أثار موت الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، أمس الاثنين، خلال إحدى جلسات محاكمته في القضية المعروفة إعلامياً بـ"التخابر مع الخارج"، من جراء الإهمال الطبي داخل محبسه على مدار ست سنوات، تساؤلات عديدة حول احتمالات دفن رواية الانقلاب الأصلية إلى الأبد، مع رحيل أول رئيس مدني منتخب للبلاد عزله الجيش في صيف عام 2013.
وعمدت السلطات المصرية إلى عزل مرسي عن جميع السجناء منذ اعتقاله في 3 يوليو/ تموز 2013، وكذلك عدم مقابلة أحد من المحامين في هيئة دفاعه، مع السماح فقط لأسرته بزيارته داخل محبسه ثلاث مرات في ظل حراسة أمنية مشددة، لضمان عدم حديث الرئيس الراحل عن كواليس ما جرى في الغرف المغلقة قبل وقوع انقلاب الجيش وأثناءه.
ولم يُكشف النقاب بعد عن كثير من رواية الانقلاب، التي شهد تفاصيلها مرسي وعاشها دقيقة بدقيقة أثناء احتجازه في مقر الحرس الجمهوري، خلال الفترة من 3 إلى 5 يوليو/ تموز 2013، ولم تخرج إلى النور حتى الآن، في ظل الحصار الذي فرض عليه طوال مدة احتجازه، سواء في سجن برج العرب بالإسكندرية، أو سجن طره بالقاهرة، ومنعه من التواصل نهائياً مع العالم الخارجي.
وفي 6 ديسمبر/ كانون الأول 2014، قال مرسي، مخاطباً قاضي محاكمة قضية "التخابر"، إن "قائد الحرس الجمهوري اللواء محمد زكي (ترقى إلى رتبة فريق ليشغل منصب وزير الدفاع حالياً)، جاء ومعه مجموعة من الضباط، واصطحبوه بالقوة الجبرية من مقر إقامته إلى إحدى الطائرات التي هبطت به في قاعدة عسكرية بمحافظة الإسكندرية، احتجز فيها خلال الفترة من 5 يوليو/ تموز إلى 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013".
ولم تستجب هيئة المحكمة لطلب مرسي بعقد جلسة سرية تجمع بين رئيس المجلس العسكري السابق، المشير محمد حسين طنطاوي، ورئيس أركان الجيش السابق الفريق سامي عنان (محتجز منذ العام الماضي بسبب إعلان ترشحه للرئاسة)، والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وصهره رئيس الأركان السابق محمود حجازي، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة عباس كامل، لمساءلتهم في مواجهته.
وقال مرسي حينها: "أنا غادرت الحرس الجمهوري بالقوة الجبرية قبل وقوع مجزرة الحرس (شهدت مقتل 61 مدنياً من مؤيدي الرئيس الراحل برصاص الجيش)"، مستطرداً "أنا أخشى أن أتحدث عن تفاصيل تمس الأمن القومي للبلاد، ولدي الكثير من التفاصيل التي لن أكشف عنها إلا فى جلسة خاصة"، على حد تعبيره.
وحسب مراقبين، فإن نظام السيسي كان حريصاً بشدة على عدم تحدث مرسي عن تفاصيل الانقلاب، أو كواليس اعتقاله بالمخالفة لأحكام الدستور، فضلاً عن الإمعان في تعذيبه نفسياً وعصبياً إلى أقصى درجة، بمنع الزيارات نهائياً عنه، ومحاصرته داخل محبسه على مدار 24 ساعة في اليوم، من دون مطالعة الصحف، أو إدخال ورقة وقلم لتدوين أفكاره، حتى لا ينقل أسرار ما جرى في الانقلاب إلى العلن.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، حذرت مصادر حقوقية مصرية من إمكانية تكرار سيناريو وفاة مرسي للعديد من قيادات نظامه القابعة في سجون الانقلاب، خصوصاً أن قطاع مصلحة السجون ينتهج سياسة واضحة إزاء ملف الإهمال الطبي المتعمد بحق السجناء السياسيين، وعلى وجه أخص المنتمين إلى جماعة الإخوان، بهدف تصفيتهم داخل مقار الاحتجاز، عوضاً عن إثارة الرأي العام في الخارج باستصدار أحكام قضائية بإعدامهم.
ولا تستجيب مصلحة السجون لمطالب أي من قيادات الجماعة الذين يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة بالعلاج داخل مستشفى السجن أو على نفقتهم الخاصة في مستشفيات خارجه، علاوة على منع إدخال الأدوية لهم من خلال ذويهم، وهو ما أدى إلى وفاة العشرات منهم، ولعل أبرزهم المرشد العام السابق للجماعة محمد مهدي عاكف، الذي توفي في 22 سبتمبر/ أيلول 2017، ودفن في صمت، كمرسي، من دون مشيعين.