كان من الطبيعي أن تهيمن أحداث العراق ولبنان والجزائر، على حديث مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة، في برنامج "حديث خاص" على شاشة "التلفزيون العربي"، ذلك أن التطورات في هذه الدول الثلاث، تطبع الواقع العربي في الموجة الحالية من مسار الانتفاضات العربية.
وخرج بشارة بملاحظة جامعة تشمل الملفات الثلاثة، مفادها أن المنتفضين في هذه البلدان، أمام تحدي إنتاج قيادتهم وتنظيماتهم وممثليهم، ذلك أن هذه الحركات الكبرى يجب ألا تنزلق نحو الشعبوية في رفض أي قيادة أو أي تنظيم، لأنها حراكها في هذه الحالة سينتهي، وتنتهي تضحياتها، لتعود الأحزاب المنظمة الموجودة فعلاً وتستلم مقاليد الأمور.
وبحسب بشارة، فإنّ على هذه الحركات الشعبية الكبرى أن تبدأ في التفاوض مع السلطة، وحين لا تحمل الثورة قيادات وتستبدل أنظمةً بأخرى، نكون أمام ثورات إصلاحية، لا تريد أن تحكم، بل تضغط على السلطة لدفعها إلى إجراء إصلاحات حقيقية، بالتالي عليها أن تدخل في حوار مع السلطة من إجل إجراء تغيير تدريجي.
ولاحظ بشارة أن تظاهرات الجزائر لم تخرج منها نواة لقيادات من الحراك تتحدث باسمها، وهذا، وفق بشارة، يهدد بتضييع إنجازات المنتفضين.
وعن الجزائر أيضاً، أشار بشارة إلى أن الحل كان يمكن أن يكمن في طرح الانتفاضة مرشحاً أو مرشحين للانتخابات الرئاسية لقيادة المرحلة الانتقالية، لأن الرئيس سيكون في وضعية يستطيع فيها ممارسة الحكم. وعن الجيش، الذي "لم يطلق النار على المتظاهرين"، قال إنه "إذا لم يكن لديه طموح سياسي، فإن الجزائر تكون متجهة نحو الديمقراطية"، على حد تعبير بشارة.
وبعيداً عن الجزائر، توقف بشارة عند ربط المحتجين في لبنان والعراق بين الفساد والنظام الطائفي، وهذا يدلّ على وعي لدى هؤلاء، وهو بمثابة ثورة في الوعي، رأى أنه قد ينتج عنها حركات غير طائفية قد تختلف على عناوين، لكن لا علاقة لها بالطائفية، "لكنّ ذلك مشروط بنظام انتخابي جديد، لأن الشكل الحالي لا يسمح لقوى ديمقراطية بالوصول إلى البرلمان". من هنا اعتبر بشارة أن تسمية الانتفاضتين في العراق ولبنان بالثورة، أمر جائز لأن ما يحصل هو "ثورة في الوعي".
ورأى بشارة أن القول إن غالبية المتظاهرين العراقيين هم من الطائفة الشيعية "مهم في سياق تأكيد لاطائفية ما يجري"، كون الجمهور الأساسي للمتظاهرين تعرّفه السلطة على أنه "جمهورها"، فهذا يعني أن هؤلاء باتوا يرفضون استمرار الطائفية التي تحرمهم من خيرات بلدهم الغني جداً بموارده الطبيعية.
وتوقف المفكر العربي عند حقيقة أننا لاحظنا اكتشافاً للهوية الوطنية في العراق ولبنان، وهذا إعلان بالغ الأهمية لناحية تكوين الثقافة السياسية في البلدين، تُرجم في العراق بشعار "نريد وطناً"، وهو ما قد يعني عملياً "نريد دولة".
وعن العراق أيضاً، حذّر بشارة من أن حلّ الحكومة وإجراء انتخابات جديدة وفق النظام الانتخابي الحالي، بعد كل ما قدمه العراقيون، سيكون بمثابة إهدار للتضحيات، لأن القوى الطائفية ستعود، لذلك فالأولوية بالنسبة لشباب الانتفاضات اليوم، هي أن يفرزوا حركاتهم وأحزابهم. وفي سبيل الخروج من النظام الطائفي، ليس مستحيلاً الولوج بطرق تدريجية بحسب رأي بشارة، مثل تقسيم البرلمان إلى قسمين، أو إلى مجلسين، مثلاً، قسم تنتخبه المحافظات، وقسم آخر ينتخب قُطرياً.
ولفت المفكر العربي إلى أنّ "النفوذ الإيراني في العراق لا يزال موجوداً"، وذكّر بأن ذلك النفوذ حاصل بفضل أميركا ما بعد الاحتلال، "لكن شرعية تدخلها ونفوذها في العراق ضُربت" في الانتفاضة الحالية، وما يثير الدهشة وفق ملاحظة بشارة، هو حديث بعض المسؤولين الإيرانيين عن رفضهم التدخل في الشؤون الخارجية للدول، "وكأن لدى بعض المسؤولين الإيرانيين شعوراً بأحقية فرض الوصاية من قبلهم"، وهو ما قابله العراقيون برسالة رفض لكل الوصايات.
وعن تعريف ما يحصل في لبنان، بين ثورة وحراك وانتفاضة، خلص بشارة إلى أنه ليس ثورة بالمعنى الضيق للمصطلح بمعنى أن الحراك لا يطرح نفسه ليستلم الحكم وإرساء نظام آخر، ولأن النظام في لبنان تعددي طائفي يستحيل قلبه في انتفاضة، لأن هذا مسار يستغرق وقتاً، بل إن ما يحصل هو "انتفاضة ثورية ضد الطائفية غير مسبوقة في هذا البلد منذ ستينيات القرن التاسع عشر". ووصفه بأنه "حدث كبير وعظيم، لأن اللبنانيين والعراقيين كذّبوا الأسطورة التي كانت تفيد بأنه في حال خرج الشعب في حراك عريض، فإنه سينقسم إلى طوائف".
وتوقف بشارة عند مفارقة أن ما يحصل في لبنان "ليس ثورة ضد حزب الله، لكن المثير أن حزب الله تعاطى معها وكأنها ثورة ضده"، مشيراً إلى أن حزب الله استثمر إنجازاته ضد إسرائيل لتعميق نفوذه داخل الدولة اللبنانية ووظائفها ووزاراتها، لأن التمويل الإيراني ربما يكون قد انخفض.
وختم رداً على سؤال بالقول إن حزب الله أصبح حزب سلطة، لا حزب معارضة، لذلك هو يرى أن الحراك موجه ضده، وهو الحزب الذي انتقل من حزب مذهبي متشدد، إلى حزب طائفي. ورأى أن أحد الأمور التي أكدتها الانتفاضة الحالية، أن جنوب لبنان هو لبناني ويريد هوية وطنية لبنانية، وهو ما يعتبره أي زعيم طائفي تهديداً لقدرته على إحكام قبضته على أبناء طائفته.