وهو العمر، إضافة إلى حقول أخرى، بينها "التنك" و"كونيكو" للغاز.

وسيطرت "قوات سورية الديمقراطية" على ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات خلال عام 2018. لكن "داعش" بقي يقاتل في معقله الأخير في الباغوز حتى فبراير/ شباط 2019. وبقيت "خلايا نائمة" تابعة للتنظيم تتحين الفرص لتنفيذ هجمات على مواقع ودوريات "مجلس دير الزور العسكري"، التابع لـ"قسد"، الذي يسيطر على ريف دير الزور شمال نهر الفرات. وكان "داعش" قد فرض سيطرة كاملة على ريف دير الزور الشرقي في عام 2014، إبان صعوده الكبير في سورية والعراق، قبل أن يبدأ رحلة التراجع التي انتهت في 2018 بسيطرة قوات النظام ومليشيات إيرانية على ريف دير الزور جنوب النهر، و"قسد" على ريف دير الزور الشرقي شمال النهر. ومنذ مطلع 2020، عاد تنظيم "داعش" لاستهداف قوات النظام و"قسد"، حيث تنشط خلايا التنظيم في البادية في استهداف قوات النظام، بينما تنشط أخرى شمال النهر في استهداف "قسد".

لكن التنظيم لم يعد يمتلك قدرات عسكرية يمكن أن تجعله لاعباً أساسياً في المنطقة، خصوصاً شمال النهر، حيث أنشأ التحالف الدولي قواعد لحماية حقول النفط والغاز، ومن ثم فإن الهجمات الأخيرة لا تعدو كونها محاولات لزعزعة الاستقرار لتأليب الرأي العام على "قسد"، التي عادة ما تلجأ إلى الحلول الأمنية لمواجهة احتجاجات المدنيين على تردي الحالة المعيشية. ورغم مرور نحو عام ونصف عام على سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" نهائياً على ريف دير الزور، تؤكد مصادر محلية أن الأوضاع المعيشية لم تشهد تحسناً كبيراً، ما يولّد استياءً كبيراً لدى المدنيين. واضطر عدد كبير من أهالي ريف دير الزور إلى النزوح عن مناطقهم على مدى سنوات الثورة السورية، إما بسبب قوات النظام، أو تنظيم "داعش"، أو "قوات سورية الديمقراطية"، خصوصاً أن المنطقة كانت، قبل الثورة في عام 2011، تعاني إهمالاً كبيراً من قبل النظام، رغم أنها تضم عدداً من أكبر حقول النفط والغاز في سورية.

وتحوّل ريف دير الزور جنوب النهر إلى منطقة نفوذ إيراني، حيث تسيطر مليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني على المنطقة الممتدة من الميادين غرباً إلى البوكمال على الحدود السورية العراقية شرقاً. وأقامت هذه المليشيات قواعد عسكرية تتعرض بين وقت وآخر لهجمات جوية من طيران التحالف الدولي ومن مقاتلات إسرائيلية. وكان النظام السوري قد افتتح، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، معبر البوكمال الحدودي مع العراق بعد أكثر من 7 سنوات على إغلاقه. ووفق مصادر محلية، فإن افتتاح المعبر جاء تتويجاً لمساعٍ إيرانية حثيثة للسيطرة الكاملة على الشرق السوري، في سياق سياسة هدفها فتح ممر يبدأ من طهران، ويمرّ بالعراق وسورية، وينتهي في لبنان على ساحل المتوسط.

المساهمون